تمرّ علينا ذكرى من أقسى ما مرّت على المسلمين من الذكريات بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي ذكرى استشهاد أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، مولى المتّقين، ووارث علم النبيّين، وخليفة رسول ربّ العالمين. حيث برز إليه عبد الرّحمن بن ملجم، وهو يؤدي الصلاة في محراب مسجد الكوفة، وضربه على رأسه وهو بين يدي ربّه، وصاح الإمام عليّ (عليه السلام): «بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة». وكما أطلق آخر صوتٍ بين يدي الله في المسجد، كذلك كانت حياته كلّها سجوداً لله في مواقع السّجود على الأرض، وسجوداً لله في جهاده وعطائه، وفي مواقفه، وفي رعايته للإسلام والمسلمين، وفي تحمّله كلّ الصّعاب من أجل الإسلام والمسلمين.
ففي ذكرى استشهاد بطل العروبة والإسلام وحامل سيف ذو الفقار الإمام عليّ (عليه السلام) والذي استشهد وهو ساجداً في محراب الصلاة في مسجد الكوفة، لتكون بذلك نهاية حياته الدنيوية في أطهر بقعة مباركة وأفضل وضع يكون عليه الإنسان ألا وهو وضع السجود وفي أفضل وأكرم شهر عند الله سبحانه وتعالى وهو شهر رمضان المبارك وفي بداية العشر الأواخر من رمضان التي تتضاعف بها طاعات الإنسان وعباداته لأنّ فيها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، وانتقل إلى حياة الآخرة والنعيم الموعود الذي وعده بها رسولنا الأعظم محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتكون بذلك أروع خاتمة لأشرف حياة قضاها أمير المؤمنين في البر والتقوى والعبادة والجهاد في سبيل الله ومبادىء الإسلام الحنيف وإعلاء شأن الرسالة المحمدية هادية الإنسانية في كلّ زمان ومكان .لقد مثلت حياة أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) أسمى معاني التضحية والفداء والشجاعة والبطولة والصبر والإيثار والحقّ، التي تجسدت في شخصيته الفذة التي قل نظيرها. لقد اُختزل الإسلام برمته في شخصية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن أراد أن يعرف الإسـلام الحقيقي كما هو دون زيف وتحريف فلينظر إلى شخصية وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام). ويكفي فخراً بأنّه وليد الكعبة الوحيد على مر التاريخ، حيث أراد الله سبحانه وتعالى أن يكرّم الإمام عليّ (عليه السلام) بصورة لايكرّم بها أي شخصية أخرى من البشر عدا الأنبياء (عليهم السلام) وبذلك جعله وليد الكعبة المشرفة والتي تشرف بها وافتخرت به، وأن يأتي النداء من الله العلي القدير على لسان جبريل: «لافتى إلّا عليّ لاسيف إلّا ذو الفقار». فعلي هو سيف الإسلام والمدافع عـنه والفدائي الأول فيه، لم يتردد يوماً عن قول الحقّ والدفاع عنه مهما كان، ولم تهتز مبادؤه التي آمن بها ونشأ وتربى عليها في حضن الرسول الأعظم محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) مهما تكالبت عليه الأعداء وحاصرته عاديات الزمن وخذله المقربون منه قبل الأعداء .لقد كان عليّ ومازال وسيبقى نوراً ساطعاً يضيء الدرب لكلّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. فلقد كان الإمام عليّ (عليه السلام) جبلاً شامخاً تتحطم عنده كلّ المحاولات الرامية إلى إضعاف الإسلام المحمدي الحقيقي والنيل منه والالتفاف على مبادئه السامية التي جاءت لنصرة الضعفاء والمظلومين والترفع بالإنسانية لتعيش في حياة طاهرة نقية يتساوى فيها الغني مع الفقير والقوي مع الضعيف ليكون العالم أشبه بالمدينة الفاضلة التي يترفع ساكنيها عن الملذات الدنيوية قصيرة الأمد والزائلة حتماً في يوم ما لتصبو أنظارهم إلى حلم جميل وأبدي لاينتهي ألا وهو جنان الخلد والنعيم التي وعد بها الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين حقاً والذي يمثل الإمام عليّ (عليه السلام) قائدهم إلى تلك الجنان والنعيم. إنّنا عندما نستذكر شخصية الإمام عليّ (عليه السلام) علينا أن نضع نصب أعيننا المبادئ والقيم التي استشهد من أجلها أمير المؤمنين، ولتكن مناسبة متجددة للوقوف على واقع الدين الإسلامي.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق