القدرة على تشكيل علاقات إنسانيّة أمر أساسي للصحّة العقليّة وللسعادة. إنّ نوعيّة الاتصالات التي نُقيمها مع غيرنا من الناس هي أهمّ العوامل المؤثِّرة في نوعيّة الحياة التي نعيشها. ذلك أنّ الاتّصالات الغنيّة التي نُقيمها مع شخص آخر تعني علاقات أغنى مع أنفسنا ومع الحياة نفسها. أكثر من ذلك، لا نستطيع أن نعرف أنفسنا إلّا من خلال علاقاتنا بالآخرين، ولا نستطيع أن نُطوِّر أنفسنا إلّا من خلال علاقاتنا بالآخرين.
- تطوير المهارات الاجتماعيّة:
الانسجام مع الآخرين يتطلّب ذكاءً اجتماعيّاً – لا علاقة لذلك أبداً بالحِذْق والمهارة. هنالك الكثيرون من الحاذقين ضعيفو الذكاء الاجتماعي، ونتيجةً لذلك قد يصعُب عليهم أن يُشاركوا في محادثة ذات مغزىً، أو أنّ يُنصتوا جيِّداً، أو أن يطوّروا صداقات دائمة.
بعض الناس قد يستجيبون لمُحدِّثهم بطريقة فاترة، بليدة، خالية من الظرف ومن أيّ اهتمام. قد يكونون ناجحين في كسب المال، لكن غير قادرين على النجاح في حياتهم الخاصة. أكثر من ذلك، بيّنت الدراسات في عالم الأعمال أنّ معظم الرجال الناجحين ليسوا الأكثر اندفاعاً وتصميماً، بل أولئك الأكثر وعياً اجتماعياً لمشاعر الآخرين وحاجاتهم. ما من جينة للذكاء الاجتماعي، ليُصبح طفلك إنساناً متطوّراً اجتماعياً، يحتاج إلى مساعدة منك.
- تعلُّم المهارات الاجتماعيّة:
بعض مسالك الذكاء الاجتماعي يمكن فتحها للأطفال بتعليمهم مهارات، لكن ليس المسالك كلّها. ذلك أنّ "الرقص الاجتماعي" دقيق ومعقّد للغاية. بإمكانك أن تعلِّمي الطفل مهارات اجتماعية بسيطة مثل، كيف تسأل شخصاً أن يُصبح صديقاً لك، وكيف تتحدّث عن مشاعرك، وكيف تقول لا، وكيف تطلب شيئاً بطريقة واضحة. لكنّ الذكاء الاجتماعي أبعَد من ذلك بكثير. لا تستطيعين أن تعلِّمي طفلاً كيف يتعاطف مع اكتئاب شخص آخر – إما أن يتعاطف أو لا يتعاطف. لا تستطيعين أن تعلّمي طفلاً كيف يكون بصورة طبيعيّة مهتمّاً بشخص آخر، وأن يعبِّر عن اهتمامه بطريقة يشعُر معها الشخص الآخر أنّه مقدَّر حقّ قَدره. لا تستطيعين أن تعلِّمي طفلاً القدرة على مواساة شخص مكتئب وتهدئة خواطره. هذه المهام الإنسانية العالية كلّها لن تكون ممكنة إلا إذا كان الطفل قد طوَّر المسالك الضرورية والتفاعلات الكيميائية المعقَّدة في دماغه، إضافة إلى استجابة واضحة صادقة. هذا التطوّر يمكن فقط أن يحدث عبر خبرات معيّنة في العلاقات، يكون الوالدان فيها هما نقطة البدء. يحدث أحياناً أنّ البالغين لم يتلقَّوا في طفولتهم استجابات عاطفيّة مُثْرِية، يظلّون أسرى ذكائهم الاجتماعي الذي كانوا عليه في طفولتهم.
- تطوير الذكاء الاجتماعيّ:
الذكاء الاجتماعي يستدعي أن تعمل مسالك الدماغ العلوي والسفلي معاً على درجة عالية من التنسيق. أنت، كأُمّ أو كأب، يكون لك تأثير قويّ على ما إذا كانت أجهزة الشبكة ستتطوّر تطوّراً سليماً في دماغ طفلك.
من الذكاء الاجتماعي ثلاث مناطق أساسيّة: فنّ الاستجابة؛ القدرة على التفاوض والتحليل والعمل كجزء من فريق؛ القدرة على التعاطف والاهتمام. الوالديّة الحَسَنة يمكن أن تطوِّر هذه المناطق الثلاث كلّها.
* اكتسبتِ فن الاستجابة للناس:
هذا يعني أنّه عندما تكونين مع أشخاص آخرين، يكون بإمكانك أن تقرأي بدِقّةٍ لغة أجسادهم وإشاراتهم الاجتماعيّة. هذه العمليّة تنطوي على قائمة طويلة من الاستجابات الدقيقة، وردود الفعل، والقرارات التي تُتَّخذ في جزء من الثانية في حين تتأمّلين وجه الشخص الآخر وجسمه.
يكون عليك:
- أن تعرفي حالته الذهنيّة.
- أن تَقيسي أثَرك على الشخص الآخر وتُعدّلي سلوكك على هذا الأساس. على سبيل المثال، ستشعرين ما إذا كان الشخص الآخر يجدك مُضجرة، أو مُتطفّلة، أو مُزعجة.
- أن تنتبهي إلى ردود فعلك الانفعاليّة وردود فعل الآخرين في الوقت نفسه.
- أن تُقيمي توازناً في مُحادثتك بين الكلام والاستماع، وبين إبداء اهتمامك في الشخص الآخر والحديث عن نفسك.
- أن تَقيسي التوقيت الدقيق في الجوار، وفي الإدلاء ببيان والاستجابة، متجنّبةً الإسراع أو الإبطاء في الاستجابة. هذا يتضمّن عدم الاستطراد خارج موضوع المحادثة.
* أنت قادرة على التفاوض والتحليل وأن تكوني لاعبة حسَنة في فريق.
هذا يعني أنّه عندما تكونين مع آخرين يكون بإمكانك أن تُعطي وتأخذي لا أن تفرِضي رأيك عليهم. يكون بإمكانك أيضاً:
- أن تكوني تابعة وأن تكوني قائدة كذلك.
- أن تستمعي وتفهمي أفكار الآخرين، وكذلك أن تعبِّري عن أفكارك أنت.
- أن تُسيطري على مشاعرك جيِّداً بحيث لا تُفسدين علاقاتك بفعل انفجارات غضب، وانزعاج، وقلق.
- أن تقولي بوضوح ما تُحبّين، وما لا تُحبّين، ما تريدين، وما لا تريدين بأسلوب لا عدوانيّة فيه ولا لوم.
- أن تُفاوضي في حال النزاع أو الاختلاف في الرأي وأن تكوني مُنفتحة لعَرض وجهة نظر مختلفة. بإمكانك أن تلجأي إلى حلّ الصعوبات بدلاً من إلقاء اللوم. هذه الصفات كلّها تجعل الناس راغبين في صُحبتك.
* أنت تتعاطَفين مع الآخرين وتهتمّين بهم وعندك القدرة على التعبير عن تعاطُفك واهتمامك.
تتأثرين كثيراً باكتئاب الناس ومُعاناتهم –ليس فقط أولئك الذين هم من ثقافتك نفسها أو لون جلدك أو معتقداتك أو دينك.
- عندك الشجاعة لتشعري بالألم ممّا تُعانينه أنت نفسك ومما يُعانيه الآخرون، بدلاً من ولوج حالة إنكار، أو حالة انقطاع انفعاليّ على نحوٍ ما.
- أنتِ قادرة على مواساة شخص آخر مكتئب وتهدئته، بدلاً من مجرّد إعطائه النُّصح أو قولكِ، "انسَ الموضوع" أو "كُنْ رجُلاً".
- تأمّلي في ما يلي...
الاستجابة للإشارات الانفعاليّة التي تصدُر عن الآخرين عامِل أساسي في الذكاء الاجتماعي. بيّنت الدراسات أنّ الأطفال ممّن هم في الحادية عشرة من العمر ويُحسنون الاستماع إلى مشاعر رفاقهم، كانوا في الغالب ممّن يجدون استجابة حسنة لمشاعرهم من والديهم.
*مكتبة لبنان ناشرون/ ترجمة: د. ألبير مُطلق
المصدر: كتاب علم الأمومة والأبوة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق