• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

روافد العمل في الوطن الواحد

عمار كاظم

روافد العمل في الوطن الواحد

إنّ كلّ إنسان منا له وطن يولد فيه وينشأ ويترعرع بداخله، والإنسان بدون وطن لا هُويّة له، فالوطن هو المكان الذي مهما بعد عنه الإنسان فإنّه يظلّ قلبه معلّقاً به لا يستطيع فراقه، وأنّ فضل الوطن على الإنسان كبير جداً ويتعدى مجرد الجنسية أو جواز السفر الذي يُعطى له ليشمل الكثير من حقوق المواطنة والامتيازات، وأنّ معرفة فضل الوطن على الإنسان هو جزء من عقيدة المسلم، وحتى يكون الإنسان صحيح العقيدة يجب أن يكون عارفاً بفضل وطنه عليه، ذلك بأنّ المسلم لا يقابل الإحسان إلّا بالإحسان وكم أحسن الوطن إليه حين رعاه وليداً صغيراً، فأعطاه هُويّته وجنسيته. فعلى الإنسان أن يدرك بأنّ وطنه هو بيته الكبير الذي رعاه وحماه ووفّر له كلّ شيء، فيسعى دائماً إلى خدمته بكلّ ما أوتي من قوّة وإذا تعرّض إلى عدوانٍ أو بغي تصدّى للدفاع عنه بكلّ بسالة وشجاعة. وعلى كلّ مواطن أن يكون صادقاً مع وطنه والصدق هو جزء من العمل.

فالوطن هو الملاذ الآمن لنا، وهو المكان الذي لا يمكننا تصور الحياة بصفة عامّة بدونه. فهذا هو المكان الذي حملنا، وتحمّل منا الضعف والكسل، تمتعنا في الكثير من أوقاته حتى أصبح شغلنا الشاغل أن نكون خير مثال يعيش على هذه الأرض. فوطننا الحبيب هو الذي نتحمّل التعب والإرهاق في سبيله، وهو المكان الآمن الذي من الممكن أن نعبر به عن مشاعر عشناها سابقاً، ومن المعروف هو الجزء الذي يعيش بداخلنا، فكل منا يحمل لوطنه مشاعر جياشة لا يمكن أن نتجاهلها، فلو أردت مثلاً أن تعرف مدى حبك لوطنك لرأيت ذلك من خلال الحنين الغريب الذي يسري بجسدك من وقت لآخر وقت المغيب.

وعلى كلّ فرد منا أن يخدم وطنه بطريقته الكاتب والشاعر والعامل والعالم أن يخدموا وطنهم بالطريقة التي يعرفونها، وهي لغة القلم، فبكلمات معبرة عن حب الوطن نستطيع أن نخدم وطننا بكلّ ما أوتينا من قوة، ويمكن خدمة الوطن من خلال الشعارات المرسومة أو المكتوبة أو حتى المقروءة التي تستخدمها فئة معينة في المجتمع وهي فئة الكتّاب والعلماء، وهذه الفئة لها التأثير الأكبر على المجتمع بصفة عامة، وتنطلق أهمية العمل في حياة الإنسان من أنّ العمل هو الحالة التي تعبر عن مدى جدوى الإنسان في حياته، فحين يعمل الإنسان فهو يحقق ذاته في المقام الأوّل، وهو في نفس الوقت يفيد المجتمع الذي يعيش فيه، وإنّ أُسس المجتمع ودعائمه لا تقوم بغير تكاتف أفراده وعملهم، كما أنّ اليد التي لا تعمل لا تسطيع جلب قوت يومها والعيش في ظل عالم أصبح الحصول فيه على لقمة العيش ليس بالأمر السهل، والتكاتف والتكافل بين الناس، فالعمل بلا شك يجعل الناس يتعاونون فيما بينهم حتى يحققوا المطلوب، ذلك أنّ كثيراً من الأعمال تتطلّب من الإنسان أن يعمل مع أخيه لتحقيقها وإنجازها، وإنّ هذا يتطلب العمل بروح الفريق حيث يحترم الإنسان أخيه ويبادله مشاعر الأخوة، كما أنّ العمل يعلّم الإنسان التكافل والتراحم بين الناس لعلمه بأنّ بعض الأعمال التي يعجز عنها الكثير بسبب صعوبتها تحتاج إلى وقفة جادة من قبل الإنسان مع من يتحمّلها لوحده. وإنّ العمل مهم للإنسان في تهذيب أخلاق الناس وتنمية مهاراتهم الاجتماعية، فالإنسان الذي لا يعمل لا يعرف كيف يتعامل مع الناس لقلة اختلاطه بهم، كما تعلّمه أدب الحوار والاستماع والتواضع مع الناس. فإنّ العمل هو رافد للمجتمعات بالكفاءات المختلفة التي يقوم كلّ واحد منها بأداء عمله بكلّ مهنية واحتراف، فترتقي الأُمم وتنهض بالعمل الدؤوب المستمر لتحقيق الأهداف وإنجاز التطلّعات. وختاماً، لابدّ من التذكر أنّ أي شخص في المجتمع من الممكن أن يخدم وطنه مادام قادراً على التنفس، ولابدّ من أيدٍ تمتد لتساعد الأجيال القادمة على النهوض في بيئة خالية من العيوب الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية، فالحياة ما عادت كالسابق، ولا سبيل إلّا للوقوف جنباً لجنب من أجل الحفاظ على الحياة كما أرادها الله لمخلوقاته بصفة عامّة.

ارسال التعليق

Top