• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رسائل قصيرة في إدارة العواطف

رسائل قصيرة في إدارة العواطف

عقلنة العواطف:

ينبغي أن نؤكد في كلّ الأحوال وفي كلّ الظروف على أهمية استيعاب الأبناء من قِبَل الوالدين وإن ذلك أحد الثوابت الأساسية في إطار العلاقة السليمة بين الأهل والأبناء، التي تقتضي أن يُعمِل الآباء جهودهم باستخدام الأساليب الإيجابية التي تحقق استيعاب الأبناء وجذبهم والتواصل معهم واحتضانهم وهذا ما تقتضيه الرحمة الوالدية.

بيد أنّ العاطفة الوالدية قد تتجه نحو المكان الخطأ ولا تصيب الحقيقة، وإن كان باعثها الرحمة والشفقة، ومنطلقها الحرص والخوف على الأبناء، فقد يبرر بعض الآباء استخدامهم لأساليب خشنة وجافة مع أبنائهم على أن ذلك وسيلة لتربيتهم، في حين أن تعامل الآباء مع الأبناء بجفاء وخشونة تحت أي مبرر وذريعة خطأ جسيم.

وهناك بشكل دائم حاجة ملحة في أن يُرَشِّد الآباء عواطفهم، ويتحكموا بها في مواجهة المشكلات الأسرية، وأن يبتعدوا عن الإنفعال العاطفي عند مواجهة المواقف الخاطئة، وأن لا يبددوا عواطفهم بشكل سلبي لتأخذ مجرى خاطئاً.

إنّ الأبناء بحاجة إلى عواطف آبائهم الجياشة والسيالة، إنّهم ينتظرون منهم العطف والحنان ويتوقعون منهم مزيداً من الرحمة والرأفة، وكلما ارتكب الأبناء حماقات وابتعدوا عن الجادة كلما  كانت حاجتهم للرحمة أشد.

إنّ الغضب والانفعال والتشنج لا يعيد الأمور إلى نصابها، ولا يعالج أي مشكلة بل علينا التحلي بمزيد من الحكمة عند التعامل مع مشكلات الأبناء كي نستوعبهم ونسترجعهم ونبعدهم عن المؤثرات السلبية.

ولقد ثبت تربوياً إن استخدام بدائل الغضب والانفعال أجدى نفعاً في استيعاب الأبناء بشكل دائم يدفع الأبناء إلى تحدي قرار الآباء والتمرد على الأسرة والانفصال عنها، وقضاء أوقات خارج محيطها، وهو مؤشر على إضطراب العلاقات الأسرية، ومن هنا قد يجد الأبناء مبررات كافية للإصرار على التحدي، والتواصل مع المحيط الخارجي بعيداً عن التوجيه الأسري الرشيد.

إنّ التواصل الدائم مع الأبناء ومحاورتهم واحترامهم وتشجيعهم سيجد بالتأكيد صدى إيجابياً في نفوسهم، ويصلح ما فسد، ويعيد الأمور إلى نصابها، وعلينا أن نتحلى بعاطفة عاقلة بعيداً عن الانفعال والتشنج لإدارة حياتنا الأسرية بشكل فعال حتى لا تتحول عواطفنا إلى عواصف هوجاء مدمرة تتحرك بشكل انفعالي وعشوائي فتفسد ولا تصلح.

وحتى نستطيع عقلنة عواطفنا علينا أن ندرك حجم الكوارث والمشكلات التي تخلفها الكوارث المنفعلة وغير المنضبطة على نفوس الأبناء في اللحظة الأولى لمواجهة الأزمة.

 

التوازن العاطفي:

يخطأ الكثير من الآباء عندما يغدقون عواطفهم بشكل واضح على بعض الأبناء دون سواهم ولو كان ذلك تلقائياً وبغير قصد، فقد يثني الآباء على بعض الإخوة ويشيدون بهم دون الآخرين، ويطلقون عواطفهم بلا حدود مدحاً وثناء بشكل متكرر وواضح بلا مراعاة لمشاعر الإخوة الآخرين.

إنّ الإنسياق مع العواطف وإغداقها على بعض الإخوة دون الآخرين بهذا الشكل الانفعالي قد يثير كوامن الغيرة والحسد، وقد يتحول كل ذلك إلى ضغائن وأحقاد عمياء، وشعور بالغبن والحرمان ويؤدي إلى نفور الأبناء من آبائهم وربما وقوعهم في مشكلات نفسية وعاطفية لا تحمد عقباها!!

 

استوعب عواطف أبنائك:

من الضروري استيعاب عواطف الأبناء وترشيدها للمحافظة على حالة التوازن العاطفي عند الأبناء، إذ أن أي خطأ تربوي في مجال التعامل مع العواطف يخلف آثاراً نفسية عميقة، فقد يحدث أن يطلب الآباء من أبنائهم التزام الصمت والتوقف عن البكاء بشكل فوري وقسري، وقد يستجيب الأبناء لأوامر الآباء، ويأتمرون بأمرهم ويتوقفون عن البكاء، بيد أنّ هذا ليس حلاً موفقاً، إذ أنّ العواطف تحتاج دائماً إلى تنفيس وتفريغ ولا يمكن أن تستجيب للقمع إلى الأبد، فهي وإن قمعت ظاهراً لن تموت بل ستتحول إلى كتلة ملتهبة كامنة في الداخل، وربما أخذت مساراً خاطئاً، وفي كلّ الأحوال يمكن ترشيد العواطف بشكل سليم لتصل إلى نهاية وهجها، وتحط بشكل آمن ومتوازن، في حين أن قمعها أو تجاهلها يتحول إلى حالة مرضية.

 

همسة في أذنك:

كثير من الناس يُحمَّلون الغير مسؤولية مشكلاتهم العاطفية والنفسية، ويقذفون بها بعيداً عن ذواتهم، ويبرئون أنفسهم من أي مسؤولية، فقد تقول البنت (مثلاً): أمي سبب شقائي وتعاستي وما أنا فيه من متاعب وهموم، والولد يوجه لومه وعتابه الشديدين لأبيه ويتهمه بأنّه السبب وراء مشكلاته النفسية وسوء طالعه!

والواقع أنّ الكثير من المشكلات يتحملها أوّلاً الشخص ذاته قبل غيره، إذ كان بإمكانه أن يبحث عن حل من أول مرة، وأن لا يستسلم بعد ذلك للظروف القاهرة التي تجعل منه شخصاً غير سوي، وأن يطلق في ذاته مارد الإرادة ويكسر الاغلال والعوائق المقيدة لحركته ليخرج من مشكلاته ولو بمساعدة الآخرين، أما أن يستسلم لتأثير الآخرين وممارستهم السلبية في حقه كما يزعم ثمّ يتنصل من أخطائه فهذا أمر لا يقبله عاقل.

إن ما يعانيه البعض من مشكلات الفراغ العاطفي وتوابعه ليس قدراً حتمياً لا يمكن مقاومته، والتغلب على مشكلاته، وبالتالي فإنّ الإنسان بإرادته يقهر أعقد المشكلات، ولكنه عليه قبل ذلك أن يعترف أنّه وحده يتحمل مسؤوليته الذاتية أوّلاً وإن كان الآخرون بالفعل قد تسببوا في إيذائه، فكم من محروم من العطف والحنان تفوق على أقرانه إبداعاً وإنتاجاً وأخلاقاً عندما صمم أن لا يستسلم لهاجسه، وقرر أن يخوض حرباً شرسة على معاناته فخرج منتصراً لنفسه عليها، وكأن إنسان جديد! ولو تصفحنا حياة العظماء والعباقرة لرأينا أن بعضهم كان عليه وهو يواجه الكثير من المعاناة النفسية والعاطفية أن يقبع في زاوية صغيرة من زوايا الحياة، ويدفن نفسه تحت هواجسه وهمومه النفسية والعاطفية ويعيش كوابيس الحياة إلى النهاية!!

لكن ذلك كله لم يحصل، بل قرر البعض أن يتخلص من أوهامه العاطفية ويطلق إرادته في كلّ اتجاه، ويكسر القيود والأغلال النفسية الموهومة ويحرر تفكيره من كلّ الهواجس.

إنّ قدرات الإنسان التي وهبها الخالق عزّ وجلّ لا تحد، وهي قادرة على تجاوز كلّ التحديات والمشكلات العاطفية والنفسية، إلا أنّ ذلك كله يحتاج إلى عزيمة راسخة وإرادة ماضية.

وإذا  كان البعض لا يُعمِل تفكيره وإرادته في مواجهة المشكلات ويستسلم لقدره الموهوم، فهناك الكثير من الأفراد تجاوزوا المحن والآلام والمشكلات بل وصنعوا من آلامهم وحرمانهم سلالم للارتقاء بأنفسهم إلى درجات سامية وحققوا لأنفسهم مكانة هامة، وحولوا ضعفهم إلى قوة هائلة.

ونشاهد في واقعنا الاجتماعي من تعرض لحرمان عاطفي، وقد استطاع تخطي آلامه، وتفوق على أقرانه ونسج شبكة من العلاقات الاجتماعية والإنسانية والمهنية، وسخر كل ذلك لخدمة مجتمعه، ولم يقع ضحية تلك الآلام والمشكلات التي يتحدث عنها (النفسيون) في موضوع الحرمان العاطفي... فهل نستطيع أن نتحدى مشكلاتنا العاطفية والنفسية، ونُعمِل فكرنا وإرادتنا لنريح ذواتنا، فلسنا الوحيدين الذين صنعوا قدرهم بأيديهم، وقهروا مشكلاتهم بإرادتهم وحدهم!

 

المصدر: كتاب أريد حُبّا للكاتب محمد العليوت

ارسال التعليق

Top