• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رحمة روحانية رمضانية

رحمة روحانية رمضانية

بُنيت قيم الإسلام على الرحمة والرأفة والشفقة والتعاون والتكافل، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوةً وأسوةً في تجسيد الرحمة قولاً وفعلاً حتى مع أعدائه، وبات التراحم السِّمة الأبرز في المجتمع الإسلامي الأوّل (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29). إنّ أساس الدِّين هو تنظيم الرابطة بين العبد وربِّه من جهة، وبين الإنسان وأخيه الإنسان من جهةٍ ثانية، وقد اعتبر الإسلام أنّ الرحمة هي السِّمة الأساسية لهذه الرابطة (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد/ 17).

بالرحمة يتحقق الخير والعطاء إلى الآخر، والله سبحانه يُتيح رحمته لكلِّ المخلوقات، ويشمل بها البشرية كلَّها، بصرف النظر عن الجنس واللون واللغة والدِّين والإيمان والجغرافيا، ولا يحرم أيَّ كائنٍ أو مخلوقٍ من هذه الرحمة، فالتعامل الإلهيّ مع خلقه قام ويقوم على الرحمة، وترد آيات الرحمة في القرآن الكريم بوصفها قيمةً مطلوبةً لكلِّ المخلوقات والناس، وهذا ما يكسبها عموميتها وشموليتها (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام/ 12). وبدون الرحمة، تكاد الحياة تكون جحيماً، أو أمراً مستحيلاً؛ إذ كيف سيكون العالم من دون حنان أُمّهات، وبآباء لا يعرفون من الأُبوّة غير الإنجاب، ومجتمعات تسودها الأنانية والأحقاد والعداوات، ولا تعرف أيّ نوعٍ من علاقات التراحم والتعاون. وهذا ما يُفسِّر لماذا كانت الرحمة في القرآن الكريم مقياساً للإيمان، ولماذا وصف الله سبحانه القرآن بأنّه (هُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، ولماذا أرسل رسوله بالإسلام هدى ورحمة للبشرية جمعاء.

شهر رمضان هو شهر التقوى والتقرب إلى الله عزّوجلّ بالإقبال على الطاعات وهجر المعاصي والذنوب، على أمل التعرض لنفحات الكرم الإلهي والرحمة الربانية التي يفيض بها الله تعالى على عباده في هذا الشهر الفضيل. يحتاج المسلم إلى أن يذكر نفسه وغيره بضرورة استثمار الأوقات المباركة ومواسم الرحمة والمغفرة في العمل للآخرة، وبضرورة الإفادة من الوقت ونفحات هذا الشهر وآثارها المباركة العاجلة والآجلة. لذا، فإنّه من المهم بمكان أن ينتفض المسلم انتفاضة رحمانية روحانية رمضانية مع انطلاق هذا الشهر الكريم، ليزيل غبار المعاصي المتراكم، والوهن الذي أوهى القلوب والأفكار، فيعيد نور الفطرة إلى القلب المظلم، ويغذي الروح بمياه النقاء، ويكسو الجوارح بلباس التقوى، ويعطر كيانه بعبير التوبة، فيسلم من الضلالات، ويستل عن مجاميع الهوى متشوفاً جوامع الهدى، ويطرد عن نفسه تلك الأدران التي ربما لحقته قبل إشراقة شمس رمضان مستفيداً من هذا الشهر وبركته، سالكاً هدى النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقتدياً بكمال علوم همته (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وأمته، ولاسيما في مثل هذه الأوقات الفاضلة والمواسم الفاصلة في حياة المسلم.

فما أجمل أن نلتقي في رمضان بالصدق والإخلاص والوفاء والمحبة فبالحب نعيش ونسعد من دون لوم أو تجريح، فنطوي آلامنا، ونفتح قلوبنا للمحبة، ونتمنّى الخير لنا ولكل الناس، وبقدر فرحتنا بإستقباله بقدر ما نرفع أيدينا بالدُّعاء، راجين من المولى أن يعيده علينا ونحن أسعد حالاً وأكثر إيماناً وحباً. فهو شهر وحيد في فضله، عظيم في أجره، فالملائكة تستغفر للصائمين حتى يفطروا، فعلينا أن نتسامح مع من أسأنا لهم، ونصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمن ظلمنا، ونراجع كشف حسابنا، وما حصدناه طوال حياتنا السابقة.

ارسال التعليق

Top