• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ذكر الله كثيراً

ضياء الدين أحمد

ذكر الله كثيراً
◄قال تعالى:

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (الأحزاب/ 41).

(وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 10).

(أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).

(مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه/ 124).

ذكر الله تعالى هو العيش بمعية الله والشعور بوجوده وحضوره في كلّ آن مع الإنسان، وذاكر الله تعالى هو الإنسان الذي تكون حالته حالة الخاضع له الخاشع لنعمائه المعظم لآلائه المستهيم بحبه المستجيب لأمره المسلم له المطيع لما يريده منه، والذاكر لله تعالى يمتاز ببصيرته النافذة في الحياة ومقدرته على الرؤية الواضحة والإبصار الدقيق والقرار المحقق لإرادة الله في القضايا والأحداث.

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 201).

وذاكر الله تعالى هو الإنسان الذي يعيش حالة يقظة وانتباه من دون النّاس الذين هم في نوم أو غفلة على آلاء الله وعظيم صنعه فهو في كلّ حالة هو فيها يذكر الله، وذكره لله تعالى يجعل عقله مندهشاً من بديع خلقه وفكره منذهلاً من انتظام مخلوقاته وحكمته فيما أبدع، قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 191).

وفي مجاهدة الإنسان لنفسه وسعيه لتزكيتها وتربيتها على الخير والفضيلة ووضعها في الصراط المستقيم، يكون ذكر الله من الوسائل المهمة والتي لا يتمكن من دونها أن يسير خطوة واحدة إلى الأمام في تزكية نفسه ومجاهدتها.

فبذكر الله يقوم الإنسان الذاكر بفتح الطريق بينه وبين ربه وبذلك يوصل نور الله إلى قلبه (اذكروني أذكركم..) ذكره تعالى لعبده يضعه نتيجة لذكر العبد له تعالى، فما لم يذكر الإنسان ربه، لا يذكره تعالى.

والله تعالى ليس شحيحاً بنعمته أو بخيلاً برحمته التي وسعت كلّ شيء، وإنما هو تعالى خلق عباده وجعل ذكرهم له مفتاحاً لاستمطار رحمته واستدرار نوره وبركته.

قال الإمام السجاد (ع) في مناجات الذاكرين:

"إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك، أنت المسبح في كلّ مكان، والمعبود في كلّ زمان، والموجود في كلّ أوان، والمدعو بكلّ لسان، المعظم في كلّ جنان، واستغفرك من كلّ لذة بغير ذكرك، ومن كلّ راحة بغير أنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك، إلهي أنت قلت وقولك الحق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب/ 41-42)، وقلت وقولك الحقّ: (فاذكروني أذكركم) فامرتنا بذكرك، ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا، فانجز لنا ما وعدتنا، يا ذاكر الذاكرين، ويا أرحم الراحمين".

وذكر الله تعالى يجعل الإنسان يراه سبحانه في كلّ آن ومكان ويرى عظمته متجسدة في كلّ شيء، وتكون كلّ الموجودات من مخلوقاته في نظر الإنسان الذاكر هي علائم في الطريق إليه تعالى ومظاهر لكماله وقدرته، فيرى الله تعالى من خلالها، ويشعر بوجوده.

حيث قال (ص): "يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرك بي شفتاه".

فمعية الله تعالى سببها بيد الإنسان، وهذا مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده كما قال الإمام السجاد (ع) في مناجاته:

"فأمرتنا بذكرك، ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً وإعظاماً".

فالإنسان يستطيع أن يكون مع الله تعالى بذكره له.

ولذلك أصبح ذكر الله من أفضل الأعمال ومن خير القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى وكان الذاكر لله في مقامات عليا حيث قال الرسول (ص): "ذاكر الله في الغافلين كالحي بين الأموات".

وقال الإمام الصادق (ع):

"من أكثر ذكر الله أضله الله في جنته".

إذا كان هذا هو دور الذكر في تقريب الإنسان لربه وفي تزكية نفس الإنسان فهل للذكر وقت معيّن يذكر الإنسان فيه الله تعالى أو في مكان معيّن أو على حالة معيّنة أم ماذا؟

ليس للذكر وقت معيّن ولا مكان مخصص ولا حالة دون حالة، بل انّ ذكر الإنسان لربّه يجب أن يكون في كلّ وقت وفي كلّ مكان وعلى كلّ حال لأنّ الإنسان الذي يريد أن تزكو نفسه ويصح عمله ويسير في صراط الله المستقيم لا يمكنه أن ينفك عن الارتباط به تعالى لحظة واحدة وأنّ الذكر هو الأداة التي تمكن الإنسان من الارتباط بربّه فالله تعالى مع عبده ما دام هو في حالة ذكر له، قال الإمام الصادق (ع): "ما من شيء إلّا وله حد ينتهي إليه إلّا الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه، فرض الله تعالى الفرائض فمن أداهن فهو حدهن، وشهر رمضان فمن صامه فهو حده، والحج فمن حج فهو حده إلّا الذكر فإنّ الله تعالى لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه ثمّ تلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب/ 41-42)، وقال (ع): لم يجعل له حداً ينتهي إليه، قال (ع): وكان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلّا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر، والبيت الذي يُقرأ فيه القرآن ويذكر الله فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدّرّي لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته، وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين، وقد قال رسول الله (ص): ألا أخبركم بخير أعمالكم، أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم، خير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى كثيراً، ثمّ قال: جاء رجل إلى النبيّ (ص) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال:

"أكثرهم لله ذكراً، وقال رسول الله (ص): مَن أعطى لساناً ذاكراً فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، وقال في قوله: (ولا تمنن نستكثر) قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله".

وبذلك كان الذكر من أهم الوسائل التي يستطيع بها الإنسان أن يزكي نفسه وينتصر على هواه ويتقرب إلى ربه، وكما انّه ليس للذكر وقت مخصص ولا حال معيّن ولا مكان معلوم، بل هو في كلّ مكان وكلّ وقت وعلى كلّ حال.

ومجالس ذكر الله تعالى هي خير المجالس وهي رياض الجنة التي ينعم بها الذاكرون كما جاء في عدة الداعي أنّ رسول الله (ص) قد خرج على أصحابه، فقال: "ارتعوا في رياض الجنّة" قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنّة؟ قال: مجالس الذكر اغدوا وروحوا واذكروا، ومن كلّ يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإنّ الله تعالى ينزل العبد حيث أنزل العبد الله من نفسه، واعلموا: أنّ خير أعمالكم عند مليككم وأزكاها وأرفعها في درجاتكم، وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله تعالى، فانّه تعالى أخبر عن نفسه فقال: "أنا جليس من ذكرني" وقال تعالى: "فاذكروني أذكركم بنعمتي، اذكروني بالطاعة والعبادة أذكركم بالنعيم والإحسان والراحة والرضوان".►

 

المصدر: كتاب نظرات في تزكية النفس

ارسال التعليق

Top