• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رسالة الشهر الفضيل

عمار كاظم

رسالة الشهر الفضيل

إنّ الصوم بكلّ أجوائه الروحية والأخلاقية، يدرِّبنا على أن ننظر مليّاً إلى الغايات التي نهدف إليها من مادّية ومعنوية؛ هل هي في رضا الله تعالى أو لا؟ فإذا كانت في رضاه، فعلينا أن نزداد منها، وإذا كانت مخالفة له، فعلينا أن نبتعد عنها ونتجنّبها. إنّ قيمة الصوم تقدَّر بحسب ما نهدف إليه من القيام بأعمال معيّنة، أو بما نحمل من مشاعر معيّنة أو مواقف معيّنة، فإذا ما فعل الصوم فعله، ورجع المرء إلى صوابه وهداه، وتصرَّف التصرُّف المنسجم مع قواعد العدل والحقّ، فإنّ هذا الصوم يحاكي ما في روحه من طيبة وجمال وطهارة ونوايا حسنة مخلصة لله تعالى، وبقدر ما يبتعد الإنسان عن الله ويصوم شكلاً، فإنّ هذا الصوم لا قيمة له ولا أثر.

إنّنا نقرأ في شهر رمضان بعد كلِّ صلاة، دعاءً يوحي بأنّ على الإنسان أن يتطلّع إلى كلّ الذين يعانون من الآلام ومن المآسي، ليشاركهم ذلك، وليرفع دعاءه إلى الله بأن يفرج عنهم، تماماً كما لو كان يدعو لنفسه: «اللّهمّ أدخِل على أهل القبور السّرور، اللّهمّ أغنِ كلّ فقير، اللّهم اقضِ دين كلّ مدين، اللّهمّ فرّج عن كلّ مكروب، اللّهمّ ردّ كلّ غريب، اللّهمّ فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللّهمّ سدّ فقرنا بغناك، اللّهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللّهمّ اقضِ عنّا الدَّين وأغننا من الفقر إنّك على كل شيء قدير».

وهكذا ننطلق في شهر رمضان، لنشعر بأنّه شهر الصيام الذي يجعل الإنسان يتصلّب في إرادته، عندما يواجه كلّ السلبيّات التي ربما تجتذبه ليؤكّد ابتعاده عنها، وليواجه الإيجابيّات التي يُراد له أن يأخذ بها لينفتح عليها، ثم هو شهر القيام الذي يقف فيه الإنسان بين يدي ربّه في الليل والنهار، لينفتح على ربّه، وليسموَ بروحه إلى الله، لأنّ الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، حيث يلتقي المخلوق بالخالق ليستمدّ منه كلّ ما يغني عقله وروحه وفكره، وليتضرّع إليه في أن يهديه إلى الصّراط المستقيم، ولأن يسير به نحو الدّرجات الرفيعة للرّضوان، حيث يلتقي به بعد أن يفارق الحياة ليعيش في رحمته ولطفه وجوده وكرمه.

كنّا في شهر رمضان نعيش في هذه الجولة الروحية التي يرتفع فيها الإنسان إلى الله ويتحرّك في رحاب آياته، ويعيش حركة الحبّ له الذي يمتزج فيه الرجاء والخوف، باعتبار أنّه ليس الحبّ العاطفي الذي ينبض به القلب، ولكنّه الحبّ الذي يعيش فيه الإنسان المسؤولية أمام من يحب، ذلك أنّ حبّ الله مسؤولية وليس نبضة قلب وخفقة إحساس. وقد حدّثنا الله عن ذلك في قوله سبحانه وتعالى فيما وجّه به الخطاب إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران/ 31)، فحب الله حركة في العقل وانفتاح في القلب وانطلاقة في الواقع، ولذلك فإنّك إذا أحببت الله فإنّك تحبه في خطّ رسالته، والرسالة تقول لك افعل هذا ليرضى الله عنك حتى تحصل على محبته (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) وإذا لم تفعله فإنّك تحصل على سخطة تماماً كما هو الحبّ في الدُّنيا، فإذا كنت تسيء إلى من تحب فمن الطبيعي أن يسخط عليك من تحب.

ارسال التعليق

Top