إنّ أركان الإسلام عمل حقيقي يوجد اليقظة في النفوس، والصحوة في المجتمعات، والعبادات التي تكّون هذه الأركان، تمثل تدريباً جليل الأثر في تربية الأخلاق، وتقويم الطباع، وتهذيب النفوس. وقول الله عزّوجلّ: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45)، خبر حق. وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، هذا خبر حق أيضاً، ومعناه أنّ الصيام الحقيقي يمسح آثار الماضي السيِّئ، كما يمسح أكداره عن مرآة القلوب، فتعود مجلوة نقية، ثمّ يستأنف الصائم حياة تكاد ترفعه، وتلحقه بالملأ الأعلى. إنّ الأساس الأوّل لهذه العبادات هو أداء حق الله، والقيام بوظيفة العبودية، واعتراف البشر بأنّ الله الذي خلقهم ورزقهم يجب أن يعبدوه، ويشكروه، ذلك أن جعل القلب يتعلق بربه، يجعل المسلم إذا ملك الدنيا يسخرها لخدمة دينه، ويجمع المال والبنين ليكونا درعاً للحق، وعوناً للرسالة التي يؤمن بها، ويتحول إلى ذاكر لله بالغدو والآصال، ويضع نفسه مواهبه وكلّ ما يملك، مع رهبان الليل، وفرسان النهار، وصدق الله العظيم، إذ يقول: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ) (النور/ 36-37). وها هو نور رمضان يشرق من جديد، وينساب إلى القلوب، وها هي مشاعر الخير والبر والرحمة تتجدد، وها هي الآمال في غدٍ مشرق، ومستقبل كريم، وفي ثقة في نصر الله لنا على أنفسنا أوّلاً، ثمّ على أعداء الإنسانية ثانياً. إنّ من رحمات الله عزّوجلّ أن جعل لنا في هذا الشهر العظيم محطة نقف فيها طوال ثلاثين يوماً، نقف مع أنفسنا نحاسبها على تقصيرها، ونفتش عن منابع الإيمان في قلوبنا، فنجلو الصدأ عنها. ورمضان مصحة للعلاج الروحي، ففي الحديث: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثمّ انسلخ فلم يُغفر له»، فمن لم يحصل المغفرة في رمضان، متى يحصلها؟ إنّ الإسلام يريد منا أن نعيش في هذا الشهر، في جو خاص، نحصّن فيه أنفسنا، نحسِّن الصلة فيه بخالقنا سبحانه وتعالى، رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «.. استكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم، فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضه شربة لا يظمأ بعدها أبداً». وفي شهر رمضان تتم في هذا الكون تغييرات، يجب علينا أن نلاحظها، وأن نتهيأ لنكون مع الوافدين والقادمين على الله، الذين يستحقون أن تُفتح لهم أبواب الجنّة يحملون شهادة العابدين، لأنّ صومهم قد وقاهم من النار. يقول العلماء: الفتح كناية عن تنزيل الرحمة وإزالة العوائق، عن مصاعد الأعمال، وقالوا: إنّه كناية عن ارتفاع الصائم فوق المعاصي والذنوب، والتخلص من بواعث الشر بقمع الشهوات، أمّا تصفيد الشياطين، فهو منعهم من الإفساد والغواية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق