المسنّون هم آباؤنا وأُمّهاتنا الذين وصلوا إلى عمر باتوا بحاجة إلينا، إلى دعمنا واحتضاننا وحبّنا ورعايتنا، بعد أن قاموا بأكثر ممّا عليهم طوال عمرهم تجاهنا، وأدّوا ما عليهم من مسؤولية وأكثر، وتحمّلوا منّا ما لا يتحمّله أحد غيرهم، وأوصلونا إلى ما نحن عليه.. من حقّهم وهم يعيشون العمر المتقدّم، أن نكون إلى جانبهم، أن نُشعِرهم بالرعاية والحبّ والاهتمام، أن لا نتركهم يعيشون الوحدة والحزن.
بطبيعة الحال، الحاجة إلى الدعم النفسي، هي ضرورة لجميع المراحل العمرية؛ مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة. الإنسان طالما هو في حالة حياة، هو بحاجة إلى دعم، ولكن يختلف أسلوب هذا الدعم من مرحلة إلى أُخرى. إنّ الشيخوخة ليست عارضاً أو مرضاً أو حالة نفسية أو مرضية أو اجتماعية. نحن جميعنا مسنّون مع وقف التنفيذ، نحن سائرون وصائرون إلى الشيخوخة الأُولى، هذه المرحلة لها مواصفاتها الخاصّة، نتيجة الضعف ونتيجة الخوف ونتيجة القلق ممّا هو أصعب من ذلك.. فكلّما تقدم المسنّ بالعمر، شعر بالقلق أكثر، وبالخوف أكثر، وبالضعف أكثر.
هذه المكوّنات كلّها توحي بالتشاؤم. فمن أجل ذلك، يقتضي على المحيطين بالمسنّ؛ الأولاد والإخوة والأخوات والمجتمع، أن يعطي هذا المسنّ تعويضاً عن هذا الضعف، وعن هذا الشعور بالإحباط الذي يعتريه. ما هو هذا التعويض؟ هو الحبّ، العطف، التقدير، والرعاية، ولا يجب أن يشعر هذا المسنّ بأنّه هو مريض ومنبوذ. إذاً، هذا الدعم هو حقّ لهم، وإضافةً إلى ذلك، هذه الخبرة التراكمية من تجارب العمر والاختبارات، منها ما نجح ومنها ما أخفق، ومنها ما كان سبباً في سعادة.. يجب أن يستثمرها الأبناء والأجيال القادمة.
نحن أمام أمرين خطيرين نحذّر منهما، وهما النظر إلى المسنّ على أنّه حالة مرضية، والأمر الثاني هي النظرة التي تعتري شبابنا اليوم، وهي النظر إلى كلّ ما هو قديم بأنّه كعملة باطلة. الواقع ليس كذلك.. فأوروبا عندما نهضت، لم تلغِ القديم، أبقت على الأدب اللاتيني، أبقت حتى على العمارة كذخيرة لتنطلق فيها من جديد.. نحن لا ندعو الشباب إلى العودة إلى الوراء، وأن يتركوا التكنولوجيا أبداً، ولكنّنا نحذّر من إلغاء القديم، لأنّه قد يشمل القيم والدِّين والأخلاق والاجتماعيات، وهذا ما بدأنا نشهده اليوم في مجتمعنا.. هذا ما نحذِّر منه وما نرجو استثماره من المسنّين.. فالكبار هم الذخيرة، هم البركة، هم الخير، هم العطاء، فيجب احتوائهم بكلّ ما نملك من طاقة ونقوم برعايتهم واحتضانهم من أجل مجتمع مملوء بالعطف والرحمة والمودة.
قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقال عزّوجلّ: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/ 24). إنّ احترام الوالدين، وحسن التعامل معهما، هي قضية إنسانية أخلاقية بالدرجة الأولى، تعبّر عن جوهر الإنسان وحقيقته الصافية والصادقة. ولهذا فإنّ الله تعالى عمّق الشعور الإنساني في نفس الولد تجاه أبويه بالرحمة والمحبّة والإحسان، ليشعرا بأنّ هذا الجهد الذي بذلاه لم يذهب سدىً، فهناك نوعٌ من التعويض الروحي قد حصلا عليه بعد هذه المسيرة العمرية الطويلة. فإنّ الطاعة التي يريدها الإسلام في طاعة الولد للوالدين، هي طاعة الإحسان والشفقة حتى وصلوا لسن الشيخوخة.. ففي هذه المرحلة تكون الحاجة أكبر من أي وقت مضى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق