تصنيف الإمام الصادق (ع) المسلمين إلى منازل وأسهم ودرجات، يعطينا فكرة واضحة عن أنّ الإسلام أشبه بـ(الصفّ المدرسيّ) يتباينُ تلامذته وطلّابه في المستويات؛ ولكنّهم (طُلّابُ) صفٍّ واحد، و(تلامذةُ) مُعلِّمٍ واحد، و(مُتعلِّمون) على ضوء منهج واحد؛ ولكنّهم عند الكشف عن مستوياتهم التحصيلية وامتحاناتهم الاختبارية، يتفاوتون..
ففيهم المُميَّز بأدائه وعطائه، وفيهم المتوسِّط، وفيهم الضعيف؛ لكنّهم في النهاية تلامذة يتنافسون على نيل أعلى وأفضل الدرجات، والمرتبة الأُولى، أو الفائز الأوّل متاحٌ للجميع.
على ضوء ذلك، لابدّ من أن نكون عمليين وموضوعيين في نظرتنا إلى الإنسان المُسلِم اليوم، إذ صحيحٌ أنّ الإسلام كلٌّ لا يتجزَّأ؛ لكن ما لا يُدركُ (كلّهُ) لا يُتركُ (جُلّه) أو (قُلّه)، بمعنى: أنّني لن أكون مُسلِماً حتى أتوفَّر على كلّ شروط المُسلِم الحقّ المنصوص عليها في الآيات والروايات والتعليمات السائدة، أم أنّني مُسلِمٌ بدرجةٍ أو سهمٍ ما، بل يتعيّن عليَّ أن أعمل ما بوسعي لأرتفع بسهمي ودرجتي، وأنا حينئذ (مُسلِمٌ) أسكنُ بيتَ الإسلام - بحسب الرواية عن النبيّ (ص)، فقد أسكنُ طابقه السفليّ، أو طابقه الوسطيّ، أو طابقه العلويّ، و (الترقّي) - بعد ذلك - متاحٌ لمن يريدُ أن يرتقي، والانتقالُ من طابق إلى طابق، ومن سهم إلى سهم، ومن مرقاة إلى مرقاة، متوفِّرٌ لمن أراد ذلك وسعى لهُ سعيه!
والسؤال الذي يجب أن يُطرح هنا ليس هو: إسلامٌ ناقصٌ خيرٌ من كفر، بل: إسلامٌ ناقصٌ يسعى لاستكمال نقصه، والمثابرة على الارتفاع بدرجته، لأنّنا لا ينبغي أن نقارن أنفُسنا (بالسَّيِّئ) و(الأسوأ) لنريحَ أنفُسنا بالإجابة الكسولة: الحمدُ لله نحنُ أفضلُ من غيرنا، فالقليلُ الذي عندنا، بعضُ الناس محرومٌ منه! فهو إذاً كثير!
هذا في جانب (الترضية) و(الإيهام) وربّما (خداع النفس)، وكأنّ حديث القناعة لا يكون إلّا في الرِّضا بالقليل من مواصفات الإنسان المُسلِم، وبالدون من التزاماته.
إنّنا نفهم من وصايا الأنبياء (ع) إلى أبنائهم أن لا يموتوا إلّا وهم مُسلِمون، ليس (الثبات) على الإسلام، والاستقامة على خطّه، فذلك تحصيلُ حاصل، لأنّهم ورثةُ الرسالة والأُمناء عليها؛ ولكنّ المطلوب أن يختموا حياتهم وهم في أعلى درجة من درجات التسليم والطاعة لله تبارك وتعالى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق