أم أبيها: كانت ثمرة زواج العظيمين نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) مولودة عظيمة. وإذا كانت الآيات الكريمة قد حثت على زواج المؤمن بالمؤمنة والمؤمنة بالمؤمن، فلكي يكون الناتج المبارك ذرية صالحة مؤمنة. وما أحوج الأمة اليوم وفي كل يوم إلى زواج واقتران كهذا وإلى ذرية كهذه.
نشأت في بيت النبوة، ومنذ نعومة أظفارها اسهمت في بناء هذا الصرح النبوي الشامخ الذي سيبقى يطاول الدهور.
ورعت حامل الرسالة أباها وهي بعد طفلة صغيرة لتعوضه على حنانين: حنان الأم الرؤوم وحنان الزوجة المخلصة، وكم هي حافلة بالمعاني الانسانية الخصبة والرحبة كلمته (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقها «أم أبيها.«
لقد اتسع صدر الصغيرة فاطمة (عليها السلام) حتى بات كصدر امه آمنة (رضي الله عنها) أول صدر ضم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاضت أحضانها بالرحمة حتى احتوت نبي الرحمة. ولنا أن نتصور حجم الزخم العاطفي الذي يمكن أن تضخه الفـتاة المؤمنة الصالحة في نفس أمها وأبيها وإخوتها وأخواتها.
إنّها يمكن أن تكون رافدا ثرا من روافد الحب والسعادة في وسط الأسرة، وواحة من واحات الانس والرحمة في حال رحيل أمها، وبهذا تكون قد اقتدت عمليا بالسيدة الزهراء (عليها السلام) في رعايتها لأبيها أو لأسرتها.
إن حبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) على أنّه حبّ خاص وفريد لبنت خاصة وفريدة في إيمانها وعصمتها وجهادها وحسن تبعلها، إلّا أنّه يرسم لنا الطريق الأمثل في التعامل الأبوي مع البنات، تأسياً به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعامل البنات مع آبائهن وأسرهن وذويهن تأسياً بها (عليها السلام).
المسؤولية فردية: حبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لبضعته الطاهرة (عليها السلام) عظيم، لكن ذلك لم يمنعه من أن يؤكد للمسلمين من خلالها أن موقع الأب الرسالي لا يغني عن مسؤولية ابنته أمام الرسالة.
يقـول (صلى الله عليه وآله وسلم) مخاطبا عشـيرته: «يا بني هاشم! اعملوا على مكانتكم فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب! لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية بنت عبدالمطلب! لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئاً.«
إنّه يطالبهم جميعاً ـ بمن فيهم أحبّ الناس إلى قلبه فاطمة ـ أن يعملوا على مكانتهم، وأن لا يركنوا إلى سيد الأنبياء فطاعته لا تغني عن طاعتهم، فالجميع مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى.
ومن هذا نستوحي أن ابنة المؤمن ليست بالضرورة مؤمنـة ما لم تختط طريق الإيمان لنفسها، وأن ابنة المجاهد ليست بالتبعية مجاهدة ما لم تترسم هذا السبيل. ولقد عرفنا من خلال سيرة الزهراء (عليها السلام) كيف عملت على مكانتها فآمنت أفضل الإيمان وأكمله، وجاهدت أفضل الجهاد وأصدقه، ولم تتكل على إيمان أبيها وجهاده في سبيل الله لتقعد ـ كما يفعل البعض ـ عن اكتساب المكارم وحيازة الفضائل وبلوغ المقام المحمود.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق