قال الله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) (الإسراء/ 79). وقال عزّوجلّ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (المزمل/ 2-4). إنّ ألذّ وقت للإنسان يحبّ أن يخلد فيه للرّاحة والنوم... هو في اللّيل، وهذا الوقت عزيز على قلب بني آدم، حيث أنّ النهار وقت العمل والدرس والمشاريع والزّيارات واللّقاءات... والليل وقت النوم والهدوء والراحة... ففي هذا الوقت العزيز، الذي يفضّل الناس أن لا يضيّعوه في غير الراحة، حبّذ الإسلام شغلَ هذا الوقت بالصلاة والدعاء والعبادة...، ومن تلك الأمور التي يستحبّ القيام بها في الليل إستحباباً مؤكّداً صلاة الليل. وصلاة الليل من أفضل الوسائل والوسائط بين الخالق والمخلوق، ففي حين يخلد الكثيرون للراحة، وفي حين يسهر الكثيرون على ملذّاتهم وشهواتهم؛ نرى هذا العابد المحبّ لله والمطيع له، عزّوجلّ، يتوجّه بالعبادة والصلاة والتّهجّد نحو الخالق العظيم، وهنا حينما يتعبّد المرء في هذا الوقت، فإنّه يكون يتّجه لربّه في أفضل الأوقات وأحسنها وأعزّها، وبالطّبع فإنّ الأجر على قدر المشقّة. جميل أن لا يبقى الإنسان جثّة هامدة في الليل، بل يسعى لأن يحرّك عقله وقلبه ومشاعره... ومما روي عن الإمام جعفر الصادق (ع): "كان فيما ناجى الله، عزّوجلّ، موسى بن عِمران أنّه قال له: يا ابنَ عِمران كذب من زعم أنّه يحبّني، وإذا جنّه الليل نام عني، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه، ها أنا يا ابن عِمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم اللّيلُ حوّلتُ أبصارَهم من قلوبهم، ومثّلتُ عقوبتي بين أعينهم، يخاطبونني عن المشاهدة، ويكلِّمونني عن الحضور، يا ابن عِمران هبْ لي من قلبك الخشوعَ، ومن يديك الخضوع، ومن عينيك الدّموعَ في ظلم الليالي، فإنّك تجدني قريباً مجيباً".
· فوائدها:
تعود صلاة الليل بالعديد من الفوائد الدنوية والأُخروية على مُصلّيها، حيث ورد جُملة من فوائدها أعرض بعضاً ممّا ورد: المغفرة وقبول التّوبة: ففي رواية عن رسول الله (ص) أنّه قال: "إذا قام العبد من لذيذ مضجعه، والنّعاس في عينيه ليرضيَ الله ربّه تعالى بصلاة ليله، باهى الله تعالى به الملائكة وقال: أمّا ترون عبدي هذا قد قام من لذيذ مضجعه لصلاة لم أفترضها عليه، اشهدوا أنّني غفرت له". وقال الإمام جعفر الصادق (ع): "إنّ العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يميناً وشمالاً وقد وقع ذقنه على صدره، فيأمر الله تبارك وتعالى أبواب السماء فتفتح، ثمّ يقول للملائكة: انظروا إلى عبدي ما يُصيبه في التّقرّب إليَّ بما لم أفترض عليه، راجياً منّي لثلاث خِصال: ذنباً أغفره له، أو توبة أجدّدها له، أو رزقاً أزيده فيه، فأشهدكم ملائكتي أني قد جمعتهنّ له". زيادة الرزق: كذلك فإنّ من الفوائد المؤكّدة لصلاة الليل زيادة الرزق، فقد جاء في رواية عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: "كذب من زعم أنّه يصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار". وورد نفس الشيء في رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): "إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل، فإذا حرم صلاة الليل حُرم بها الرزق". فوائد أخرى: ورد في رواية أنّ جبرائيل اعتبر أنّ صلاة الليل هي شرف الرجل، وذلك أثناء حديثه مع رسول الله (ص) قائلاً: "يا محمد عِشْ ما شئت فإنّك ميّت، واحبب ما شئت فإنّك مفارقة، واعمل ما شئت فإنّك مجزيّ به، واعلم أنّ شرف الرجل قيامه باللّيل، وعزّه عن الناس". واعتبر رسول الله (ص) أنّ صلاة الليل كانت من الأسباب التي جعلت الله، عزّوجلّ، يتخذ إبراهيم (ع) خليلاً له، فقد قال النبي الأكرم (ص): "ما اتّخذ اللهُ إبراهيمَ خليلاً إلا لإطعامه الطعام، وصلاته بالليل والناس نيام".
المصدر: كتاب مفاهيم رمضانية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق