• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج(5)

أسرة

قصص تربوية لترويض النفس وبناء الذات/ ج(5)
القصّة الخامسة عشرة "إن أخذتَ منِّي فقد أبقيتَ لي!!" أُصيب (عمرو بن العلاء) برجله، فاذطرّ الأطبّاء إلى قطعها، وقالوا له: إن أردتَ الشّفاء فلابدّ من البتر. فقال: القولُ ما قالت الأطبّاء! وقبل إجراء العملية الجراحية، عرضوا عليه مُرقِّداً (أي مُخدِّراً) لكي لا يحسّ بألم القطع أو البتر. فقال: ما أحبّ أن أغفلَ عن ذكر الله أبداً!! فنزل الأطبّاءُ عند رغبته، فبتروها بدون تخدير. وحينما نظر (عمرو) إلى رجله المقطوعة، قال وعينهُ نحوَ السّماء: "اللّهمّ إن كنتَ أخذتَ منِّي عضواً، فقد بَقِيَ لي أعضاء"!! وما كاد ينتهي من مقالته حتى جاءه مَن يُخبرهُ أنّ ولدهُ سقطَ من أعلى الدارِ فمات! فرفع بصره ثانيةً جهة السماء، وقال: "اللّهمّ إن كنتَ أخذتَ لي إبناً، فقد بَقِيَ لي أبناء، فلك الحمدُ على السراء والضّرّاء"!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- الذي يذوق ويتذوّق حلاوةَ ذكر الله، يجدُ أنّ الحالات كلّها لا تُساوي شيئاً قبالها، لأنّها حلاوةٌ يتذوّقها لسانُ القلب، وتنتدّى بها أزاهيرُ المشاعر، فلا الحلاوةُ تنتهي.. ولا الندى يجفّ. النظرة إلى (الباقي الموجود) دون (الضائع المفقود) نظرةٌ تفاؤليّةٌ.. يُعبِّر عنها البعض بالنظر إلى النصف الملآنِ من الكأس لا النِّصف الفارغ.. إنّها نظرةٌ إيمانيّة تربويّةً، فالمُعطي هو نفسه الآخِذ، فلماذا الإعتراضُ أو الإحتجاج، وكان بالإمكان أخذُ الكلِّ مرّةً واحدة. 3- المصيبةُ بالنسبة للصابر واحدةٌ، وبالنسبة للجازعُ إثنتان، فالمُصابُ يتحمّل ألم مصيبته أو إصابته فقط، أمّا الجازع فيُعاني الأمرّين: مرارة المصاب والمصيبة، ومرارة الجزع، فاختر ما شئت.   القصة السادسة عشرة "لنبدأ من جديدٍ وبلا أخطاء!!" إحترقت معامل (أديسون مخترع المصباح الكهربائي، كلّها دفعةً واحدةً في شهر كانون الأوّل سنة 1914، وليس مهمّاً إن كان الحريق بسببٍ داخلي أو خارجي، المهم أنّها تحوّلت إلى رماد! وقد روى (تشالز) بن أديسون نفسه قصّة تلك اللّيلة الرهيبة العصيبة. قال: وقفتُ أمام ألسنة الدخان المتصاعدة، أبحث عن أبي وسطَ الناس المجتمعين ينظرون بأسىً لما حلّ بمشاريع وإنجازات أبي. إقتربتُ منه، ووقفنا كلانا نتأمّل النِّيرانَ وهي تلتهمُ ثمرةَ كدِّه وكفاحه، والأسى يُمزِّقُ قلبينا. في صباح اليوم التالي، جئنا أنا وأبي وأمِّي، ورحلنا نسير وسط آمال أبي المحترقة.. والدي الذي كان قد جاوز وقتها السابع والسِّتِّين، توقّف فجأةً عن السير، وقال: نعم، إنّها لكارثة، ولكنّها لا تخلو من نفع، لقد التهم الحريقُ جهودي كلّها، ولكنّه خلّصني من أخطائي برمّتها. شكراً لله.. فنحنُ نستطيع الآن أن نبدأ من جديدٍ وبلا أخطاء!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- مواجهة الكارثة بالصبر والتّماسك ليس مجرد علاج نفسي لما حلّ من خسائر، هو علاجٌ موضوعيٌّ لما لا يمكن علاجه، إذ ما جدوى البكاء على الحليب المُراد أو المُنسكِب على الأرض.. دموعُنا لا تسترجعه. 2- إحتراقُ المعامل لا يعني احتراق الفكر أو العقل الذي أنشأها، فما كان بالإمكان صُنعه مرّةً، بالإمكان صنعهُ مرّة أخرى، طالما أنّ العقل المُدبِّرُ موجودٌ. 3- (أن نبدأ من جديد وبدون أخطاء)، ردٌّ عمليّ على الكارثة أو النّكبة، فالذي يؤسِّس لمعامل جديدة، سبقَ أن أقامَ مثلها، سيستفيد حتماً من أخطاء وتجربة الأمس ليتفاداها في تجربة اليوم، وهذا أفضل ألف مرّة من القول: لا جدوى، لقد ضاعَ كلّ شيء. وقديماً قيل: "رُبَّ ضارّة نافعة". وهذا ما عبّر عنه (أديسون) نفسه بالقول: "إنّها لكارثة ولكنّها لا تخلو من نفع". ولذلك شكرَ الله عليها. 4- لقد فتّش (أديسون) بين الرّماد الذي خلّفهُ حريقُ المعامل، ليجد بقيّةً من شيء ينتفع به، فوجد بارقة الأمل ونفحة الطموح، وإمكانيّة الأفضل، فهل نجد في رمادنا شيئاً نافعاً؟!

ارسال التعليق

Top