• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

روحية النهضة الحسينية

عمار كاظم

روحية النهضة الحسينية

كانت الثورة الاستشهادية الثورة الحسينية هي بداية التغيير، من أجل أن تطلق الصرخة المدوية، المضرجة بالدماء، المنفتحة على كلِّ قيم الحقّ والعدل والعزة والكرامة والإنسانية والحياة في حركة الحاضر نحو المستقبل. تلك هي صورة التحدي الحسيني في مواجهة الواقع المنحرف في داخل الواقع الإسلامي، لأنها حركة داخلية في ما يعانيه الوضع الإسلامي العام للأُمّة على مستوى الحكم والحاكم.

فماذا عن مرحلتنا في ظروفنا المعاصرة؟ إننا نواجه التحدي الكبير في الاستكبار العالمي، الذي يطبق على الواقع الإسلامي كلّه في ثقافته وسياسته واقتصاده وحربه وسلمه. من خلال إطباقه على الواقع الإنساني كلّه.

الأمر الذي يجعل الواقع أكثر خطورة، في طبيعته وفي نتائجه السلبية، على كلِّ مسيرتنا، من الواقع الذي عاشه الإمام الحسين (ع) في مرحلته، فقد كان الحكم في عصره يجعل الإسلام شعاراً له، ولكنه كان ينحرف عنه في خط السير ونهج الحركة.

فهل نستطيع أن نبتعد عن خط الثورة في ذهنية المسلم الثائر؟ وهل نملك أن نتنكر لحركة التغيير في وعي الواقع العملي لروحية التغيير؟

لابدّ أن يكون كلّ واحد منها مشروعاً ثائراً في الخط والحركة والمعاناة.

أمّا حركية الثورة في الفعل، وشرعية التغيير في النهج؛ فقد نحتاج فيها إلى رصد ظروف الواقع العملي من حيث القدرة والإمكانات والنتائج، لنخطط من موقع الدراسة الدقيقة الحية، لنعرف كيف نواجه التحدي في الفعل ورد الفعل، وكيف تنتصر القضية فينا، لنهيِّئ الظروف لتقريب موعد النصر، أو لتحريك خطواته في اتجاه المستقبل.

ليس من الضروري أن يكون الأسلوب الحسيني في الشكل المأساوي الاستشهادي هو أسلوبنا، لأنّ من الممكن أن يكون لهذا الأسلوب ظرفه الخاص الذي فرضته حركة الأحداث في تلك المرحلة، مما قد لا تتوفر فيه خصائص الظروف التي تعيشها مرحلتنا الحاضرة.

ولكن لابدّ أن تكون الروحية الحسينية هي التي تمثل معنى روحيتنا. فقد واجه الإمام الحسين (ع) الموقف على أساس الاستمرار فيه وعدم التراجع مهما كانت الاحتمالات. وهذا ما عبّر عنه بقوله: "فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ".

فإنّ من المعروف أنّ الصبر هنا ليس صبر المنهزمين، بل هو صبر الواثبين المتطلعين الذين يرصدون المستقبل في الأفق الواسع، ليجدوا فيه إشراقة النور الذي يشق الظلمات.

إنّ المسألة هي أن يبقى الهدف حياً في أفكارنا، وفي تطلعاتنا، وفي خططنا الثورية، وفي خطواتنا العملية... لنجعل الحياة كلّها، في ما نملكه من الطاقات، حركة نحو الهدف الكبير؛ لتكون الوسائل العملية المتنوعة خاضعة للظروف الموضوعية التي تحكم واقع الحياة والإنسان في نطاق المراحل القريبة والبعيدة.

هذه بعض إيحاءات عاشوراء في خط الثورة، فما هي إيحاءاتها في خط الدعوة إلى الله في نطاق الإسلام؟

من نافل القول أنّ كلَّ حركة للثورة هي حركة في اتجاه الدعوة. لأنّ الثورة تعمل على سد الثغرات التي ينفذ منها الكفر والضلال في واقع المؤمنين، وإغلاق النوافذ التي تتحرك من خلالها رياح الانحراف في أجواء المسلمين. كما تعمل على إثارة اليقظة في العقول النائمة، وتحريك الوعي في الأحاسيس الجامدة، وفتح القلوب على المفاهيم الخيرة في الأجواء الشريرة.

وبذلك يجد الناس فيها حياة جديدة للإسلام، تجدد له شبابه، وتعيد إليه حيويته، وتسرع به إلى الهدف الكبير... فهي تختصر المراحل البعيدة لتجمعها في حركة فاعلة في اتجاه النتائج الحاسمة في الحياة.

لذلك كانت إيحاءات عاشوراء تنطلق في اتجاه الدعوة، من خلال انطلاقها في عنوان الإصلاح في أُمّة رسول الله، الذي يحمل في داخله إصلاح الخطين الفكري والعملي؛ لينفتح الناس على الإسلام كلّه، حتى لا يثقلهم الانحراف الواقعي فيبعدهم عن الاستقامة الفكرية.

إننا نحتاج إلى عدم الاستغراق في المعنى السياسي في الثورة الذي قد يبعدنا – في النظرة الساذجة – عن الدعوة، بل لابدّ لنا من أن نعيش التكامل في خطواتنا ليكون العنوان الفكري حركة في العنوان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعسكري، من أجل أن يكون الدين كلّه لله؛ فلا يكون فيه نافذة تطل على غير الله.

ارسال التعليق

Top