• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صراع الذات مع المال

د. فوزية الدريع

صراع الذات مع المال
◄نعم.. كل شيء له علاقة بالفلوس:

-    زوج يصرف، زوجة تقتصد، وتشتعل نار قد تؤدي الى الطلاق. صحيح أن المسألة في ظاهرها مسألة فلوس، لكن الصرف عند واحد من الزوجين قد يعكس حالة نفسية خاصة به، أو خللاً ما في العلاقة. وهنا يجب دراسة السبب وليس التعامل مع العارض.

-    وظيفة تحبها ولكن دخلها قليل، وتعيش صراع المكان والصراع الناجم عن السؤال التالي: هل أختار حبهم أم الأمن المادي؟ وهذا صراع نُشاهده في أماكن كثيرة. والمهم هنا، هو الإجابة عن السؤال :من أهم من الآخر، راحة الزملاء أم راحة الراتب عند الإنسان؟ لا أحد يستطيع أن يقرر لأحد حين يكون حائراً بين أمرين، وأيهما أهم له. فقط الإنسان ذاته يُحدد ما هو المهم. والمشكلة في قرار الفلوس والراحة أن الإنسان طماع يريد كل شيء. والحياة تضعنا في هذه المعادلة الرائعة: ليس كل شيء ممكناً. هناك لحظة يجب أن نختار فيها شيئاً لنترك شيئاً. ولكن الحاصل في الأغلب، أن معظمنا يختار الفلوس.
-    أبناؤنا يُساوموننا عاطفياً لكي نعطيهم الفلوس. وهناك حيرة :هل نعطيهم حتى يبقوا يحبوننا ويحتاجون إلينا ولا تنكسر نفوسهم ولا يلجأون الى الخطأ، أم لا نعطيهم الفلوس؟ فالضعف هو فطرة الأمومة والأبوة.
-    شخص تحبه لكنه موجود في حياتك، يمتص من فلوسك.. فتضطر الى أن تطبخ لأنه يحضر عندك بمناسبة أو من دون مناسبة.. اخرج معه أو معها ولا يريد الدفع.. ربما يكون معك في السوق يرى شيئاً يقول: محفظتي ليست معي.. تدفع ولا يدفع.. ويفيض الأمر داخلك ألماً وأنت تدرك أنك إن ذكرته فسوف تخسره. وإن بقيت فسوف تتعذب. والنتيجة في الأغلب خسارة الصديق. فالمال عديل الروح، وإنما للصبر حدود.
-    الصراع الأكبر مع المال هو صراع الذات.. صراع الصرف الذي يدور داخل كل واحد فينا. ربما نجد صعوبة في التعامل مع الآخرين، لكن مع ذواتنا يُفترض أن يكون الصراع جاداً وحازماً على الأقل نتيجة فهمنا ذواتنا. ولعل الصراع العصري هو صراع الصرف وبطاقات الائتمان التي تسهل الصرف وتسهل التورط والندم. فماذا تفعل البطاقة في يدك والرغبة داخلك؟ كل الذي عليك هو أن تفهم نفسك. هو إحساس بأنه مال لا يؤلمك، لا يؤثر فيك، لأنه ليس مالاً بل مجرد قطعة بلاستيكية تشتري بها من دون حساب. والحقيقة، إن الإنسان لايزال مبرمجاً على المال المباشر النقدي الصحيح، أي الورقة النقدية، لذلك، لا يشعر من يستعمل البطاقة الإئتمانية، بأنه يصرف وإن صرف، لذا، عليك أن تحمل معك دائماً آخر فاتورة وصلتك حتى تعرف حدودك.


-    لكن. هل لديك معلومات عن البطاقة الإئتمانية، وكيف يتعامل البنك معها؟
معظمنا حين تصله البطاقة لا يقرأ المعلومات التي تأتي معها، وهي لا تفيدنا فقط من الناحية القانونية، ولكنها قد تفيد ايضاً في كونها تُصحح لك بعض التصور عن نفسيتك. فقد تدفعك هذه المعلومات الى أن تسأل نفسك: ما حجم قدرتي على ضبط نفسي؟ وما العقدة التي عندي؟
نعم "الكريدت كارد" قد يكون هو صورة المال العصرية التي تُدخل الإنسان في تساؤلات حول نفسيته وحياته وعلاقاته الاجتماعية. لكن الفلوس ذاتها تفعل الأمر ذاته بشكل أوضح.
في البداية، ذكرنا مواقف عديدة يجد فيها الإنسان نفسه، ويجد نفسه في مواجهة الفلوس. وفي الأغلب، العلاقات الإنسانية تنهار بسبب الفلوس. والإنسان نفسه قد يتدمر بسبب الفلوس. وهناك حكاية ربما هي قديمة وربما هي مجرد حكاية أسطورية يرونها لنا، أتذكرها عن رجل له كرامات كان إذا دعا عليك تداعت حياتك أشلاء نظراً الى نقائه وترفعه عن الفلوس، فحار فيه تجار المدينة، واخيراً اتفقوا على تلويثه بالمال، فأعطوه عرضاً ليعمل في أحد محلات البقالة وراء اختياره، فقبل، مع عقد ربح له أو نسبة له مما يبيع. وبعد فترة بدأ حُب المال يؤثر فيه، وبدأ رويداً رويداً يغش في الميزان، فضاعت كل كرامته.
هكذا هي حال الفلوس.. تُدمر بعض الأرواح، وتكشف حقيقة البعض الآخر.
لدي قول أفتخر به :إن الفلوس مثل الأشعة السينية.. إجعل إنساناً يمر عليها وستكشف لك حقيقة ما في داخله.►

ارسال التعليق

Top