قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) (النِّساء/ 170). دعوة صريحة من الله عزّوجلّ لكافة الناس بالاستجابة والإيمان برسولٍ مُبعث منه سبحانه، يريد لكم خير الدُّنيا والأخرة.. فذُكِر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقع عدّة من القرآن الكريم، لكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) متتم الرسالة الإلهيّة بكلّ أبعادها.
يقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159)، فلقد كان اللّين في قلبه الذي يفيض بالسماحة، فلا يحمل سوءاً ولا قسوةً لأحد، واللّين في لسانه بكلماته العذبة التي تفتح قلوب الناس عليه وعلى رسالته. وقال سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) (الأعراف/ 157)، فما هي عناوين حركته الرسالية؟ (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ)، ليدفع الحياة في خطِّ الاستقامة التي يمثّلها المعروف، ويبعدها عن خطِّ الانحراف الذي يمثّله المنكر. (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ)، فكلّ ما أحلَّه لهم هو ما تستطيبه أذواقهم وأجسادهم وحياتهم بكلِّ مفرداتها. (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)، فكلّ حرامٍ خبيث من خلال ما يحدثه من خباثة ومفاسد في العقل أو الجسد. (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)، والإصر هو الثقل، (وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، فلقد جاء من أجل أن يحطّم كلّ أغلال الحقد والبغضاء والشِّرك والكفر والتخلّف والجهل وغيرها.
وفي الجانب الشعوري من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول الله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (التوبة/ 128)، يتفاعل معكم، ويحسّ بما تحسّون، ويشعر بما تشعرون، ويتألم كما تتألمون، ويفرح لما تفرحون، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، والعنت المشقّة، فكلّ ما تواجهونه من مشقّاتٍ يثقله ويؤلمه، إنّه التفاعل الإنساني الروحي مع ما يعيشه الناس من حوله. (حَرِيصٌ عَلَيْكُم)، بأن لا تسقطوا، ولا تضلّوا، ولا تضيعوا، تماماً كما تحرص الأُمّ على أولادها. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ)، يرأف بهم، (رَحِيمٌ)، يرحمهم في كلِّ أوضاعهم وكلِّ حياتهم.. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، فهو الرحمة في خلقه وفي رسالته وكلّ حركته في الحياة.
ويعطينا الله أيضاً الخطَّ العام للرسالة، في أنّها لا تثقل الناس، وهو قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحجّ/ 78)، فلقد أراد أن يمنحهم رسالة ميسَّرة: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة/ 185)، وإذا أثقلت الرسالة بعض الناس، فإنّ هذا الثقل لم يأتِ من الرسالة، وإنّما جاء من خلال عبثهم الذي حوّل اليسر إلى عسر، والانفتاح إلى انغلاق. كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبّ الناس، ولذلك كان يحزن على الذين يسارعون في الكفر، فهو لا يحزن على نفسه، ولكنّه يحزن رأفةً بهم، (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) (آل عمران/ 176)، كان يتألم لأنّ الناس لا ينفتحون على الهدى، وقد أنزل الله آياتٍ ليفتح فيها قلبه على الواقع، (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام/ 33).
هكذا عشنا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن، وعلينا أن نعيش روحه وخلقه ومنهجه وإخلاصه في الدعوة لربّه وللناس، وأن نعيش رحمته ورأفته للمؤمنين، وحرصنا عليهم وتألمنا لآلامهم، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران/ 144)، فلابدّ من أن نتابع الطريق، وأن نتحرّك في خطِّ الرسالة الإلهيّة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق