إنّ من الفضائل الأخلاقية التي لا يصل الإنسان إلى مراتب الكمال دونها، هي صفة العفو عن زلّات الآخرين وهفواتهم، وترك الانتقام منهم. وهي من الصفات الإلهية والإنسانية، وعكسها أي الانتقام من الصفات الحيوانية، لذلك نجد أنبياء الله وأوليائه المتّقين الذين يمثِّلون بصدق معاني الإنسانية يتّصفون بها. العفو من الصفات الحميدة التي يتحلّى بها الإنسان لأنّها لا تصدر إلّا من نفس كبيرة راجحة العقل صبرت على اعتداء الغير وأذاه. الآيات القرآنية والروايات الإسلامية زاخرة في بيان فضيلة العفو والصفح وذمّ روح الانتقام. يقول سبحانه: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (الشورى/ 40) و﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ (النحل/ 126).
يظهر من الآيتين المباركتين الحثّ على فضيلة العفو وأرجحيّته على المعاقبة بالمثل، فإنّ العفو قد يكون له إيجابيات أكثر من المعاقبة بالمثل، وذلك حسب اختلاف الأشخاص والحالات.
إنّ العفو والصفح من أهم الصفات التي جاء بها القرآن الكريم، والتي كانت من أخلاق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن جملة خلقه العظيم، قال الله عزّوجلّ: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199)، وقال سبحانه وتعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر/ 85)، وقال عزّوجلّ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) (النور/ 22).
آثار العفو:
- ذهاب الحقد والضغينة: يقول النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «تعافوا تسقط الضغائن بينكم».
- إقالة العثرة يوم القيامة: عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أقال مسلماً عثرته أقال الله عثرته يوم القيامة».
- العزّة في الدنيا والآخرة: في الحديث: «مَن عفا عن مظلمة أبدله الله بها عزّاً في الدنيا والآخرة».
- إطالة العمر: رُوِي: «مَن كثر عفوه مُدّ في عمره».
- النصر: يقول الإمام الرضا (علیه السلام): «ما التقت فئتان قطّ إلّا نُصر أعظمهما عفواً».
- النجاة من عذاب النار: في الحديث: «تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النار».
- الوقاية من سوء الأقدار: عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار».
- مغفرة الله ورضوانه: من كلام لأمير المؤمنين (علیه السلام): «إنْ أبقَ فأنا وليُّ دمي، وإنْ أفنَ فالفناء ميعادي، وإنْ أعفُ فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة، فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم؟».
وأخيراً، فإنّ الواحد منّا عندما يعفو ويصفح إنما يفعل الخير لنفسه ومع نفسه قبل أن يصل إلى الآخرين، لأنّ هذا الخير سيسجّل في صحائف مَن فَعله، ثمّ سيرى عاقبته الكريمة في الدنيا قبل الآخرة. فيرجع عفوه على نفسه في الدنيا رفعة وكرامة وفضلاً وإحساناً ومعروفاً وجميلاً وذكراً حسناً، ويرجع أيضاً عليه في الآخرة عفواً من الله تعالى، ورحمة ومغفرة ورِضاً ونعيماً مقيماً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق