في وداع شهر رمضان كيف يصف فيه الإمام زين العابدين (ع) مميزات هذا الشهر الخاصة والتربوية: "اللّهمّ وأنت جعلت من صَفايا تلك الوظائف، وخصائص تلك الفروض، شهر رمضان الذي اختصصته من سائر الشهور، وتخيَّرتَهُ من جميع الأزمنة والدهور، وآثرته على كلّ أوقات السنة بما أنزلت فيه من القرآن والنور، وضاعفت فيه من الإيمان، وفرضت فيه من الصيام، ورغَّبْتَ فيه من القيام، وأجلَلْت فيه من ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ثمّ آثرْتَنا به على سائر الأُمم واصطفيتَنا بفضْلِهِ دون أهل المِلَل، فصُمنا بأمرك نهاره، وقمنا بعونِكَ ليلَهُ، متعرِّضين بصيامه وقيامه لو عرَّضتنا له من رحمتِكَ، وتسبَّبْنا إليه من مثوبَتِك. وأنت المَليء بما رُغِبَ فيه إليك، الجواد بما سُئِلْتَ من فضلك، القريب إلى مَن حاول قُربكَ. وقد أقامَ فينا هذا الشهرُ مقامَ حَمْد، وصَحِبَنا صُحْبَةَ مَبْرُور، وأربَحَنا أفضل أرباحِ العالَمينَ، ثمّ قد فارقنا عند تمام وَقْتِهِ وانقطاعِ مُدّتِهِ، ووفاءِ عَدَدِهِ، فنحنُ مُوَدِّعوهُ وداع مَن عَزّ فِراقُهُ علينا، وغَمَّنا وأوحَشَنا انصِرافهُ عَنّا، ولَزمَنا له الذِّمام المَحفوظُ، والحُرمَةُ المَرعِيَّة، والحقُّ المَقضيُّ، فنحن قائِلُونَ: السّلام عليكَ يا شهر الله الأكبر، ويا عيد أوليائه. السّلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقاتِ، ويا خيرَ شهر في الأيامِ والساعات. السّلامُ عليكَ من شهر قَرُبَتْ فيه الآمالُ، ونُشِرَت فيه الأعمال. السّلام عليكَ من قَرين جَلّ قَدْرُهُ مَوجوداً، وأفجعَ فقدُهُ مَفقوداً، ومَرْجوٍّ آلَمَ فِراقُهُ. السّلام عليكَ من أليف آنَسَ مُقبِلاً فَسَرَّ، أوحَشَ مُنقضِياً فَمَضَّ. السّلام عليك مِنْ مجاور رَقَّتْ فيه القلوبُ، وقلَّت فيه الذّنُوبُ. السّلام عليك مِن ناصر أعانَ على الشّيطان، وصاحب سَهَّل سُبُلَ الإحسان. السّلام عليك ما أكثَرَ عُتقاء اللهِ فيكَ، وما أسْعَدَ مَن رَعى حُرمَتَكَ بكَ! السّلام عليك ما كان أمحاكَ للذنوبِ، وأستَرَك لأنواعِ العُيُوبِ! السّلام عليك ما كان أطوَلَكَ على المجرمينَ، وأهيَبَكَ في صدورِ المؤمنين! السّلام عليك مِن شَهر لا تُنافِسُهُ الأيام. السّلام عليك غير كَربهِ المصاحَبَةِ، ولا ذميم المُلابَسَةِ. السّلام عليك كما وَفَدْتَ علينا بالبركات، وغَسَلْتَ عنّا دَنَسَ الخطيئاتِ. السّلام عليك غَيْرَ مُوَدَّع بَرَماً، ولا مَتروك صيامُهُ سَأماً. السّلام عليك من مطلوب قَبْلَ وقْتِهِ، ومَحْزُون عليه قَبْلَ فَوتِهِ. السّلام عليك كم مِن سُوء صُرف بك عَنّا، وكَم من خَيْر أُفيضَ بكَ علينا. السّلام عليك وعلى لَيْلَةِ القَدْر التي هي خَيْرٌ من ألفِ شهر. السّلام عليك ما كان أحْرَصَنا بالأمسِ عليكَ، وأشَدَّ شَوْقَنا غَداً إليكَ! السّلام عليك وعلى فَضْلِكَ الذي حُرمْناهُ، وعلى ماض من بركاتِكَ سُلِبْناهُ. اللّهمّ إنّا أهلُ هذا الشهر الذي شَرَفْتَنا بِهِ، ووَفَّقْتَنا بمَنِّكَ لهُ، حينَ جَهِلَ الأشْقِياءُ وقتَهُ، وحُرِمُوا لشَقائِهم فَضلَهُ، وأنتَ وليُّ ما آثَرْتَنا به من مَعْرفَتِهِ، وهدَيْتَنا له مِنْ سُنَّتِهِ، وقد تَوَلّيْنا بتوفيقِكَ صيامَهُ وقيامَهُ على تَقصير، وأدَّيْنا فيه قَليلاً من كَثير. اللّهمّ فَلَكَ الحَمْدُ إقْراراً بالإساءةِ، واعتِرافاً بالإضاعَةِ، ولَكَ من قُلُوبِنا عَقْدُ النَّدَمِ، ومن ألسنَتِنا صِدْقُ الاعتذار، فأجُرنا على ما أصابنا فيه من التَّفريطِ، أجْراً نستَدْرِكُ به الفَضْلَ المَرْغوبَ فيه، ونَعتاضُ به من أنواع الذُّخْرِ المَحْروصِ عَلَيهِ، وأوجِبْ لنا عُذرَكَ على ما قصَّرْنا فيه من حقِّكَ، وابْلُغْ بأعمارِنا ما بَيْنَ أيدينا من شهرِ رمضان المُقبِل، فإذا بلّغتَناهُ فأعِنّا على تناول ما أنتَ أهْلُهُ من العبادة، وأدِّنا إلى القيام بما يَستَحِقُّهُ مِنَ الطّاعة، وأجْر لنا من صالح العمل ما يكون دَركاً لِحَقِّكَ في الشهرين من شُهُور الدَّهْرِ. اللّهمّ وما ألمَمْنا به في شهرِنا هذا من لَمَم أو إثم، أو واقَعنا فيهِ من ذَنْب واكتَسَبنا فيه من خَطيئَة على تَعَمُّد مِنّا، أو على نِسيان ظَلَمنا فيه أنفسنا، أو انتَهَكْنا به حُرمَةً من غَيرنا، فَصَلِّ على مُحَمّدٍ وآلِهِ، وَاستُرْنا بسِتْرِكَ، وَاعْفُ عنّا بعفوِكَ، ولا تَنْصِبْنا فيهِ لأعْيُنِ الشّامِتينَ، ولا تَبْسُطْ علينا فيهِ ألسُنَ الطّاعِنينَ، وَاسْتَعمِلنا يَكُونُ حِطَّةً وكَفّارَةً لِما أنكَرْتَ منّا فيه، برأفَتِكَ لا تَنْفَدُ، وفَضْلِكَ الذي لا يَنْقُصُ".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق