الصدق من المقوّمات الأساسية لبناء الحياة الاجتماعية بناءً متيناً تسوده روح التفاهم والتعاون والثقة للنهوض بأعباء الحياة وتحقيق أهدافها وغاياتها للتنعم بحياة كريمة هانئة يسودها الأمان والسّلام. وبالصدق تتحقّق هذه الأهداف السامية، فإذا كان الإنسان صادق اللّهجة أميناً في نقل الأحداث أو ما يدور في خُلده، أدّى رسالة التفاهم بمحبّة وسلام. فإذا عمّت هذه الصِّفة أبناء المجتمع عاش المجتمع السعادة الحقيقية ولحقت به السمعة الطيِّبة وحُسن الثناء والتقدير وكسب الثقة والأمان.
لهذه الصِّفة آثارها وانعكاساتها في توفير الوقت الثمين وكسب الراحة النفسية، فإذا صدق العاملون في المعاملات التجارية والاجتماعية كسبوا ضياع الوقت الثمين في البحث عن الواقع وتحرِّي الصدق. ونالوا ضماناً لصيانة حقوق الناس، وعكسه الكذب الذي يرهق الأُمّة ويبعثر جهودها ويفرِّق وحدتها.
فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان المثل الرائع والمطبِّق لهذه الخصلة الكريمة، حيث كان النبراس حتى قبل الإسلام، حيث عَرفَ الداني والقاصي صدقه وأمانته، فلقّب بالصادق الأمين. وها هو تراه يصف الصِّدق ويحث عليه ويؤكِّد بشدّة عن الالتزام به لأنّ بدونه تضيع الموازين ويختلط الحقّ بالباطل، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «زينة الحديث الصِّدق».
إنّ الصدق مع الله هو أعظم قيمة يرتفع بها شأن الإنسان في الحياة وبعد الممات، وذلك هو شأن المؤمنين الصادقين مع ربّهم فهم إذا عاهدوا الله صدقوا ما عاهدوا الله عليه مهما بلغت قيمة البذل وضخامة التضحيات، وفيهم يقول الحقّ جلّ جلاله: (مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 23).
أكّدت الآيات القرآنية على الصدق وأشادت بالصادقين، قال الله تبارك وتعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (المائدة/ 119). ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة إلى الصدق: «عليكم بالصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ وانّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا. وإيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وانّ الفجور يهدي إلى النار، وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً».
كما قال الإمامُ الباقرُ (علیه السلام) في الصدق: «تَعَلَّمُوا الصِّدقَ قَبلَ الحَديثِ». من أقوال الإمام عليّ (علیه السلام) في الصدق: «الصِّدقُ يُنجِيكَ وإن خِفتَهُ، الكِذبُ يُردِيكَ وإن أمِنتَهُ»، «الصِّدقُ صَلاحُ كُلِّ شيءٍ، الكِذبُ فَسادُ كُلِّ شَيء» و«الصِّدقُ أمانةٌ، الكِذبُ خِيانَةٌ».
من أنواع الصدق الأمانة، وهي من أرفع الصفات في الإنسان، ومن أقوى الدعائم التي يقوم عليها أي مجتمع سليم، ويحصل منها الخير، لهذا نرى الإسلام يعتبرها من صفات المؤمنين، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون/ 8).
من أنواع الصدق أيضاً صدق الوعد وهو من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان لأنّها سبب جوهري من أسباب النجاح في الحياة، وهي تعتبر من أبرز صفات القوم المتمدنين الذين يحرصون عليها أشدّ الحرص والقرآن دعا إلى هذه الصفة، فقال الله تعالى يمدح نبيّه إسماعيل بقوله: (وَاذكُر فِي الْكِتَابِ إِسمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً) (مريم/ 54).
فالصدق من ضروريات المجتمع، وهو كما نرى لم يغفله القرآن بل دعا إليه كما دعا إلى كلّ فضيلة ترقي المجموعة البشرية.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق