• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عوامل تغيير الفرد والمجتمع

د. نجيب الرفاعي

عوامل تغيير الفرد والمجتمع

◄"إنّ العيب فينا لا في غيرنا، وهذا ما أوصلنا إلى هذه المنزلة والحل بين أيدينا، ولكن عندما نعدد العلل، لا ندخل أنفسنا فيمن تفتك بهم هذه العلل، وعندما نعدد الواجبات لا ندخل أنفسنا فيمن يجب عليهم النهوض بهذه الواجبات".

 

شروط التغيير:

إنّ من أراد أن يغير الواقع الذي نعيشه سواء على مستوى نفسه وأسرته أم على مستوى جماعته ومجتمعه الكبير يجب أن يحيط علماً بسنن التغيير، فالمقدمات السليمة لابدّ وان تعطي نتائج سليمة، فإذا ما رأينا خللاً في وضعنا الاجتماعي الذي هو نتيجة لأوضاعنا النفسية ولأفكارنا، فلابدّ أن نراجع ونعيد النظر فيها، فلابدّ من معرفة سنن التغيير لما بالأنفس كما انّه لابدّ من معرفة ما الذي ينبغي أن نغيره، من الأوهام وما الذي ينبغي أن نثبته من الحقائق، ومعرفة من هؤلاء الذين ينبغي أن نجري على ما بأنفسهم هذا التغيير وان اختلفت معادنهم الشخصية، إذ انّهم مشتركون في أصل البلاء، فهذه المعرفة المفصلة أمر لابدّ منه للبدء في أيّة عملية تغيير جاد.

 

عوامل التغيير:

إنّ سنن التغيير وعوامله عديدة يصعب حصرها في مقال واحد وسوف القي الضوء على بعض منها:

1-    ثق بنصر الله وتوكل عليه

2-    اعمل من خلال تنظيم يحدث التغيير

3-    خطط عملك ولا تكن فوضوياً

4-    استغلال طاقات أفراد الجماعة حسب ميول الفرد

5-    كن قدوة واجهر بالإسلام

6-    اترك الأوهام فإنها خداعة

7-    دون الفكرة وسارع في تنفيذها

8-    بالصبر تنمو الحياة

9-    نفسك ابدأ بها.

 

1-    ثق بنصر الله وتوكل عليه:

إنّ كلّ عمل مرتبط بالله قوي يستمد قوته من قوة ملك السماوات والأرض، وإذا اخلص العبد عبادته وعمله لله وجده معه في كلّ حركة وفي كلّ سكنة، ووصل إلى مرحلة كنت يده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه... وهنا يستعلي المؤمن على هذه الجاهلية. فمهما بلغت قوتها وجبروتها فهي إلى قوة الله لا شيء... لا شيء تماماً "ولذلك فإنّه لا ينبغي لأحد يواجه الجاهلية بالإسلام أن يظن إنّ الله تاركه للجاهلية وهو يدعو إلى افراد الله سبحانه بالربوبية. كما انّه لا ينبغي له أن يقيس قوته الذاتية إلى قوى الجاهلية فيظن إنّ الله تاركه لهذه القوى وهو عبده الذي يستنصر به حين يغلب فيدعوه (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر/ 10).

إنّ القوى في حقيقتها ليست متكافئة ولا متقاربة.. إنّ الجاهلية تملك قواها.. ولكن الداعي إلى الله يستند إلى قوة الله... والله يملك أن يسخر بعض القوى الكونية – حينما يشاء وكيفما يشاء – فكن على ثقة بنصر ربك، واترك وساوس النفس والشيطان، وتذكر إنّ الذين فتحوا العالم في يوم من الأيام كانوا حفاة رعاة بعيدين كلّ البعد عن تكنولوجيا السلاح في عصرهم وزمانهم ولكنهم حازوا على تكنولوجيا الإيمان والشقة التي لا تتزعزع بالله فايدهم ونصرهم... فارفع شعار "الله أكبر" وكن في همة الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:

الهول في دربي وفي هدفي *** واظل أمضي غير مضطرب

ما كنت في نفسي على خور *** أو كنت من ربي على ريب

ما في المنايا ما احاذرها *** الله ملء القصد والارب

 

2-    اعمل من خلال تنظيم يحدث التغيير:

إنّ العمل الفردي مهما بلغت قوته لا يساوي شيئاً أمام جماعة منتظمة تستغل كلّ طاقة من طاقات أفرادها، إذ انها تعمل بعدد العقول المنتظمة معها... وهذه سنة الله وإرادة الله في هذه الدنيا... "فإرادة الله هي الفاعلة في النهاية وبدونها لا يبلغ الإنسان بذاتها شيئاً، ولكن هذه الإرادة تعين من يعرف طريقها ويستمد عونها ويجاهد في الله ليبلغ رضاه" ومعرفة طريق هذه الإرادة سهل... انّه التحرك في هذا المجتمع من خلال عمل منظم تحت جماعة منظمة... "والأمر كله هو أمر العصبة المؤمنة التي تضع يدها في يد الله.. ثمّ تمضي في الطريق، وعد الله لها هو واقعها الذي لا واقع لها غيره، ومرضاة الله هي هدفها الأوّل وهدفها الأخير. وهذه العصبة هي التي تجري بها سنة الله في تحقيق منهج الله، وهي التي تنفض ركام الجاهلية عن الفطرة، وهي التي يتمثل فيها قدر الله في أن تعلو كلمته في الأرض ويتسلم منهجه الزمام".

3-    خطط عملك ولا تكن فوضوياً:

"وماذا علينا نحن المسلمين ونحن نرث أخطاء لها عدة قرون أن نضع خطة بعيدة الأمد لكي نتخلص بها من هذه الأخطاء، ولكي يشعر أبناؤنا أنهم يحملون عبئاً مع الذين وضعوا الخطة"... انّها سنة من سنن التغيير... برمجة العمل إلى مراحل وأهداف ووسائل... ولكن كيف ترسم الخطة؟

أوّلاً: حدد ما هي المشاكل والعوائق...

ثانياً: حدد حلولاً مناسبة لهذه المشاكل والعوائق.

ثالثاً: على ضوء الإجابة السابقة حدد أهدافاً تريد أن تصل إليها خلال سنة أو فترة محددة.

رابعاً: ارسم وسائل لتحقيق الأهداف السابقة فعلى سبيل المثال: ان كان هدفك "جمع مبالغ لبناء مسجد" تكون الوسائل:

أ‌-       جمع تبرعات من البلدان الإسلامية.

ب‌-  طباعة منشورات وحث على التبرع في البلد الذي سيبنى به المسجد.

ت‌-  بيع بعض المواد ورصد ريعها لصالح المسجد... وهكذا...

خامساً: تقويم ومتابعة تنفيذ الخطة بعد فترة مناسبة من بدء التنفيذ لمعرفة الثغرات في التنفيذ، والخطوات السابقة صالحة لتنفيذ أعمال الجماعة الإسلامية بالإضافة إلى أنّه بالإمكان على المستوى الفردي أن يحدد كلّ منا أهدافه والحلول لعيوبه أو الأمور التي يريد الوصول إليها... إذن لابدّ من تخطيط العمل ومتابعته، لأن عدم مناقشة ومراجعة الأمور ترتب النتائج على المقدمات أو المسببات على الأسباب تحت شعار "ليس علينا إدراك النتائج" والاستسلام لها بهذه السهولة يفقدنا عملية الصواب والتصويب التي لا تتحصل إلّا بالعودة إلى معرفة الثغرات التي كانت سبباً في تخلف النتائج واستدراكها، (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران/ 165).

 

4-    استغلال طاقات أفراد الجماعة:

وضَّحت انّ العمل من خلال جماعة يحقق ويقرب طريق النصر بإذن الله وعلى قيادة هذه الجماعة دور كبير في استكشاف الطاقات والميول الموجودة لدى الأفراد فتوظف كلّ طاقة حسب احتياجاتها. "ولن يتحقق الإعداد المطلوب ان لم تُستَجَسْ طاقات الإنسان المسلم كافة، ويعاد تشكيل عقله، كما أراد له الإسلام أن يكون ليتمكن من أداء دوره في هذه المهمة الكبيرة" وعلى هذا فعلى قيادة  العمل تحريك الأفراد في العمل الإسلامي الكبير من خلال ما أودعهم الله من قدرات وامكانات، وكلّ فرد في الجماعة لا يخلو من قدرة حتى الأعمى العجوز، حيث عمد أحد الصحابة وكان أعمى كبيراً في السن للدخول في أحد المعارك فلما قيل له أنك معذور رد قائلاً: انني أريد ان أكثّر سواد المسلمين!... فيا له من فقه عظيم لم يأخذ الرخصة ولو أخذها لكان معذوراً... ولكنها همة العمل واخلاص النية، وتحريك طاقة وقدرة وجدها في نفسه فابى أن يميتها!!... وعلى قيادة العمل أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فإن مواهب الأفراد عديدة.

 

5-    كن قدوة واجهر بالإسلام:

إنّ الناس تتأثر كثيراً بالرجل العامل الصامت الذي يعمل كثيراً ويتكلم قليلاً أكثر من الرجل الذي يتكلم كثيراً ويعمل قليلاً... فعمل الإنسان هو التطبيق العملي لما يقول فيسهل أخذ الناس بما يقول، وتترك حرارة العمل أثرها الجاد في تحريكهم نحو الخير والصلاح بل يجد الإنسان حينما يتحدث عن خلق هو يعمل به أن هناك حرارة في الكلام قلما يجدها أن حدّث الناس بأمر هو لا يعمل به... والناس في المجتمع يتأثر بعضهم ببعض بالأفعال والأعمال لا بالأقوال يوضح سيد قطب هذا المعنى فيقول: "... وانها لحقيقة تلقى على البشر تبعة ثقيلة، فقد قضت مشيئة الله وجرت به سنته أن تترتب مشيئته بالبشر على تصرف هؤلاء البشر وأن تنفذ فيهم سنته على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم" والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل وهو يحمل كذلك – إلى جانب التبعة – دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله أن يكون "هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه" وعلى هذا كان صحابة المصطفى (ص) فقد كانوا مصابيح الهدى لا ينتقل أحدهم من آية إلى أخرى يحفظها حتى يطبق ما حفظ، "وعلى ذلك لن يتغير وضعنا من جديد ولن يحدث التحول الجذري الحقيقي المنشود في حياتنا، ولن نأخذ مكاننا في قيادة أمتنا وقيادة العالم، الاّ أن نصعد بأنفسنا إلى مستوى من حملوا الرسالة أوّل مرة إلى مستوى أصحاب الرسول (ص) إيماناً وصدقاً وعلماً ووعياً وجهاداً وتضحية".

 

6-    اترك الأوهام فإنها خداعة:

إنّ الوهم من أشد عوائق تغيير المجتمع، اعني بذلك على سبيل المثال اعطاء العدو حجماً أكبر من حجمه وقوة أكثر من القوة التي يمتلكها وقدرة خيالية على الإحاطة والدراية... إلخ

إنّ على المسلم الواعي الانتباه من منزلق الوهم فلا يعطي الأمور أكبر من حجمها الحقيقي ولا يكون ذلك الاّ بعدم تصديق كلّ ما يقال والتثبت مما يكتب ويقال وتحليل ذلك تحليلاً دقيقاً "فإن كثيراً مما نقوم به تجاه الغير مبني على ظنون ويبقى سلوك الإنسان بوهم من الأوهام إلاّ انّه يصدق كأنّه حقيقة"، فإنّ الوهم عظيم الاستيلاء على النفس، ولذلك ينفر طبع الإنسان عند المبيت في بيت فيه ميت فتنبه لهذه المثيرات" فعلى الجماعة الإسلامية الاستفادة من مرصد الوهم النفسي واستثماره إذ ان عدو الحركة الراصد لها لا شك انّه يعطيها – بسبب الوهم – حجما أكبر من حجمها وقوة أكبر من قوتها فإذا استطاعت الجماعة الإسلامية التحرك في المجتمع من خلال هذا المنظار فإنّها ستحقق أهدافها بصورة أسرع "يذكر راسل: انّ الخوف الناشيء من الأوهام المتسلط على عقول ساسة العصر الذين يشرفون على هذا العالم يمنعهم من الخروج عن المشاكل الوهمية المحيطة بهم والتي تعرضهم لأخطار متزايدة على مرّ الزمن".►

ارسال التعليق

Top