• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عمق رابطة الإخاء والمحبّة

عمار كاظم

عمق رابطة الإخاء والمحبّة

يقول النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه». جعل الإسلام التعاون بين المسلمين أمراً لازماً، وحقّاً واجباً.. والمتآخون في الله تعاهدوا فيما بينهم على التزام منهج الإسلام قولاً وعملاً، وعلى تطبيق شريعة الله جملةً وتفصيلا.. والله سبحانه وتعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2).. والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاونهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى». وهكذا يربّي الإسلام كلّ فرد من أبنائه على التعاون والتكافل، وعلى مشاركة كلّ أخ أفراح إخوانه إذا فرحوا، وأحزانهم إذا حزنوا. وفي الحديث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تحاسدوا، ولا تدابروا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً». وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه». ومن هنا حرّم الإسلام على المسلم أن يجفو أخاه المسلم، أو يقاطعه، أو يعرض عنه. وهكذا تعتبر الأخوة في الله إشراقة ربّانية ونِعمة إلهيّة يغدقها الله عزّوجلّ على قلوب المخلصين من عباده، والأتقياء من خلقه الذين علم منهم صدق إيمانهم وعميق إخلاصهم.. إنّها قوّة إيمانية نفسية تورث الشعور العميق بالمحبّة والعاطفة والاحترام، والثقة المتبادلة بين الذين تربطهم أواصر العقيدة الإسلامية، ووشائج الإيمان والتقوى. يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10)، هذه الفقرة من الآية تؤكد أنّ من العناصر الأساسية لشخصية المؤمن هي أن يعيش الإحساس بالأخوّة مع المؤمن الآخر بحيث يدرس ما هي علاقته النسبية بأخيه، ويستعرض طبيعة هذه العلاقة. تعتبر علاقة الإيمان راسخة في وعي الإنسان عندما يتمثّلها وجدانه الإيماني، ذلك أنّ علاقة الإيمان تعني أنّك ترتبط بأخيك من خلال الله، فالله الذي تؤمن به ويؤمن به، وما يوحّده بك ويوحّدك به باعتبار أنّ إيمانكما به ينبع من كونه الخالق والمنعم والمحيي والمميت، ومن حيث هو سرّ وجودك وسرّ وجود أبويك اللذين ارتبط بهما وجودك، وسرّ الدم الذي يجري في عروقك وعروق إخوانك. فعندما تعتبر أنّ الله هو الذي يجمعك بأخيك، وأنّ هذا الإحساس المشترك بالله من خلال إيمانك به، الإيمان الذي يعيش في عقلك وقلبك ومشاعرك وأحاسيسك ومواقفك كما يعيش في الآخر، فإنّ الموقف من العلاقة يختلف.

وإذاً، فالإيمان هو الذي يجمعكما من خلال سرّ الوجود ومن خلال كلّ معانيه العقلية والعاطفية والشعورية والحركية في الحياة، بحيث تشعر أنّك هو ويشعر أنّه أنت من خلال هذا الإيمان الذي يجري في مفاصل عقلك وقلبك وحياتك. وتمتد العلاقة بعد ذلك لتشعر أنّك ترتبط به من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خلال رسالة الله التي تنفتح على كلّ أنبياء الله وكلّ رسالات الله، كما تلتقيان على كتاب الله وعلى بيت الله في القبلة وعلى كلّ ما يفرضه الإيمان عليك في كلّ عملك وعلاقاتك ومواقفك. هنا، عندما تتعمّق في الإحساس بذلك فإنّك تشعر بأنّ علاقتك به علاقة عقل بعقل، وإحساس بإحساس، وحركة بحركة، وخطّ بخطّ، وغاية بغاية، وانفتاح على اليوم الآخر من خلال ما يؤدِّي إليه هذا الإيمان في ذلك الحلم الكبير الذي تعيشه أنت كما يعيشه هو من حيث التطلّع إلى رِضا الله ونعيمه. لذلك علينا أن نعيش هذه الأخوّة، فلا يعادي بعضنا بعضاً، ولا يقاطع بعضنا بعضاً، فالأخوّة تفرض علينا أن نكون متحابّين متكافلين متعارضين في وجه كلّ التحدّيات، وأن نجعل من الأخوّة على دين الله قوّةً لنا وطاقةً تدفعنا نحو كلّ شيءٍ حسنٍ يجعل من حياتنا مساحةً للخير والبرّ. فقد ورد في الحديث النبوي أنّ سبعة يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلّا ظله، ومن هؤلاء: «رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه». إنّ الإخاء والحبّ في الله كفيل أن يتغلّب على صعاب الحياة، وينتصر على مشاكل العيش، ويهنأ الناس به أفراداً، ويسعدون به جماعات.

ارسال التعليق

Top