• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

روافد المجتمع الوحدوي

عمار كاظم

روافد المجتمع الوحدوي

إنّ المجتمع الذي يقترحه الإسلام هو المجتمع الإنسانيّ الحيّ المتكاتف المتعاون، الذي يرتبط الأفراد فيه بعضهم ببعض من خلال عطاء مطلق لا يحدّ ولا يثمّن. حيث جعل الإسلام كلّ مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، يمارس دوره الاجتماعي من موقعه، رُوِي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته».. حيث دعا الدِّين الإسلامي إلى استخدام الأساليب المؤدّية إلى الألفة والمحبّة، ونبذ الأساليب المؤدّية إلى التقاطع والتباغض؛ رُوِي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول: سلّمت فلم يردّوا عليَّ، ولعلّه يكون قد سلّم ولم يُسمعهم؛ فإذا ردّ أحدهم فليجهر بردّه ولا يقول المسلم: سلّمت فلم يردّوا عليَّ، ثمّ قال: كان عليّ بن الحسين يقول: لا تغضبوا، ولا تُغضبوا، افشوا السلام، واطيبوا الكلام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنّة بسلام، ثمّ تلا عليهم قول الله عزّوجلّ: (السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن)..».

قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103)، وورد في السنّة الشريفة: «لا تختلفوا؛ فإنّ مَن كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» و«عليكم بالجماعة، وإيّاكم الفرقة». إذا كان الدِّين الإسلامي قد حرص على الوحدة الإنسانية، فضلاً عن الوحدة الإسلامية، بين أبناء هذا الدِّين الذي اهتم بتفاصيل العلاقة بين أفراده فضلاً عن كلّياتها وأصولها، والتي تضمن - لو اتبعت - حياة سعيدة وهادئة لكلّ البشر، بل المخلوقات الحيّة، فأيّ وحدة تلك التي ينبغي أن تحكم علاقة المسلمين بين بعضهم، وترسم معالم العلاقة مع الآخر؟

هنا يمكن القول: إنّ مختلف عناوين الوحدة وأشكالها وصورها القائمة على المجاملات - التي لا تتعدّى حدود الألفاظ والشكليات - لا يمكن لها أن تُحقّق أدنى غاياتها، ولو كانت بأفضل صورها وأجملها وأرقاها. وليس هي ما يطمح إليها المسلمون الحريصون على قدسيّة الإسلام ومصالح بنيه وحفظ ثوابته العقائدية والفكرية؛ ولهذا، فإنّ الوحدة المرجوّة هي تلك الوحدة المرتكزة على الأصول الوحدوية للبشر التي ذكرها القرآن الكريم، إضافة للأصول والفروع التي ابتنيت عليها الشريعة الإسلامية، وكُلّف بها أبناؤه وغيرهم، والتي من المفترض أن تقضي على ظاهرة التفرقة والتباين ونحوها، وتلغي كلّ المعيقات المصطنعة التي تمنع تلاقي المسلمين ووحدتهم؛ فقد ورد عن رسول الله أنّه قال (صلى الله عليه واله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالسهر والحمى».

النصوص الإسلامية تؤكّد على العديد من المفاهيم والقيم التي تساهم في تكريس ثقافة الوحدة وممارستها في المجتمع، وأكدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) على التآزر والتعاون والتواصل والتحابب ليكون الودّ والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد أنفُسهم، ويبرز ذلك في العديد من الروايات، قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرفق واللّين: «مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش». وفي إدخال السرور على المؤمنين قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ إدخال السرور على المؤمنين». ورُوِي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن إصلاح ذات البين: «صدقةٌ يحبّها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارُبٌ بينهم إذا تباعدوا». وأكّدت الأخبار في العديد من الموارد على تنمية الإحساس بالمسؤولية الإسلامية المشتركة، والاهتمام بأمر المسلمين، والمواساة بينهم، واتّحادهم مقابل الأعداء، مثل: «مَن أصبح ولم يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم»، و«المسلم مَن سَلِم المسلمون من يده ولسانه، وهم يد واحدة على من سواهم». وأمثالها من الروايات المشهورة التي تخلق هذه المشاعر الإنسانية. أخيراً، إنّ المسلمين لا يعانون مشكلة أو خللاً في الأُسس النظرية للوحدة، بل إنّ أهمّ ما تحتاجه وحدة المسلمين هو التوافق على منهج علمي جادٍ وجريء ومشترك لقراءة المبادئ والأصول التي وقع الاختلاف عليها؛ تمهيداً لنشوء نوع من التعاون المنهجي والمعرفي الذي إن توافق المسلمون على قبوله، وتحكيمه، لتمكّنوا من حلّ الجزء الأكبر من المشكلة.

ارسال التعليق

Top