في حوالي الرابعة عشرة من العمر يظهر عند الولد نوع من التطوّر السريع، فهشاشة العظام التي كانت عنده في السابق تتحول إلى أكثر قوة، والغدة النُخامية تتبدل نحو الغدة الدرقية وتساعد على نموّ جميع الخلايا وخصوصاً ما يتعلق بالأطراف، فاليدان والفخذان تطول، وهكذا يصبح هذا الولد ما نستطيع تسميته مشروع رجل. العظام أكثر طولاً وأشدّ كثافةً... تصبح قوية والشحم المتراكم تحلّ محلّه العضلات، وهكذا تحت تأثير هذا المدّ التطوّري الذي ينشأ تحت تأثير البلوغ فإنّ الخلايا المغلفة بالجلد، والجهاز العصبي وكلّ ما يغلف الجسم يتباطأ في هذه المرحلة.
الدماغ عبر المخييخ بما يؤمّنه من تناسبق بين الانعكاسات الأكثر دقة والأكثر ارتفاعاً، السيطرة الكاملة في تطبيق الفنون العملية ليست في مرحلة النضج الكامل في هذه المرحلة، ويقول الدارسون إنّ بعض الأشخاص قد وهبتهم الطبيعة نضجاً كاملاً وعميقاً في هذه المرحلة فسبقوا غيرهم بمراتب ويعطون من هذه الأمثلة الكاتب الفرنسي الشهير (بيير كورني) والأمبراطور (نابليون بونابرت) اللذين أدهشا الباحثين بظهور عبقريتهم باكراً جدّاً.
وبشكل عام يلزم للمراهق سنوات من التجربة والتقوية قبل أن يصل إلى مراحل متقدمة ليصبح إنساناً ذا قيمة في هذه الحياة.
يقول الفيلسوف الفرنسي المعروف (جان بول سارتر) "لم أعرف في مسيرة حياتي شيئاً اسمه المراهقة فقد عبرت مباشرة من سنّ الطفولة إلى سنّ الرجولة".
المظهر الأخلاقي:
المراهق ذو نفس متعدّدة المظاهر، فمن ناحية مفعمة بالحماسة والتهور أحياناً ومن ناحية أخرى قد تكون حزينة، فالحماسة والفرح عنده يتأتيان من اكتشاف ما حوله من أفكار، وتفاعل مع الغير، ودائماً يتطلع نحو الجمال، وهذا يسبب له أحياناً العذاب والحزن، لماذا يحصل ذلك.. لأنّه يعيش بأحلامه الواسعة وتطلعاته التي لا تعرف الحدود وغالباً ما يصطدم بالواقع لصعوبة تحقيق هذه الأحلام، من هنا يجب أن يفهم المتابعون للولد الطريقة الناجعة والفعّالة التي يجب أن نزوّد بها المراهق ليدخل قوياً إلى معترك الحياة، كما يجب تحديد مدى قوته وضعفه في مجابهة الأمور وهكذا نكون قد قمنا بالعمل اللازم من مساعدة وتوجيه.
القوى التي يتمتع بها المراهق:
إنّ المراهق بطبيعته ليس مرتاباً ولا متشائماً، فهو كشخص يؤمن بالتصورات ويلجأ إلى الاستنتاج حسب مفهومه للأشياء، مثالي إلى حدّ ما، يؤمن بالأفكار والتخيّلات أكثر من إيمانه بالوقائع والملموسات. وهذه الطريقة بالتفكير تتمثل عنده بتقديس الكلمة وعشقه للفلسفة والنزوع لانتقاد الآخرين، يهوى النقاش بكلّ أنواعه ولا مانع أن يصل عنده إلى حدّ النزاع.
المراهق يحبّ الأفكار المنتقاة والتعابير المنمقة، يبحث عنها ويدونها. إذا تعرّضت قوته أو أناقته أو المفاهيم الغريبة التي هي مترسخة في اعتقاده أو أيّة صفة بارزة من شخصيته لأي نموذج أو حالة خارج هذه المفاهيم فإنّه يحاول أن يدافع عنها بكلّ ما أوتي من قوة. يقول (بيار مندوس) لكي يكتشف المراهق العالم المحيط به يستعمل المعجم ويفتش عن العبارات المناسبة، ويخترع كلمات من الفيض الذي اكتشفه وإن كانت أحياناً شاذة أو غريبة وقد تكون أقرب للتعابير الولادية التي تسبق مرحلة المراهقة. وغالباً ما يشعر بعدم خبرته فيحاول تغطية ذلك باختياره كاتباً أو أديباً مفضّلاً ويعمل على تقليده سواء بكتاباته أو مناقشاته ليثبت قدرته وتميّزه لأنّ كلّ جهودهم تكون منصبّة على ما يحلمون به ولا يفكّرون إلّا بالنصر والغلبة وكأنّها حقيقةٌ بارزة أمام أعينهم. ومن النتائج الحتمية لكلّ ما ذكرناه هو محاولة الشباب التهرّب من القيود التي تفرضها عليهم العائلة، ويرغبون أبداً ودائماً بالتحرّر والانعتاق والسير قدماً نحو الاستقلالية.►
المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكِّرة إلى سن الرُّشد
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق