• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رسالة الى المعلم.. مسؤوليتك كبيرة

إيمان مغازي الشرقاوي

رسالة الى المعلم.. مسؤوليتك كبيرة

إلى صاحب الرسالة العظيمة التي تشبه إلى حدّ ما رسالة الأنبياء.. إلى ذلك المربي الكريم الذي تتخرج على يديه الأجيال جيلاً بعد جيل، وينشأ بين أحضانه فلذات الأكباد من مختلف الأعمار.. إلى من يأتمنه الناس جميعاً على عقول أولادهم وقلوبهم، وأجسادهم، وأوقاتهم.. إنها رسالة إلى المعلم.
- مسؤوليتك كبيرة..
ألا تعرف إليها المعلم أن مسؤوليتك كبيرة القدر، وأن الأمانة التي حُمِّلتها ثقيلة الحمل؛ ذلك لأنها ليست كغيرها من المسؤوليات؛ إذ فيها حياة أمة ورقي مجتمع، وحماية جيل، ونهضة فكر، فهي بناء عقول، وتربية نفوس، وتزكية قلوب. وعلى قدر إخلاصك يتحقق كل ذلك، وإلا كنت كمن (نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّة أَنكَاثاً) (النحل/ 92)، أو كالجبال إذا ما صارت هباء منثوراً، وكنبات الأرض إذا أصبح هشيماً تذروه الرياح.
وكل من استرعاه الله على رعية فهو مسؤول عنها، وكل من كان له ولاية على أحد وجب عليه أن يؤتيه حقه ولا يبخس منه شيئاً، ذلك لأن رسول الله(ص) يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
لذا، فقد وجب عليك أيها الراعي أن تكون أميناً على رعيتك من التلاميذ وطلّاب العلم الذين جاؤوا ليجلسوا بين يديك، ينهلون من علمك الذي آتاك الله إياه، فتنمو عقولهم، وتثمر من نوع ما بذرْتَ أنت على أرضها، وتشب على ما لقنتهم إياه، فهم كالأرض الطيبة الخصبة وأنت الغارس فيها، فإذا ما غرست فيهم مع العلم قيم الفطرة وأخلاق الإسلام صاروا الأئمة الأعلام، وإذا ما أحطتهم بالرعاية وشملتهم بالعناية وحصنتهم ضد الأفكار المعدية، ونأيت بهم عن الآفات القاتلة أثمر غراسك فيهم، وقرت عيناك بهم، ورأت عيونهم فيك مثلاً وقدوة وقد أخذت بأيديهم وانتشلتهم من أمواج الجهل وظلماته، ألم أقل لك: إنك تسير بذلك في طريق المرسلين، حيث كانوا رسلاً معلمين أناروا العقول والأبصار، وصححوا المعتقدات والأفكار وارتقوا بالنفوس والقلوب؟
ماذا عليك أيها المعلم؟: إن عملك بقدر عظمته شاق، وبقدر ثوابه يحتاج إلى دوام صبر ومثابرة، وكبير جهد ومجاهدة، وكل ذلك لا يُطلب إلا من الله تعالى، فسله العون واطلب منه الإخلاص، وتحصن أنت أولاً بالعلم الذي يؤهلك لأن تقوم بدورك بفن وإتقان فـ"إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". كل في مجال تخصصه، وما أحوج الأمة في هذه الأيام إلى كافة فروع التخصص في كل المجالات العلمية النافعة للبشرية، فالعلوم الشرعية والعلوم الدنيوية يجب أن يخدم بعضها بعضاً ويؤازره ويقويه، وهذا واجب أهل العلم الحقيقي، ويوم أن امتزجت علوم الدنيا واصطبغت بالصبغة الإيمانية خدمت دنيا الناس ورفعت من راية الدين.
لذا، فإن عليك أن تنمي مداركك وترفع من قدراتك وتزيد من علمك، وتطور من وسائلك، ولا يكون ذلك إلا بحضور الدورات التربوية المتخصصة بانتظام، والاطلاع على الوسائل التعليمية المبتكرة، والتعرف على لغة العصر وكيفية التواصل مع الأجيال الناشئة ليحصل التقارب فيما بينك وبينها، ولا تظن أنك بحصولك على شهادة تخصصك قد وصلت إلى آخر المطاف، فتلك هي المقدمة وهذه هي البداية، والعلم بحر لا ساحل له ولا يشبع طالبه حتى يلقى ربه عزّ وجلّ.
* خطوات نحو النجاح..
- عليك بالإخلاص وحسن الخلق.. وتخلق بأخلاق العلماء من صبر وحلم ورفق ولين وحب ورحمة، وأحسن معاملة طلاب علمك ولا تعنّفهم، ولا تعير أحدهم بصاحبه؛ فالأفهام تتفاوت والذكاء هبة وعطية من الله، فلتعرف لكل طالب قدره منه وحاول أن تنميه فيه، وتعامَلْ معه على أساس ذلك.
- حاول أن تعرف دورك الحقيقي.. ولا تظن أخي المعلم أن دورك ينحصر في تفريغ مادة علمك وصبها في عقول التلاميذ صباً يخرون عليه معها صُمّاً وعمياناً، فيحفظون العلم عن ظهر قلب بلا فهم، ويحتفظون به حتى يصبونه بدورهم على ورقة الامتحان وكأنهم يتخلصون منه إلى الأبد! إن دورك أخي المعلم هو أسمى من ذلك بكثير.
- كن قدوة طيبة لمن تعلمهم.. ليكون لك هيبة في نفوسهم وتأثير في سلوكهم، فلا تنههم عن خلق وتفعله، ولا ترغبهم في خير وتتركه، ولا تتطلع إلى احترامهم لك وتوقيرك دون خلق حسن منك، والمعلم له تأثير كبير على التلاميذ في سن الطفولة لا ينكره أحد، أما في سن الشباب فما أجمل أن يتخذ من طلابه أصدقاء ويبني معهم جسوراً من الصداقة.
- ارفع من قدراتك.. وتعلم من المعلم الأعظم(ص).. ولم حاولت أن تتبع خطى معلمك العظيم محمد(ص) في طرق تعليمه لوجدت مثالاً رائعاً، وحق على كل معلم أن يقتدي به، فهو (ص) علمنا الابتكار في الوسائل التعليمية، فتارة يعلم بالقصة، وتارة يضرب المثل، ومرة يطرح السؤال، وأخرى يشوّق ويرغّب، وأحياناً يلقن، وقبل كل ذلك يبين للمتعلم فضل ما يقوم به من طلب العلم، ويحثه على الاستمرار فيه، وهكذا فمن كان معلماً لابدّ وأن يقرأ في سيرة النبي المعلم الأعظم(ص).
- لا تشتم مهما تكن الأسباب.. فأنت قدوة وكل حركة وكلمة محسوبة عليك مكتوبة في أذهان طلابك منقوشة في عقولهم، فتخير في حديثك معهم أطايب الكلام؛ فلا يليق بك وبمكانتك كمعلم أن تنطق بسفه القول، وقد يأتي التلميذ أول مرة إلى المدرسة فرحاً مسروراً فيفاجأ بسوء المعاملة من أول يوم، بل إنني أعرف أحدهم ذهب في يومه ذاك وهو سعيد بزيّه المدرسي وحقيبته الجديدة ودخوله المدرسة لأول مرة في حياته، ذهب وكله شوق وحب يُمَنّي نفسه بجوّها الرائع، وأصدقائه الجدد ومدرّسه الحنون، وأراد منه معلمه شيئاً والطفل صغير لم يفهم مراده، فما كان من المعلم إلا أن قال له: قم يا (...) وكان يوماً مشهوداً في ذاكرة ذلك الطفل المسكين كره معه المدرسة والدراسة بل والمدرسين!
- ابتعد تماماً عن الضرب.. ولا تكن قاسياً، وتذكّر القصاص منك على رؤوس الأشهاد، فإن من الآفات التي ابتلينا بها في هذه الأيام مع ضغوط أعباء الحياة على المعلم وطغيان المادة، آفة الضرب التي يمارسها بعض المعلمين والمعلمات مع التلاميذ، وقد يحدث أن يخطئ التلميذ فيصر المعلم على تأديبه كما يظن؛ فيضربه لتكون الضربة القاضية التي تقضي على حياة الطفل الضحية وتقضي معه على مستقبل المعلم الشاب الذي يصير قاتلاً ولو عن طريق الخطأ.
ألم يعلم أن النبي(ص) قال: "لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله". وأنه (ص) كان أفضل معلم للناس جميعاً على مختلف أعمارهم ومستوياتهم وأفهامهم ولم يك ضارباً قط. ثم ألا يخشى هؤلاء من القصاص يوم القيامة؟ وهل سيتعلم الطفل بالضرب أم أنه سيكبر معه الخوف والخور وحب الانتقام والعنف؟ وينمو في نفسه الشعور بالظلم والنقمة على من ظلمه، وبالتالي التمرد على معلمه وكراهيته، بل وكراهية العلم الذي يقدمه له، والدعاء عليه بظهر الغيب.
- كن دقيقاً في مواعيدك.. واحرص على الذهاب في الوقت المحدد، ولو لم يعلم مديرك بتأخرك فإن الله تعالى يراك ولا تخفى عنه خافية، كذلك ولا تنصرف قبل انتهاء دوامك، فالله تعالى يحب منا الوفاء بالعقود، ولا تتعلل بقلة الراتب الذي تقبضه، فقد قبلت العمل وتعاقدت على هذه الشروط وعليك الوفاء بها.
- كن أميناً في تبليغ رسالتك.. فليس لك عذر في التخلي عن واجبك في إيصال المعلومة للطلاب والتفنن في طرق ذلك، وإن فعلت وتخليت أو قصرت فقد خنت الأمانة وخالط مالك شبهة الحرام، وسيسألك الله تعالى عن الدرهم والدينار من أين اكتسبته، فأعدّ الإجابة لذاك السؤال.
- لا تتخذ من الدروس الخصوصية بديلاً للطلاب.. وهذه آفة من الآفات السيئة التي سادت بعض المجتمعات العربية، بل والتي أصبحت صفة سائدة وملازمة للطلاب خاصة أصحاب الشهادات منهم، وليتها إذ وُجدت كانت محدودة بأجر ميسر ومخصصة في بعض المواد الصعبة، بحيث تساعد المدرسة في دورها ولا تلغيه تماماً كما يحصل في بعض المدارس. وفي ظني لو أن كل معلم قام بواجبه بأمانة وأتقن عمله وأخلص فيه، فلن يحتاج أحد إلى الدروس الخصوصية إلا القليل النادر، ولا يخفى على أحد ما ينتج عنها من إرهاق لميزانية كل أسرة خاصة الأسر الفقيرة التي لا يشفع لها فقرها عند المعلم، كما أن هذه الدروس تقطع حلقة التواصل بين معلم المدرسة والطالب، وبين المدرسة والبيت، وتورث الفوضى في الصرح التعليمي، ولا يكون للمدرسة أهمية في نظر الطلاب؛ حيث لابدّ لهم من البديل المفروض عليهم وهو الدروس الخصوصية.
- وأخيراً أيها المعلم.. احتسب أجرك وعملك عند الله.. لأنك مهما كان راتبك فهو ضئيل بجانب مسؤوليتك الكبيرة ودورك العظيم إذا كنت تقوم بهما حق القيام، أما أجرك الحقيقي فهو عند الله الكريم المنان الذي يعطي بلا حساب، وستجده لا ريب في يوم أنت أحوج ما تكون فيه إليه، فإن "من دل على خير فله مثل أجر فاعله". وأبشر بقول رسول الله(ص): "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

ارسال التعليق

Top