• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صائم في مقام الغربة

د. أحمد عيسى

صائم في مقام الغربة
أشعر بالغربة يا صاحبي، غُربات بعضها فوق بعض منذ أن تركت وطن الآباء والأجداد، مهد طفولتي وأرض ذكرياتي.. لم أذق طعم النوم بعيداً عن فراشي هناك، ولم أستسغ طعاماً لم تصنعه أُمّي، لا الناس مثل الناس، ولا المشاعر مثل المشاعر، بل الأرض والسماء والطيور والهواء كلها غريبة أو أنا عنها غريب، ماذا أفعل؟ -        أطرق مفكراً وقد ساحت على وجنته دمعة.. ما تقوله ليس غريباً، ووقف قبالة صاحبه ووضع كفيه علن كتفيه وقال: إن كنت غريباً خارج وطنك فقد كنت غريباً داخله وسط الشح والهوى والعُجْب. ·       وحشة الغربة: فلا تمنعنك الغربة من العمل؛ فالأجر كبير. -        إنّ في رمضان لفرصة يجتمع فيها الغرباء فتذهب وحشة غربتهم، تعال معي – في وطنك الجديد – نصلِّ معاً ونفطر ونقيم الليل. -        يا صاحبي، كن غريباً، ولكن كن أيضاً مصلحاً؛ تنل السعادة، كما في حديث رسولنا (ص): ".. إنّ الدين بدأ غريباً، ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي". ·       غربتان: يا صاحبي، الغربة غربتان كما يقول ابن القيم في "مدارج السالكين": "غربة أهل الله وأهل سنة رسوله (ص) بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسول الله (ص) أهلها، وأخبر عن الدين الذي جاء به أنّه (بدأ غريباً)، وأنّه (سيعود غريباً كما بدأ)، فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها، بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس، وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا". ·       الفرار بالدين: قد يجتمع في المرء الأمران.. في الحديث: "إنّ أحب شيء إلى الله الغرباء. قيل: من الغرباء؟ قال: الفرارون بدينهم، يجتمعون إلى عيسى بن مريم (ع) يوم القيامة" (السلسلة الضعيفة). فالفرار بالدين مع التمسك به غربة في الوطن وغربة في الدين، ولم تمنع الغربة المسلمين الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة من الإستمساك بالإسلام والدعوة إليه، حتى في حال الخوف والحرب لم تسقط عنا الصلاة (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ...) (النساء/ 101). -        وإذا كنت في مجتمع يفطر وأنت صائم، يلهو وأنت قائم، يغفل وأنت ذاكر. فأنت غريب. -        "فالغريب غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعداً ولا معيناً، فهو عالم بين جهال، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء، آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر، والمنكر معروف".

ارسال التعليق

Top