• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

غـلاء المهور.. لماذا؟

أسرة البلاغ

غـلاء المهور.. لماذا؟
إنّ مسألة المهر وارتفاعه ليست مسألة هينة ولها مضار خطيرة في المجتمع، وهي مسألة نهى عنها الشرع حث على عكسها ففي الحديث الشريف: "ان شؤم المرأة غلاء مهرها" وبهذا يكون المهر الباهض على عكس ما يفهم منه من انّه ضمان للمرأة إذا أصبح شؤما كما في الحديث الشريف. انّها مسألة تحتاج إلى فهم ودراية وتحليل عميق ليفهم السامع ماذا أراد الله بهذا التشريع الذي اسموه المهر. المهر لغة: الصداق والجمع مهور وقد مهر المرأة يمهرها. والقرآن سماح نحلة: والنحلة هي العطية بدون عوض، فقال تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا...) (النساء/ 20)، وسمى عقد الزواج ميثاقاً غليظاً ليفهم منه انه ميثاق وليس شراء وبيع وعوض. فاذن المهر ليس قيمة للمرأة وثمن لها، فليس لدينا هنا بيع وشراء وحاجة رخيصة وأخرى غالية، والا لكانت ابنة المصطفى سيدة نساء العالمين أرخص امرأة لأنّها تزوجت بأقل المهر. ان مجتمعنا ينظر إلى المهر على انه قيمة المرأة فإذا كانت ابنة التاجر الفلاني أو المسؤول الفلاني فلابدّ لها من متاع كثير وكبير وحفل ضخم، وعشاء متخم وهكذا. إنّ الحياة الزوجية ليست سوق للمتاجرة والربح بل هي شركة وانس وسكن، فإذا كانت كذلك وكما يقولون بارتفاع المهر فاين هو السكن والراحة، واين هو الاستقرار في حياة مطمئنة هادئة تكون للإنسان طريقاً إلى ضمان دينه (من تزوج احرز نصف دينه) والزوج يشعر انه مثقل بالدين، وهو مطالب بثمن باهض يدفعه لشريكة العمر التي ترفع هذا السلاح بوجهه كلما رأت ما لا يعجبها حقاً أو باطلاً. والمهر ليس ضماناً إجتماعياً كما يتصور البعض، فإن هذا الضمان لا قيمة له إذا لم تسير سفينة الحياة الزوجية على غير ما يرام وتعثرت في طريقها، انّ الزوجة التي لا تتعايش مع زوجها بالطريقة التي يجب أن يكون عليها الزوجان في حياتهما ترفض وتتخلى عن كل ما لديها وما لها في سبيل خصالها من ذلك السجن الذي حبست فيه، بل قد تبذل له للتخلص منه. فإنّ الذين يتصورون ان ثقل المهر يوطد العلاقة ويوثق الزواج ويضع عثرة في سبيل ان لا تنفصم عرى الزوجية هم في خطأ فادح، فالزواج الذي تربطه وتوثقه علاقات مصلحية مادية لا قيمة له، وهو ليس بشيء من الإنسانية واين هما من شراكتهما في هذه الحياة كروحين ائتلفتا وتحابتا لتثمرا وتعمرا الأرض، فالمهر لا يمثل في الحياة سوى تبعات حصلت وتحصل الآن في مجتمعنا إذ تأخر سن الزواج لدى الفتيان والفتيات بسبب ثقل المهر الذي يفرضه المجتمع متصورين انّ هذا الثقل هو من شأن المرأة وخصوصيتها، وان هبوط المهر وخفته دال على عدم أهميتها. إنّ الزوج الذي تزوجته المرأة اما أن يكون ممن يؤمنون بالله أو على أقل تقدير يشعر بإنسانية غيره وعدم اجحافه، واما أن يكون خارجاً عن حدود الدين والإنسانية، فإن كان ممن يخاف الله ويتقه أو يكون إنساناً متحضراً يشعر بإنسانية شريكته التي افضت إليه وافضى إليها فهو لا يمكنه أن يظلم أو يتجاوز عن الحدود، وخوفه من الله هو أكبر ضمان لإمرأته، وشعوره بإنسانية هذه المرأة هو أفضل ضمان لها، وأما أن يكون غير ذلك وفي هذا المنحى لا ينفع المرأة مهر ولا مال تربطه به، فمهر المرأة الذي تريده ضماناً لمستقبلها اختيارها لشخصية الرجل الذي ستعيش معه حياتها المستقبلية، وتتم المسير معه الى نهاية العمر، وبذلك لا تحتاج إلى مهر ثقيل يكون عبأ على زوجها وعليها ويكون هو رصيدها المستقبلي بأخلاقه وسلوكه والتزامه بمقدساته.

ارسال التعليق

Top