لقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً في العلاقات بين البشر، يقوم على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع وبث روح التعاون والخدمة المتبادلة بينهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90)، فالتقيُّد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان عن التقصير في حقوق الناس، ويدفعه للعمل الدؤوب في خدمتهم، وأداء مسؤوليته تجاههم، وقد حثّ النبيّ محمّد (ص) كلّ مسلم ليكون مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، من خلال الاهتمام بأُمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال (ص): «مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم»، ودعا الإمام الصادق (ع) إلى الالتصاق بجماعة المسلمين، فقال: «مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
من جملة ما يؤكد الإسلام عليه في معرض التكافل الاجتماعي، هو ضرورة قضاء حوائج المؤمنين بعضهم لبعض. رُوِي عن ذي الخُلق العظيم محمّد (ص) قوله: «مَن قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهره». وعن الإمام الصادق (ع): «إنّ الله تعالى خلق خلقاً من خلقه، انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا، ليثيبهم على ذلك الجنّة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن». فكم يكون سامياً ذلك المجتمع الذي يسعى، بل يهرع كلّ واحد لقضاء حوائج إخوانه بهذه الروحية العالية والنيّة الخالصة، ثمّ إنّ النبيّ (ص) يقول: «والله، لقضاء حاجة المؤمن خير من صيام شهر واعتكافه».
ينبغي التعاون بين المؤمنين لتأسيس ثقافة تربوية تُمكِّن المؤمن من الاستعانة بأخيه المؤمن، إذ لا مانع من أن يطلب المؤمن العون والحاجة من أخيه، لقول الإمام الصادق (ع): «إذا ضاق أحدكم فليُعلِمْ أخاه، ولا يعين على نفسه».
ويؤكد القرآن الحكيم على أنّ ما نعمله من خير وخدمة للناس، سنجده عند الله، يقول تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 110). فإنّ كلّ عمل نعمله في طريق الخير فهو لنا، حتى لو كان في مظهره من أجل الآخرين، لأنّنا حينما نعمل للآخرين، فإنّ هذا العمل سيتضاعف وتعود إلينا نتائجه من حيث نشعر أو لا نشعر، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) (آل عمران/ 30)، ويقول سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8). ويقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (الجاثية/ 15)، أي: مَن عمل بطاعة الله في هذه الدنيا، فائتمر لأمره، وانتهى عما نهاه عنه، فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل؛ إذاً، فإنّ أعمال الخير وأعمال الشر تبقى ولا تزول، وهي محور جزاء الإنسان في الدنيا والآخرة.
ومن أجل أن يدفعك الإسلام إلى أن تجتهد في سبيل عمل الخير، ولا تدع عمل خير إلّا وتقوم به، ولا تبقي من عمرك لحظة إلّا وتُعمِّرها بعمل الخير، فإنّ القرآن يُبيِّن أنّه في يوم القيامة سيُنصب ميزان توضع في كفّة منه أعمال الإنسان الخيِّرة وفي الكفة الأخرى أعماله الشريرة، وآنذاك يشعر الإنسان بقيمة حبّة الخردل من عمله، هذه الأعمال الصغيرة التي قد نستهين بها اليوم، إلّا أنّنا نشعر بقيمتها غداً، ففي ذلك اليوم إذا رجحت كفة الحسنات على كفة السيِّئات، يحقّ لك أن تفتخر..
أمّا اليوم وقبل أن تعرف مصيرك، فلا تستطيع أن تقول شيئاً، يقول تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ* فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه* نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة/ 8-11).
إنّ العمل الصالح واسع الدائرة، ولقد عدَّ الإسلام أعمالاً كثيرة صالحة وقربة إلى الله تعالى، فجعل كلّ عمل يمسح به الإنسان دمعة محزون، أو يخفف به كربة مكروب، أو يشد به أزر مظلوم، أو يقيل به عثرة مغلوب، أو يقضي به دين غارم مُثقَل، أو يهدي حائراً أو يعلم جاهلاً، أو يدفع شراً عن مخلوق، أو أذى عن طريق، أو يسوق نفعاً إلى كلّ ذي كبد رطبة.. جعل كلّ ذلك عملاً صالحاً ما دامت النية فيه خالصة لوجه الله الكريم.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق