• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

رسالة المعلّم عبر الأجيال

عمار كاظم

رسالة المعلّم عبر الأجيال

قال تعالى في كتابه الكريم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5). وهذه أوّل الآيات نزولاً، فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّنا الكريم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) هو وكلّ فرد من أفراد أُمّته أن يقرأ ويتعلّم، عِلم يكون فيه نفع لدينه ودنياه، وقد حثّنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على التعلّم في كثير من الأحاديث. والتعلّم يكون على أيدي مَن يستطيع أن يقدّمه وهو المعلّم.. فكان المعلّم ولا يزال موضع تقدير وتكريم، ولم يختلف على ذلك أحد عبر العصور، لأنّ مهمّته هي صناعة الإنسان؛ هذه المهنة التي تعتبر من أشرف المهن وأرقاها.. فالمعلّم هو مفجّر الطاقات، وأداة التغيير، وقائد المستقبل إذا ما توافرت فيه سلامة العقيدة، وغزارة العلم، ومهارة الأداء، ومنظومة القيم، ورسالية السلوك. فهذه المواصفات التي تؤدِّي إلى نجاحه في مهمّته الرسالية. قال أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي خلّد المعلّم بقوله:

أرأيت أشرف أو أعزَّ من الذي******** يبني وينشئ أنفُساً وعقولاً

وفيما يتعلَّق بالأهداف التربوية التي يجب على المعلّم أن يسعى إليها في كلِّ زمان ومكان، هي:

- تنمية كامل شخصية المتعلِّم، بأبعادها الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية والروحية.

- إكساب المتعلِّم المعارف والخبرات والمهارات الكافية التي تمنحه الثقافة، والقدرة على التكيّف، ومواجهة تحدّيات المستقبل في سوق العمل وآفاق الإبداع.

حتى يملك المعلّم القدرة على تحقيق هذه الأهداف بكفاءة عالية، عليه أن يمتلك المؤهِّلات العلمية، والمهارات الأدائية، والقيم الإنسانية، والآفاق العصرية المنفتحة، من أجل أن يساهم في تقديم شخصيةٍ قادرةٍ على مواكبة التطوّر والتجدّد في الأساليب الحديثة والتقنيات المعاصرة، فالمعلّم يتحمّل مسؤولية تحضير الأبناء لمجتمع الغد، لا أن يكون صورةً عن الماضي والحاضر فقط، وهذا ما أوصى به الإمام عليّ (عليه السلام): «لا تخلّقوا أبناءكم بأخلاقكم، فإنّهم خلقوا لزمانٍ غير زمانكم»، وهذا ما يجب على المعلّم أن يسعى إليه.

وعن دور المعلّم في الحاضر والمستقبل، فضرورة تبنّي المعلّم الثقافة المعرفية، مهما تقادم الزمن أو تغيّر، فهي عملية غير قابلة للتعديل والتبديل، وهي تمثِّل مقدِّمات يبني عليها المعلّم التراكم المعرفي عند الطلاب، ويجب التزام المعلّم الذي يريد أن يمارس مسؤوليته في التربية والتعليم بعددٍ من المبادئ، المتمثّلة بتقديم المعارف والخبرات الأساسية والضرورية لكلّ معرفة ناشئة، والأساليب التعليمية الناشطة، التي تؤكِّد محورية المتعلّم، وإيجابيته في الحركة التفاعلية ما بينه وبين المعلّم، بحيث يستطيع التلميذ أن يكتسب القدرة على التعلّم الذاتي، بعيداً عن هيمنة المعلّم، وكذلك من أهم المبادئ هي استخدام الوسائل التعليمية التي تأخذ بعين الاعتبار الحداثة وتقنيّات العصر، حتى لا يعيش المتعلّم الغربة في واقعه.

وعلى المعلّم أن يواكب حركة التطوّر بكلّ آفاقها، من أجل يحضِّر تلميذه لمجتمعٍ أفضل، من خلال تكريس مفهوم التعلّم المستمرّ، كأساسٍ لبناء شخصيته، فما كان صحيحاً بالأمس، قد يصبح خاطئاً اليوم، وعلى المعلّم أن يحترم نفسه أمام التلميذ، الذي أصبح بارعاً في استخدام مصادر المعرفة، وعليه أن يأخذ بأسباب التطوّر الحديث، كي يبقى معلِّماً لتلميذه، لا أن يصبح متعلِّماً منه. وندعوا المعلّم إلى الموازنة بين ثوابت الماضي، ومستجدّات الحاضر، وتطلّعات المستقبل، حتى يعيش المتعلّم تراثه وأصالته وقيمه من جهة، ويتابع حركة العصر في الثقافة والأسلوب والوسيلة، ويعيش تاريخه وثقافة عصره وآفاق مستقبله وقيم رسالته، من جهة ثانية.

وفي الختام، إنّ التطوّر المعرفي والتقني اليوم، لم يؤثِّر في دور المعلّم في العملية التعليمية، بل أضاف إليه دوراً جديداً، يتمثَّل في توجيه الطلاب لاستخدام هذه الوسائل، وإدارة العملية التربوية. ويبقى التحدّي الحقيقي للمعلّم، أن يبقى حاضراً في ركب التطوّر، حتى لا تصبح هيبته التربوية على المحكّ.. فالمعلم الناجح هو مَن ينهل العلم الصحيح من الجميع، وبطُرق مختلفة وجديدة ومميزة. ذلك المؤسس القدوة الذي يضع في قلبه كلّ الحبّ، فيزرع حديقة ملؤها الحنان والمحبّة، ليحصد ثمارها الجميلة في براعم المستقبل، واللبنة الواعدة التي تحتاج إلى رعاية خاصّة ومميزة.. يقوم بها مَن يسمى المعلّم الناجح. هنيئاً لك أيّها المعلّم الناجح، وهنيئاً لكلّ مَن تربى وتعلّم بين يدك، وهنيئاً لمجتمع موجود أنتَ فيه.

ارسال التعليق

Top