• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رغيف الخبز

الشيخ محمّد عبد الله الحمود

رغيف الخبز

كان هناك امرأة تصنع الخبز لأسرتها، وكانت يومياً تصنع رغيف خبز إضافي لأي عابر سبيل جائع. وكانت دائماً تضع الرغيف الإضافي على شرفة النافذة لأي مار ليأخذه.

في كلّ يوم كان يمرّ رجل فقير أحدب ويأخذ الرغيف، وبدلاً من إظهار امتنانه لأهل البيت كان يُدمدم بالكلمات التالية: "الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك!".

كلّ يوم كان الأحدب يمرّ فيه ويأخذ رغيف الخبز ويُدمدم بنفس الكلمات: "الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك!".

بدأت المرأة في الشعور بالضيق لعدم إظهار الرجل للعرفان بالجميل والمعروف الذي تصنعه وهذا ما حدّثت به نفسها كلّ يوم: "كلّ يوم يمرّ هذا الأحدب ويُردد جملته الغامضة وينصرف، ترى ماذا يقصد؟".

في أحد الأيام أضمرت في نفسها أمراً وقررت التخلُّص من الأحدب!

ترى ماذا فعلت؟

لقد أضافت بعض السم إلى رغيف الخبز الذي صنعته له وكانت على وشك وضعه على النافذة حينما بدأت يداها في الارتجاف:

ما هذا الذي أفعله؟! قالت لنفسها وهي تلقي بالرغيف فوراً ليحترق في النار، وقامت بصنع رغيف خبز آخر ووضعه على النافذة.

وكما هي العادة جاء الأحدب وأخذ الرغيف وهو يُدمدم "الشرُّ الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك!" وانصرف إلى سبيله وهو غير مدرك للصراع المستعر في عقل المرأة.

كلّ يوم كانت المرأة تصنع فيه الخبز كانت تقوم بالدعاء لولدها الذي غاب بعيداً وطويلاً بحثاً عن مستقبل واعد..

ولشهور عديدة لم تصلها أي أنباء عنه وكانت دائمة الدعاء بعودته لها سالماً.

في ذلك اليوم الذي تخلصت فيه من رغيف الخبز المسموم، دق باب البيت مساءً وحينما فتحته وجدت – لدهشتها – ابنها واقفاً بالباب.

كان شاحباً متعباً وملابسه شبه ممزقة، وكان جائعاً ومرهقاً وبمجرد رؤيته لأُمّه قال: "إنّها لمعجزة أن وصلت إلى هنا، فعلى بعد مسافة أميال من هنا كنت مجهداً ومتعباً وأشعر بالإعياء لدرجة الانهيار في الطريق وكدت أن أموت لولا مرور رجل أحدب بي رجوته أن يعطيني أي طعام معه وكان الرجل طيباً بالقدر الذي أعطاني فيه رغيف خبز كامل لآكله".

وأثناء إعطاؤه لي قال: "إنّ هذا هو طعامه كلّ يوم اليوم سيعطيه لي لأنّ حاجتي أكبر كثيراً من حاجته".

بمجرد أن سمعت الأُم هذا الكلام شحبت وظهر الرعب على وجهها وارتكنت على الباب وتذكرت الرغيف المسموم الذي صنعته اليوم صباحاً.

فلو لم تقم بالتخلص منه في النار لكان ولدها هو الذي أكله ولكان قد فقدَ حياته!

ولحظتها أدركت معنى كلام الأحدب "الشر الذي تُقدِّمه يبقى معك، والخير الذي تُقدِّمه يعود إليك!".

فمن هذا المنطلق "افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك

فإن كان أهله فقد أصبت موضعه

وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله".

ولا تتوقف عن فعله حتى ولو لم يتم تقديره وقتها

ولكنه بالتأكيد في العالَم الآخر سوف يتم تقديره

ومجازاتك عن كلّ أفعالك الصالحة التي قمت بها في هذا العالَم".

 

المصدر: كتاب مداد النفس

ارسال التعليق

Top