• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عواقب ترك الأمر والنهي

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

عواقب ترك الأمر والنهي

◄إنّ ترك القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أوّل عواقبه هو حرمان الفرد والمجتمع من بركاتهما. إضافة إلى أن ترك أي حكم من الأحكام الإسلامية وعدم القيام به سيوجد خللاً في دين الفرد وبنية المجتمع الإسلامي، ولذلك نرى الله تعالى يعلل نزول العقاب الإلهي وانحراف المجتمعات والأفراد بذلك، (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة/ 79).

ولذلك نرى أنّ أمير المؤمنين (ع) كان يتألم من الحال التي وصل إليها مجتمع المسلمين نتيجة لا مبالاته وتساهله إزاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً: "فإنا لله وإنا إليه راجعون، ظهر الفساد فلا منكر مغير ولا زاجر مزدجر، أبهذا تريدون أن تجاوروا (الله) في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده، هيهات لا يخدع الله عن جنته ولا تنال مرضاته إلا بطاعته".

ومن مجموع الروايات والآيات تبرز الأخطار والعواقب المترتبة على ترك أداء هذه الفريضة، نذكر مبتدئين بالعواقب الفردية لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

1-    نزع بركة الإيمان:

إنّ الإيمان الحقيقي يفترض أن يتماهى الإنسان مع عقيدته في سلوكه وعواطفه وأحاسيسه ليكون صادقاً في إيمانه وتدينه، فعندما تنتهك حرمة الدين أمام ناظريه عليه أن يشعر بالأذى مما يرى ويعمل على تغييره؛ يقول أمير المؤمنين (ع): "لا يحل لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره". وتدين ليس فيه هذه الحساسية تجاه معصية الله لا بركة فيه بل يصل إلى حد أن يسلب من صاحبه.

عن الإمام الصادق (ع): "كلّ من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له".

لأن ترك هذا الواجب سيترك الساحة بلا موانع وحواجز أمام العصاة مما يؤدي إلى شيوع المعصية، وهذا عكس ما يريده الله تعالى.

2-    الإشتراك بالمعصية:

إنّ عدم نهي فاعل المعصية عن معصيته، واللامبالاة اتجاهه سيجرؤه على الإقامة على المعصية بل والتوسع فيها إلى ما هو أخطر وأعظم وستكون وسيلة لدعوة غيره إليها.

3-    سوء العاقبة:

إنّ معيار الحياة في الإنسان هو حياته المعنوية ومستوى حساسيته تجاه ما يخالف القيم التي يؤمن بها، وهو كاشف عن حياة هذا الدين وهذه القيم في نفسه، وبالتالي فإذا لم يحرك الدين والإيمان الفرد إلى تغيير هذا المكر فإن هذا الإنسان ميت وإن كان يأكل ويشرب.

عن أمير المؤمنين عليّ (ع): "مَن ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الأحياء".

وبالتالي فإنّ هذا الإنسان لو استمر على هذه الحال فإنّه سيسلب منه تدينه وبركات تدينه ليبتلي بما يؤدي إلى سوء العاقبة حيث تنقلب المفاهيم والمعارف والقيم الدينية إلى أضدادها، فلا يتذوق ولا يتلذذ بحلاوة دينه ولا يسعد بها.

عن أمير المؤمنين (ع): "فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً، قلب فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه".

وإذا أصبح كذلك فمن الطبيعي أن يكون مصيره في وادٍ من وديان جهنم.

عن الإمام الصادق (ع): "ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهذه النتيجة ستحرم صاحبها من الرحمة الإلهية الخاصة بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وستخرج هذا الإنسان من زمرة المحبوبين لله إلى زمرة المبغوضين له تعالى.

عن الرسول الأعظم (ص): "إنّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له، فقيل وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر".

 

العواقب الاجتماعية:

وإذا اكتفينا بما سبق ذكره من العواقب الفردية لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نشرع في ذكر العواقب الاجتماعية لترك هذه الفريضة. وقد سبق القول إنّ نفس الحرمان من بركات هذه الفريضة عقاب يضاف إليه جملة من الآفات:

1-    إشاعة الفساد وإنقلاب القيم:

إنّ ترك أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيفسح المجال تلقائياً لشيوع الفساد وانتشاره، حيث لن يجد الفاسدون وازعاً ولا رادعاً يقف أمام جنوحهم، إضافة إلى أنّه سيجرئ آخرين للإنضمام إلى هؤلاء المفسدين ليعم الفساد في المجتمع بما لا يستثني حتى الساكتين والتاركين لهذه الفريضة. قال (ص): "إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سراً لم تضر إلا عاملها، وإذا عمل بها علانية ولم يغير عليه أضرت بالعامة".

ولو استمر الهجران لهذه الفريضة، فإنّ الذوق العام سيصاب بداية بالشك ثمّ سيتحول إلى التلذذ بالمعصية إلى أن يصل أبناء المجتمع هذا إلى أن يعيبوا على القائم بهذه الفريضة، ثمّ يتطور الأمر إلى تحول المعصية والفساد إلى قيم بذاتها تحل محل الشرف والفضيلة والتدين.

وقد أشار (ص) إلى هذا التدرج في الحديث المعروف عنه (ص): "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟

قالوا: أو يكون ذلك يا رسول الله؟!

قال (ص): بلى وشر من ذلك! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!

قالوا: أو يكون ذلك يا رسول الله؟!

قال (ص): بلى وشر من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفاً؟!

2-    تسلط الظالمين والأشرار:

إنّ الله تعالى هو رب الناس جميعاً ومن مقام ربوبيته يوفّق الأفراد والمجتمعات إلى ما يليق بها من كمال بشرط أهليتها المنوطة بقيامها بواجباتها وأداء تكاليفها المعبرة عن اندفاعها للتربية الإلهية، فليس الأمر في الدنيا قائماً على الجبر وقد سبق القول إن نصر الله للأفراد كما للمجتمع الإسلامي في دائرة الحياة الفردية والاجتماعية، متوقف في أحد نواحيه على نصر دين الله عبر القيام بأداء واحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولذا فإن خذلان دين الله من خلال ترك هذه الفريضة ستكون نتيجته خذلان الله لهذه الأُمّة ولهذا المجتمع.

وبالتالي فإنّ النتيجة ستكون حرمان هذا المجتمع من العناية والرعاية الربانية وأيضاً فإنّ النتيجة الموضوعية الطبيعية هي قيام ونشوء بيئة فاسدة سوف لن تنتج إلا أفراداً فاسدين، وولاة أمر هذا المجتمع سوف يكونون على شاكلتها وإلى هذا أشار الإمام عليّ (ع): "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم".

3-    العذاب من الله:

عن أمير المؤمنين (ع): "إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا".

فالمجتمع الذي لا يقوم بهذه الفريضة يصبح محلاً لسخط الله، وبالتالي فإنّ التقصير في أداء هذا التكليف لن تكون نتيجته فقط ما يترتب عليه موضوعياً من فساد وتسلط الظالمين، بل إنّ نزول العذاب حينها لن يكون مختصاً بمرتكبي المحرمات بل سيكون عاماً.

قال (ص): "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمنّكم عذاب الله".

4-    نزع بركة الرزق:

عن الإمام الصادق (ع): "أيما ناشئ نشأ في قوم ثمّ لم يؤدب على معصيته فإنّ الله أوّل ما يعاقبهم فيه، أن ينقص في أرزاقهم".

إنّ الله عزّ وجلّ لا يمنع رزقه عن مخلوق حتى الملحدين فهو القائل: (كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (الإسراء/ 20).

ولكنّ لبعض الذنوب، وعلى رأسها ترك القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثاراً كشفت عنها الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة – عليهم السلام – تتعلق بإدرار الرزق أو نقصه أو ذهاب بركته.

بل أكثر من ذلك، إنّ القيام بأداء التكاليف وإقامة الدين سبب في ازدياد الرزق ونمو بركته، كما أن ترك أداء هذا التكليف موجب لقلة الرزق وذهاب بركته.

 

خاتمة:

إنّ أهم الآثار التي تترتب على التقصير في أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو انقلاب الموازين في المجتمع، وانقلاب المفاهيم والقيم حتى تصل الأمور إلى ما يشبه المسخ. فكما أن أداء هذه الفريضة له دور في صناعة جمال الأُمّة وجلالها، فكذلك ترك أداء هذه الفريضة سيؤدي إلى ضعف جهاز مناعة هذه الأُمّة الثقافي والتربوي والأمني والاقتصادي بما يؤدي إلى صيرورة هذه الأُمّة وهذا المجتمع مخلوقاً غير متوازن الخلقة مشوهاً. وبمعنى آخر فإن ترك هذه الفريضة يسلب الأُمّة شخصيتها ويفقدها استقلالها لتصبح محلاً للغزوات المختلفة الأنواع بما يؤهلها للسقوط فالموت الذي نرجو أن يجنب الله أُمّتنا منه.

عن رسول الله (ص): "لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ والتقوى فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".►

 

المصدر: كتاب حياة المجتمع/ سلسلة الدروس الثقافية (15)

ارسال التعليق

Top