• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج (2)

أسرة

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج (2)
القصّة السابعة "أتجوعُ وأنتَ على خزائنِ الأرضِ؟!" يُروى أنّ نبي الله يوسفَ الصدِّيق (ع) كان كثير الصِّيام، فسأله بعضُهم ذات مرّة: -        أيها الصدِّيق! أتجوعُ وأنتَ على خزائنِ الأرض؟! -        فأجابه: أخشى إن أنا شبعتُ أن أنسى الجائع!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- حتى لا أنس لابدّ لي من طريقةٍ ما تُذكِّرني، فيوسف (ع) مثلاً، جرّب الصوم ليبقى على لذعةِ الجوع فلا ينس مسّها عند الفقراء والجياع. البعض يكتب على مكتبه لافتةً تُذكِّرهُ بما يجب فعلُه، أو يُعلِّقها في غرفته.. والبعض يمرُّ على الأحياء الفقيرة التي كان يسكنها، لئلاّ ينس فقر الفقراء.. أو يزور المستشفى أو يعود المرضى حتّى لا ينس نعمة الصحّة، ويعاين معاناة الرّاقدين على أسرّة المرض. 2- إذا ارتفعتَ في الدّرجة.. أنظر كيف تُخفِّض الدرجة، لكيلا تنس. كان الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) يقول: "اللّهمّ كلّما رفعتني في أعيُنِ الناس درجةً.. إلا حطَطْتَني في نفسي مثلَها درجة"! 3- لا يُحسُّ بلذعة الجوع إلاّ الجائع، ولا يعرف ألم الفقر إلاّ مَن جرّبه، ولا يُكابد الحاجة إلا مَن ابتُلي بها.. حتى تشعر بألم ومعاناة وحزن الآخر.. ذق أو تذوّق بعض ما يعانيه ولو بطريقتك الخاصّة.   القصّة الثامنة "علّمتني النّملةُ كيف أكونُ قويّاً" يُحكى أنّ قائداً عسكريّاً انهزم في إحدى المعارك، فقرّر أن يترك جيشه ويلوذ بالفرار بعدما انهارات قواهُ المعنوية كلّها. انتحى جانباً، واختار مكاناً قصيّاً، حتّى لا يكتشف أحدُ جنوده علائم الإنهيار عليه.. جلسَ على صخرةً مطرقاً برأسه إلى الأرض، وإذا به يُشاهد نملةً تحملُ قشرةَ شعير فتنوءُ بحملها، وقد لاحظَ وهو يراقبُ حركاتها أنّها كلّما حملت القشرة على ظهرها أو في فمها سقطت منها، ولكنّها كانت تعاودُ الكرّة فتحمل القشرة ثانية وثالثة ورابعة.. وحتى أحصى لها تسعين محاولةً في رفع القشّة العنيدة، وكأنّها تقول لها: إن كنتِ عنيدةً لأنا أعندُ منكِ، حتى تكلّلت مهمّتها بالنجاح. هنا التفتَ القائدُ العسكري المهزوم إلى نفسه وخاطبها: هل النملة أقوى منِّي إرادةً؟ وأشدُّ منِّي صبراً، وأمضى منِّي هزيمةً؟ هبّ من خلوته وسارع إلى فلول جيشه ليبثّ فيه حماسة المقاومة والصمود، فكان ينكسرُ تارةً وينتصرُ تارة، ولكنّه كان يستحضر معلِّمته النملة التي رفضت الإنهزام، حتى كسب الحرب، كما كسبتها النملةُ المثابرةُ قبله!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- المعلِّمون حولك كُثُر.. فأنتَ! في مدرسة الحياة ترى الكثير من المعلِّمين الذين يُرسلهم الله لتعليمك.. استفِد ما استطعتَ من معلِّميكَ حتى ولو كانوا نملاً أو نحلاً أو نخلاً.. أو أيّ شيء. 2- بالصبر والإرادة والتصميم على البلوغ والنّوال، يتحقق ما كان حلماً في الخيال، أو لا يخطر على بال، أو متعذِّراً صعب المنال. 3- طالما أنّ غيرك استطاع أن يفعلها، فكن على ثقةٍ أنّك تستطيع أيضاً. ويُحكى أن (نابليون بونابرت) كان يكره من الكلمات ثلاثاً: (لا أقدر) (لا أعرف) (مستحيل). فكان جوابه للأولى: (حاوِل)، وللثانية (تعلّم).. وللثالثة (جرِّب).   القصّة التاسعة "رأسُ الذِّئبِ علّمني" وحُكيَ أنّ أسداً اصطحبَ في جولة الصيد ذئباً وثعلباً، فاصطادوا حماراً وضبياً وأرنباً، فقال الأسد للذِّئب: إقسم بيننا صيدنا. فقال: الأمرُ بيِّن: الحمارُ لك، والضّبيُ لي، والأرنب للثّعلب، فخبطهُ الأسد فأطاح رأسه. ثمّ قال للثعلب: قاتلهُ الله ما أجهله بالقسمة، هاتِ أنتَ؟ (أي قسِّم بيننا). فقال الثعلبُ: الحمارُ لغدائِك، والظّبي لعشائِك، والأرنبُ فيما بين ذلك! قال الأسد وقد سرّتهُ القسمة: قاتلكَ الله ما أقضاك!! مَن علّمكَ هذه الأقضية (القسمة)؟ قال الثعلب: رأسُ الذِّئب الطّائحُ عن جثّته!!   - الدروس المستخلَصة: 1- (العِبَر) كثيرة وهي تبحث عن (المُعتبِر).. والدروس في كل شيءٍ غنية، وهي تسأل عن المُتعلِّمين.. خطأُ الآخر درسٌ وهديّةٌ كريمةٌ لي لا أكرِّره. 2- (رأس الذِّئب) يمكن أن يكون رأسي إذا كرّرتُ الخطأ نفسه، ولكي لا تكثر الرّؤوس المتساقطة، يجب أن أعمِل رأسي وفكري فيما يحفظ لي حياتي وسلامتي. 3- قسمةُ الذِّئب عادلة، وقسمةُ الثعلب جائرة، ولكنّه اختارها لأنّ فيها مصلحة أكبر وهي نجاته.. فالعاقل الذي يختار أقلّ أو أخفّ الضررين.   القصّة العاشرة "أنتَ خيرٌ منِّي!!" 1- جرى بين الحسين بن علي (ع) وبين أخيه من غير أمِّه (محمد ابن الحنفيّة) كلام، أي تحادثا حديثاً مُغضِباً، فلمّا رجع (محمّد بن الحنفيّة) إلى بيته، كتب رسالة إلى أخيه الإمام الحسين (ع) يقول له فيها: "أمّا بعد، يا أخي فإنّ أبي وأباكَ عليّ لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأُمّك فاطمة بنت رسول الله، لو كان ملءَ الأرض ذهباً مُلكَ أمِّي ما وفت بأمّك، فإذا قرأت كتابي فصُرْ إليّ حتى تترضّاني، فإنّك أحقُّ بالفضل منِّي!! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". ففعلَ الحسين، وذهبَ إلى أخيه وترضّاه، فلم يجرِ بعد ذلك بينهما شيء!   - الدروس المُستخلَصة: 1- حين ترى أنّ شخصاً ما أفضل منك، لا تتردّد بالإعتراف لهُ بذلك.. هذا يرفعُ من قيمتكَ ولا يُنقصها.. (محمّد بن الحنفيّة) يبدو في القصّة كبيراً بأدبه وخُلقه واعترافه للحسين (ع) بأنّه أفضل منه. 2- كان بإمكان (محمّد) ذو النفس الكبيرة أن يذهب إلى الحسين بنفسه ويترضّاه، لكنّه أثر أن يُسجّل الفضل في ذلك للحسين (ع) لا له شخصياً، اعترافاً منه بفضل الحسين (ع)، وأنّه أجدر بالمبادرة منه وأحقّ بأجرها منه. 3- إختراعُ أسلوب المصالحة والترضية فنُّ لا يعتمد على أسلوبٍ واحد، فكلّ ما من شأنه أن يُليِّن القلبَ والخاطرَ يمكن أن يكون أسلوبي للدّخول إلى قلبِ الآخر، لكنسِ ما علقَ به من آثار الخصومة، وتصفية ما شابه من الكدورة. 4- انظر إلى قول (الرّاوي) أو ناقِل القصّة: "فلم يجر بعدّ ذلك بينهما شيءٌ"!.. أي أنّ هذا الموقف الإيثاري والتقديري محا كل ما يمكن أن يُكدِّر صفو العلاقة الأخويّة التي تسامت على (اللّحظة) لتبني علاقة متينة ممتدّة على طول المستقبل.   2- كان نبيُّ الله (يحيى) على نبيِّنا وعليه أفضلُ الصلاة والسلام، معاصراً لنبي عيسى بن مريم (ع). التقيا ذات يومٍ، فدارَ بينهما الحوارُ المجيدُ التالي: قال عيسى (ع): استغفر لي يا يحيى، أنتَ خيرٌ منِّي!! فقال له يحيى (ع): إستغفِر لي يا عيسى، أنتَ خيرٌ منِّي!! فقال له روحُ الله: "بل أنتَ خيرٌ منِّي، سلّمتُ على نفسي، وسلّم الله عليكَ".   - الدروس المُستخلَصة: كلاهما نبي، والنبوّة أعلى مقام بشريّ، ولا يُفاضِل أحدهما نفسه على الآخر، بقولِ كلّ منهما (أنتَ خيرٌ منِّي)، وإذا كان عيسى (ع) التفتَ إلى قوله تعالى في سلامه حينما نطقَ في المهدِ: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ) (مريم/ 33)، وقوله عزّ وجلّ في يحيى: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) (مريم/ 15)، على الرّغم من أنّ القائل في الحالين هو الله تعالى، لكنّه أدبُ الأنبياء وتواضعهُم، فهل نختزنهُ لنستحضرهُ في مواقف المفاضلة وتربية الذّات؟!

ارسال التعليق

Top