• ١٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قواعد في فن التعامل مع المراهق

عبدالله أحمد اليوسف

قواعد في فن التعامل مع المراهق

◄من المهم للغاية أن نعرف القواعد الرئيسة في التعامل السليم مع الشخص المراهق، ويمكن تحديد أهم القواعد التي يجب اتباعها في التعامل مع المراهق في التالي:

 

1-  زرع بذور الإيمان والتدين:

إنّ فترة ما قبل المراهقة، في حياة الفتاة أو الفتى، هي فترة الانجذاب إلى الدين والعبادة والتفاعل النفسي مع طقوسه. وقد يطلب في خضم حماسه المعنوي إلى والديه أن يساعداه من أجل بلوغ مراتب الكمال الديني.

ومن وجهة النظر العلمية، فإنّ الإثارات المتأتية من التفاعل مع الوسط البيئي، تولد في الشخص نوعاً من الحماس والشعور المعنوي... فيتجه إلى الزهد والتقوى، أو يميل في بعض الأحيان إلى التشكيك بالعقائد والتعاليم الدينية أو رفضها. وبطبيعة الحال يمكن للمربي الواعي أن يزيل مثل هذه الشكوك ويبدلها باليقين من خلال الإرشاد والتسديد.

فمع ما نجده في الشخص في هذه السن من ميل ورغبة شديدة في الدين، إلا أنّه لا يطيق الأعمال والطقوس الدينية. فعندما يصلي، مثلاً، يسرع في صلاته وكأن هناك من يلاحقه، أو خطراً يهدد حياته، وفي الوقت ذاته يتجه إلى العبادة بشكل جاد في بعض الحالات، خصوصاً عندما يلاقي تشجيعاً وإشادة من الآخرين في هذا المجال.

وفي سن المراهقة وهي سن الشك والتردد والاستفهام حول كلّ شيء، حتى حول القضايا العقائدية والدينية. فالفتاة تشك في هذه السن فيما إذا كانت المعلومات، التي تلقتها من أولياء الأمور أو من الآخرين، حول المسائل العقائدية صحيحة أم لا؟ كما وتراودها استفهامات عديدة حول مسائل من قبيل الجبر والتفويض، والعقاب والثواب، وسؤال القبر، والحشر والحساب و... إلخ. ويجب على أولياء الأمور والمربين المبادرة إلى توضيح مثل هذه المسائل وإزالة الإبهام والغش في ذهن الفتاة بشأنها.

ليس ضرورياً في توعية أعضاء هذه الفئة دينياً، شرح جميع القضايا العقائدية لهم على أساس البرهان والدليل المنطقي المعمق، بل المطلوب هو الإجابة على الأسئلة والاستفهامات، التي تدور في أذهانهم، بأسلوب إقناعي معقول بحيث لا يبقى لديهم مجال للإبهام والغموض في هذا المجال. ومن المفيد في إغناء المراهقين عقائدياً مبادرة أولياء الأمور والمربين إلى طرح الأسئلة، التي يفترض أنها تراود أذهانهم، في أوساطهم والإجابة عليها، أو العمل على توعيتهم وإرشادهم من خلال عقد جلسات أسبوعية داخل الأسرة.

وبالإضافة إلى عملية التثقيف والإقناع الديني، يحتاج المراهقون إلى التشجيع للذهاب إلى أماكن العبادة كالمساجد لأداء صلاة الجماعة، وتلاوة القرآن الشريف، وذكر الله تعالى دائماً، والارتباط بالله تعالى، مما يزرع في نفوس المراهقين الخوف من الله تعالى، والأمل في الفوز برضاه ورحمته وعفوه – تبارك وتعالى – وكلّ ذلك يزرع في شخصيات المراهقين وكيانهم الإيمان والتقوى والورع عن محارم الله، مما يقوي التدين لديهم، ويعمق الارتباط بتعاليم الدين وأحكامه، وعندما يكون المراهق متديناً فإنّه يسهل التعامل معه والتأثير عليه، كما يكون لديه الوازع الديني الذي يمنعه عن ارتكاب المحرمات والموبقات والمعاصي، وطاعة الوالدين، واحترام القيم والمثل الروحية والمعنوية.

 

2-  التوازن في التربية:

ونقصد بذلك التربية على قاعدة (حزم بلين)، إذ أنّ التربية المتوازنة يجب أن تقوم على الموازنة بين الحزم في المواقف التي تتطلب الحزم، واللين عندما يقتضي الأمر ذلك؛ بَيْدَ أن استخدام القسوة الشديدة في التعامل مع المراهقين كما الليونة المفرطة لها أضرارها الجسيمة في بناء شخصيات المراهقين، وتنمية ذواتهم.

فالتعامل دائماً بقسوة وشدة وغلظة مع المراهقين يؤدي إلى إصابتهم بالعقد النفسية، والأمراض المختلفة، كما أنّه يسبب في تدهور العلاقة بين الآباء والأولاد.

أمّا التعامل بليونة مفرطة، فقد يؤدي بالمراهقين إلى ارتكاب كلّ الموبقات والمعاصي، والتحلل من أي شعور بالمسؤولية الدينية أو الاجتماعية، والتصرف بدون أي أخلاق، إذ (من أمن العقاب أساء الأدب).

والمطلوب هو التعامل مع المراهقين باعتدال، فإذا ما أحسن المراهق فمن المهم تشجيعه والثناء عليه حتى تنمو عنده الأعمال الصالحة، أما إذا ما أساء فالمطلوب التدرج في استخدام العقاب، واتباع الأقل درجة في العقاب في البداية ثمّ الأشد منه... وهكذا حتى يشعر المراهق بأنّه غير متروك كي يتصرف كما يشاء.

ومن الضروري للغاية أن يبدأ الأب بتربية أولاده منذ الصغر، لأن ذلك يساعد كثيراً على حسن السلوك في فترة المراهقة ومرحلة الشباب، ولذلك يقول الإمام عليّ (ع): "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية من ألقي فيها من شيء إلا قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك" وقال الإمام عليّ (ع) أيضاً: "خير ما ورَّثَ الآباء الأبناء الأدب" وقال (ع): "إنّ الناس إلى صالح الأدب أحوج منهم إلى الفضة والذهب" وقال لقمان لابنه: "يا بنيَّ! إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيراً".

والمشكلة أن بعض الآباء لا يهتمون بتربية أولادهم في الصغر، وعندما يصلون لمرحلة يجدون صعوبة بالغة في القدرة على التعامل معهم، أو التأثير فيهم، أو تغيير بعض سلوكياتهم وتصرفاتهم الخاطئة، ولذا من المهم للغاية أن يدرك الآباء أنّ التربية يجب أن تبدأ منذ نعومة أظافر الأولاد، حيث تكوين شخصية الإنسان تبدأ من مرحلة الطفولة، وعندما يتقن الوالدان التربية المتوازنة لأولادهم من مرحلة الطفولة فلن يجدا صعوبة في التعامل معهم في فترة المراهقة.

 

3-  الاهتمام الشامل:

ونقصد به أن يهتم الآباء بكل الحاجات التي تهم المراهقين، كالحاجات النفسية، والحاجات العقلية، والحاجات المادية، والحاجات المعنوية... وجميع ما يحتاجه المراهقون من حاجات وأشياء.

ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الآباء هو الاهتمام بتوفير الحاجات المادية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن... إلى غير ذلك من المتطلبات المادية، وإهمال الجوانب والمتطلبات والمستلزمات الأخرى، وهو ما يؤدي إلى مشاكل متعددة في مسيرة المراهقين، وفي العلاقة بينهم وبين آبائهم.

من هنا نؤكد على ضرورة الاهتمام الشامل بكل ما يحتاجه المراهقون من مستلزمات وحاجات مختلفة، وعدم الاقتصار على تلبية المتطلبات المادية، لأنّها قاصرة لوحدها عن تلبية الحاجات الأساسية التي يحتاجها الإنسان في حياته.

فبالإضافة لضرورة توفير الحاجات المادية، يجب الاهتمام بتوفير الحاجات العاطفية من إضفاء أجواء المحبة والمودة والعطف والحنان للمراهقين من قبل آبائهم، إذ كثيراً ما نجد أنّ بعض المشاكل ناتجة من نقص في الزاد العاطفي الذي يحتاجه الأبناء من قبل الأسرة؛ مما يؤدي بالمراهقين للبحث عن هذه الحاجة الضرورية في مكان آخر، وبطرق غير مشروعة في كثير من الأحيان!

وفي الجانب العقلي على الآباء توفير المناخ المناسب للاهتمام بالمطالعة والقراءة، وإهداء الأبناء كتاباً كلّ شهر – مثلاً – لتعويدهم على القراءة المفيدة، لأنّ العلم هو غذاء العقل، وتشجيع الأبناء على زيارة العلماء، وارتياد المكتبات، ومتابعة الحركة الثقافية المتجددة.

وهكذا، يجب الاهتمام بكل ما يحتاجه المراهقون من مستلزمات مختلفة، لأنّ هذا يشكل قاعدة هامة في التعامل السليم مع المراهقين.

 

4-  الأسرة... القدوة:

للوالدين دور مهم ورئيس في شخصية المراهق، فكلما كان الوالدان بمثابة (القدوة الحسنة) للأولاد فإن ذلك يؤثر إيجابياً في مسيرة وحياة المراهقين، أما إذا كان الوالدان يقدمان لأولادهم المراهقين (القدوة السيئة) فالنتائج ستكون وخيمة وسلبية للغاية في تكوين الكيان الشخصي لهم.

وعندما يكون الأب ملتزماً بتعاليم الدين وقيمه، وكذلك الأُم فسيترك ذلك أثراً قوياً في تدين الولد المراهق، أو على الأقل عدم انحرافه. أما إذا كان الوالدان غير ملتزمين بأيّة قيم دينية أو أخلاقية فلا يمكن للمراهق – غالباً – إلا أن يكون صورة طبق الأصل لوالديه.

ثمة شيء آخر يجب أن نلفت إليه الأنظار وهو أنّ الخلافات الزوجية، ومعرفة الأولاد بذلك، يؤدي في كثير من الأحيان إلى تحطم الأولاد، وبروز العقد النفسية لديهم. ويمكننا أن نشير إلى أهم المشاكل التي تحدث بين الأبوين وتؤثر سلباً على الأولاد:

1-  موت أحد الأبوين والافتقار إلى الولي المخلص والمناسب.

2-  انفصال الأبوين عن بعضهما بسبب الطلاق.

3-  حدوث الشجار والصراخ والمهاترات المستمرة والدائمة بين الأبوين، وربما تطور ذلك إلى استخدام أساليب القوة والضرب والعنف!

4-  انحراف الأبوين أو أحدهما باستخدام المخدرات أو المسكرات أو ارتكاب الفواحش والموبقات، ويشتد خطر ذلك بالتظاهر أمام الأولاد بفعل ذلك!

5-  هروب أحد الأبوين من المنزل، وعدم معرفة مصيره، أو معرفة ذلك وغيابه الكلي عن الأسرة.

6-  إصابة أحد الوالدين بأمراض نفسية أو جسمية، وفقدان القدرة على القيام بمسؤولياته تجاه أسرته.

هذه المشاكل وغيرها التي تحدث في بعض الأسر في مجتمعنا تولد لدى الأولاد المراهقين المزيد من الإحباط والقلق والاضطراب، والخوف من المستقبل، والنظرة للحياة بتشاؤم وسلبية شديدة، والشعور بعقدة الحقارة والدونية... مما يؤدي إلى تصرف المراهقين بشكل خاطئ، والقيام بسلوكيات عدوانية تجاه الأسرة والمجتمع.

في المقابل عندما تستطيع الأسرة أن تقدم لأولادها القدوة الصالحة من الالتزام بتعاليم الدين، والحفاظ على شعائره، والتحلي بأخلاقيات الإسلام وآدابه، ونقاء العلاقات الزوجية وصفوها من أي مكدرات أو سلبيات؛ عندها تكون الأسرة كالشمس التي تبعث أشعتها الدافئة في كلّ الاتجاهات، فتغمر الأولاد بالحب والعطف والحنان، وتؤثر فيهم بطريقة إيجابية وجميلة، وهو ما يولد في شخصيات المراهقين الشعور بالفخر والاعتزاز بأسرتهم، والسير على نهجهم، والاقتداء بأخلاقهم، والالتزام بطاعة الوالدين ومحبتهم.

 

5-  احترام المراهق:

من القواعد الهامة جدّاً في التعامل مع المراهق هو احترام شخصيته، وإشعاره بأنّه قد أصبح إنساناً له كامل الحق في التعبير عن ذاته، وفي تلبية مطالبه المشروعة، بل واستشارته في بعض الأمور التي تخصه مباشرة. ومثل هذا التعامل الإنساني يخلق لديه الثقة بالنفس، ويدفعه لتفجير مواهبه وطاقاته الكامنة، ويشجعه نحو التعبير عن آرائه بدون خوف أو وجل.

أمّا التعامل مع المراهق على أنّه إنسان طائش، ولا يفهم أي شيء، ويتصرف كالمجنون، ويُنظَر إليه باستخفاف ودونية واحتقار، فذلك يؤدي به إلى الشعور بالحقارة والضعة، ويفقده الثقة بنفسه، ويولد لديه الكثير من العقد النفسية، ويدمر المواهب والطاقات الكامنة في شخصيته، ويهز الثقة بوالديه وبمن حوله.

ويمكن الإشارة إلى بعض الأقوال أو الأفعال التي تكرس لدى المراهق الشعور بالإهانة وعدم الاحترام:

1-  مناداة المراهق بألقاب غير مقبولة، وغير محترمة ولا لائقة، من قبيل: يا مراهق، يا طائش، يا غبي، يا ما تفهم، يا أحمق، يا صغير... إلى غير ذلك من الألفاظ والألقاب التي يُنَادى بها المراهق.

2-  توجيه أقسى العبارات، وأغلظ الأقوال للمراهق أمام زملائه، أو أي تجمع آخر.

3-  الاستهانة بقدرات وطاقات المراهق، وعدم إعطائه أي فرصة لإثبات كفاءته وقدراته.

4-  عدم الاستماع أو الإنصات من قبل الوالدين لأسئلة المراهق، والاستخفاف بها، والسخرية منها.

5-  عدم استشارة الولد المراهق في القضايا التي تخصه، وترتبط بحياته، وفرض الأمور بالقوة والضغط عليه.

6-  التقليل من أي إنجاز أو عمل يقوم به المراهق، والاستهانة بقدراته ومواهبه.

7-  توجيه الذم والتوبيخ للمراهق أمام الآخرين، ورفع الصوت ضده، وإحراجه بدون أي تحفظ.

هذه بعض التصرفات الكلامية أو الفعلية التي يمارسها بعض الآباء والأُمّهات ضد أولادهم المراهقين، مما تعكس الاستهانة بشخصياتهم، والتقليل من مكانتهم، والاستخفاف بمواهبهم، وهذا النوع من التعامل مع المراهق يؤدي إلى الانزواء عن الأهل والعائلة، وإعاقة نمو القدرات والمواهب لديه، والإصابة بالأمراض النفسية، وربما الدخول إلى مستشفى المجانين!!

أما إذا احترمت شخصية المراهق، فإنّ ذلك يؤدي إلى شعوره بأهميته وموقعه ومكانته في الأسرة والمجتمع، وهذا يدفعه نحو المزيد من العطاء والإبداع والابتكار، ويحفزه على تفجير قدراته ومواهبه، وينمي لديه الثقة بنفسه.

ويمكن أن نضرب بعض الأمثلة التي تدل على احترام شخصية المراهق من قبيل:

1-  مناداة المراهق بأحلى الألقاب وأجملها إلى نفسه وقلبه.

2-  التشاور مع المراهق في القضايا التي تخصه، وترتبط بمسيرة حياته.

3-  إعطاء المراهق بعض الحرية في التصرف في شؤونه، ورسم مستقبل حياته، مع التوجيه والإرشاد والنصح العائلي له.

4-  إيكال بعض الواجبات والمهام إليه للقيام بها للتعبير عن الإيمان بقدراته وإمكاناته ومواهبه.

5-  إكرام المراهق أمام الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء.

6-  تقديم بعض الهدايا الثمينة أو القيّمة إليه إذا قام بأية إنجازات مهمة سواء في دراسته أو عمله أو حياته.

7-  إسباغ الثناء والتشجيع عليه إذا ما حقق أي تفوق سواء في الدراسة أو العمل أو مسيرته في الحياة.

8-  توظيف قدرات وطاقات المراهق في الإبداع والابتكار والاكتشاف، واستثمار كلّ موهبة عنده بما يخدم مصلحته ومصلحة مجتمعه.

وبهذه الأمور وغيرها نستطيع أن نثبت للمراهق أنّه في محل الإكرام والاحترام والتقدير، وهذا يساعد على سرعة نمو القدرات العقلية والنفسية والجسمية لديه، ويولد لديه الفاعلية الإيجابية في حياته، وينمي عنده حسن القيادة والريادة في شخصيته.

 

6-  التثقيف الجنسي:

من أهم المتغيرات في شخصية المراهق استيقاظ الغريزة الجنسية، والشعور بالحاجة لإشباعها، والرغبة في التعرف على مسائلها وما يرتبط بها، ولذلك تبدو الحاجة ماسة في مرحلة المراهقة لتثقيف المراهقين بمسائل الجنس، ونظرة الإسلام لذلك، كي يعرف المراهقون التصرف بصورة صحيحة، بعيداً عن ارتكاب الحرام.

"وقد اهتم الإسلام بالطاقة الجنسية في الإنسان ضمن اهتمامه بالطاقة الحيوية للبشر، ولتعلق الطاقة الجنسية بجسد الإنسان ونفسيته وسلوكه فإن معالجة الأمور الجنسية اتصلت بالإنسان كله: نفسه، وسلوكه، وأخلاقه، وطاقاته الجسدية. بالإضافة إلى أنّ الإسلام عالج مسائل الجنس بصراحة ووضوح في أدب سام رفيع يجعل الجنس نشاطاً إنسانياً سامياً إذا وجه للحلال، وعملاً حيوانياً ساقطاً إذا وجه في الحرام؛ ولذلك جعل الإسلام الزواج هو المكان المشروع، والنظام المعروف لتبديد الطاقات الجنسية في الإنسان، والارتفاع بالمجتمع الإنساني بوقايته من الانسياق وراء شهواته بلا وازع، ولا تنظيم، ولا حرمة، ولا قداسة.

إنّ الإسلام يحرم تلبية الحاجات الفطرية للبشر عن طريق المخالطة الجنسية، والفوضى في العلاقات، والتعدي على الأعراض التي لا تستحل إلا بالنكاح الصحيح.

إنّ الإسلام يهدف في تربيته الجنسية إلى الارتقاء بالإنسان، والارتفاع به من مستوى بعض الحيوانات؛ لأن كثيراً من الحيوانات تعيش حياة جنسية منظمة، وتنفر من الفوضى الجنسية، بل ويغار الذكر منها دائماً على الأنثى؛ فإذا كان الجنس مكشوفاً في حياة الأُمّة، هابطاً عارياً كما في بعض الحيوان، مباحاً مبذولاً بلا رابط ولا قيد كان هادماً للحياة، مدمراً للمجتمع، منافياً للفطرة التي تنفر من الفوضى الجنسية، ولذلك حرّم الإسلام الزنا، وشدد عقوبة المقترف له، لما لانتشاره من آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية سيئة على المجتمع".

وكي نحافظ على المراهقين من الانحرافات الجنسية والسلوكية والأخلاقية من المفيد أن نثقف أولادنا بالثقافة الجنسية وفقاً للرؤية الإسلامية، وأن نجيب على كل الأسئلة التي يطرحونها في هذا المجال، بل وأن نعلمهم مخاطر الانسياق وراء الشهوات والغرائز الجنسية بما يؤدي بهم إلى الإصابة بالأمراض المختلفة عبر العلاقات غير المشروعة، أو الوقوع في مستنقع الرذائل والفواحش، وقبل كلّ ذلك أن نوضح لهم العقاب الشديد لمن يرتكب الجرائم الجنسية.

وتبدو الحاجة للتثقيف الجنسي مهمة جدّاً لأنّه في فترة المراهقة يكون المراهق في حالة هيجان جنسي، وتكون لديه الكثير من الأسئلة حول الغريزة الجنسية، وكيفية إشباعها، وهذا يولد لديه الكثير من الأفكار والتخيلات والتصورات التي ربما تدفعه لارتكاب الفواحش بحثاً عن إشباع الغريزة الجنسية!

لذلك، على الآباء أن يتحملوا المسؤولية في هذه المرحلة الحرجة والصعبة، وأن يبذلوا  كّل الجهود من أجل حماية أولادهم من الانزلاق في أودية الانحراف والتحلل الأخلاقي، إذ يسهل على الأشرار في مرحلة المراهقة استقطاب المراهقين نحو الرذيلة والفحشاء، إذ أن كثيراً من المراهقين يسقطون في مستنقع الفساد والانحراف في هذه الفترة الزمنية من حياتهم.

ولحماية المراهقين من الوقوع في شباك الانحراف على الآباء والأُمّهات أن يثقفوا أولادهم بالثقافة الجنسية في الإسلام، وأن يوضحوا لهم مسائل الجنس المختلفة، وأن يبينوا الأفعال الجنسية المحرمة من قبيل: الزنا واللواط والعادة السرية والعلاقات العاطفية خارج نطاق الزواج الشرعي... وغير ذلك من الممارسات المحرمة.

كما من المهم توضيح المسائل الشرعية التي ترتبط بالجنس، من قبيل: الغسل للاحتلام، وغسل المرأة عند رؤية الدماء الثلاثة (الحيض، الاستحاضة، النفاس)... وغير ذلك من المسائل في هذا المجال.

ولعدم تثقيف الأولاد بالثقافة الجنسية وفقاً للرؤية الإسلامية مخاطر وسلبيات عديدة، فقد يؤدي ذلك بالمراهق إلى محاولة التعرف على ذلك من خلال مشاهدة الأفلام الخليعة، أو ارتكاب الجرائم الجنسية، أو الدخول في نادي المنحرفين جنسياً، من هنا، فإن من المهم التعامل بصورة صحيحة وعلمية وواقعية مع هذا الأمر الهام في حياة كل مراهق.

 

7-  المراقبة من بُعد:

ونقصد بذلك أن يراقب الوالدان أولادهم من دون أن يشعروا بذلك، فالمراهق كما المراهقة بحاجة للمراقبة والمتابعة، ومعرفة تفاصيل حياتهم كي يضمن الوالدان أن أولادهم يسيرون في طريق الخير والصلاح، وفي حالة ملاحظة أي تصرفات أو سلوكيات خاطئة ينبهون عليها.

فالأولاد في مرحلة المراهقة على مفترق طرق، فإما أن يسيروا على نهج الحق والصلاح والرشاد، أو يتجهوا نحو طريق الفساد والانحراف.

لذلك على الوالدين معرفة بعض الأمور الهامة التي تتعلق بالأولاد... وإليكم بعض الأمثلة:

1-  التعرف على أداء الأولاد للشعائر الدينية كالصلاة والصيام، واهتمامهم بتلاوة القرآن الشريف، والتحلي بأخلاقيات الإسلام وآدابه.

2-  معرفة أصدقاء الأولاد، وهل هم صالحون أم لا؟ إذ أن للصديق تأثيراً كبيراً على صديقه، فإذا كان الصديق ملتزماً فسيكون قرينه كذلك، أما إذا كان صديق الولد المراهق منحرفاً فيجب إقناع الولد بضرورة تغيير صديقه أو أصدقائه.

3-  محاولة معرفة القنوات الفضائية التي يشاهدها الأولاد، وهل هي قنوات مفيدة أم لا؟! إذ يلعب الإعلام في عصرنا دوراً مهماً للغاية في سلوك الإنسان، وخصوصاً في مرحلة المراهقة.

4-  التعرف على كيفية قضاء الأولاد لأوقات الفراغ، هل يستثمروا أوقات فراغهم في أشياء محللة أم محرمة؟ إذ أنّ الفراغ يمكن استثماره بصورة إيجابية إذا ما استثمره الإنسان في الاستمتاع باللذات المحللة أو الأمور النافعة، ويمكن توظيفه في أمور محرمة كمشاهدة الأفلام الهابطة، أو الذهاب لأماكن يُفعَل فيها الحرام.

5-  التفتيش بين فترة وأخرى على أغراض المراهق وكذلك المراهقة من قبل الوالدين، مع ملاحظة عدم شعور الأولاد بذلك، للتأكد من عدم وجود أيّة أشياء محرمة، أو مخلة بالآداب العامة، أو مسيئة لقيم المجتمع، أو تدل على وجود انحرافات لديهم.

إلى غير ذلك من الأمور التي ترتبط بحياة المراهقين، كي يكون الوالدان على معرفة تامة بمسيرة أولادهم، والتأكد من عدم انحرافهم، أو سلوكهم لطريق خاطئ، وهذه المراقبة يجب أن لا يشعر بها الأولاد، وإنما تكون من بُعد، مع عدم إشعارهم بذلك، حتى لا يأخذوا احتياطات تُوحي بأنهم يسيرون في اتجاه سليم بينما في الواقع يسيرون عكس ذلك.►

 

المصدر: كتاب كيف تتعامل مع أولادك المراهقين؟

ارسال التعليق

Top