• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كمالات شخصية الإمام عليّ (عليه السلام)

عمار كاظم

كمالات شخصية الإمام عليّ (عليه السلام)

مَن يتحدث عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عليه أن يدرك أنّه يتحدّث عن شخصية عربية إسلامية فذة قل نظيرها بين شخصيات العالم، نسباً وأخلاقاً وقوّةً وعدلاً. فهو ليس إمام العرب، بل هو إمام المتقين،  الذين ما جاء إلّا لعدالة الحياة، واستقامة المُثل، وترسيخ الأخلاق، وتعليم الناس منهج مدرسة الحقّ والعدل والمساواة. اجتمع للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من صفات الكمال، ومحمود الشمائل والخلال، وسناء الحسب، وعظيم الشرف، مع الفطرة النقية، والنفس المرضية، ما لم يتهيأ لغيره من أفذاذ الرجال. إنّه أمير المؤمنين، وسيِّد الوصيين، وأوّل خلفاء الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) المهديين، بأمر من الله تعالى، ونصّ من رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

عاصر الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حركة الوحي الرسالي، منذ بدايتها حتى انقطاع الوحي برحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت له مواقفه المشرّفة، والتي يغبط عليها، في دفاعه عن الرسول والرسالة طوال ثلاثة وعشرين عاماً من الجهاد المتواصل، والدفاع المستمر عن حريم الإسلام الحنيف. وقد انعكست مواقفه وإنجازاته وفضائله في آيات الذِّكر الحكيم، ونصوص الحديث النبويّ الشريف.

اتّسمت شخصية الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بسمة بارزة، هي ملتقى صفاته جميعاً، ومحور كلّ كمالاته، ألا وهي الانقياد للحقّ حيث كان وأنّى كان.. وتَمَثّل انقياده للحقّ في الحقبة الأولى من حياته بالطاعة المطلقة لأوامر الله ورسوله، والتضحية الدائمة، والتفاني المستمر في أهداف الرسالة وقيادتها المعصومة، والتأسّي التام بالنبيّ الرائد، والتبنّي الكامل لجميع مشاريع هذه القيادة الرشيدة.. ولهذا استحقّ أن يكون خليفةً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونائباً وفيّاً، وأميناً مخلصاً، في تحقيق أهداف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقاصد الرسالة، إذ تمثّلت كمالات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في شخص عليّ (عليه السلام) خير تمثيل.

كان الإمام عليّ (عليه السلام) – مع قوّته البالغة وشجاعته النادرة – يتورّع عن الظلم والبغي مهما كانت الظروف؛ فقد أجمع المؤرخون على أنّ علياً (عليه السلام) كان يأنف القتال إلّا إذا حُمِلَ عليه حملاً، لذا كان يسعى إلى تسوية الأُمور مع خصومه ومَن يبادره بالعداوة بالطُرَف السليمة التي تحقن الدم، وتحول دون النِزال. وكان يُردِّد على أسماع ابنه الحسن (عليه السلام): «لا تدعوَنّ إلى مبارزة». ولمّا كان قول الإمام لا يخرج إلّا عن معدن صاف، فقد طالما عمل بوصيّته هذه، وعفّ عن القتال إلّا مكرَهاً. فمن ذلك: لمّا أخذ جنوده الخوارج يعدّون العدّة ليحاربوه، ونصحه أحدهم بأن يبادرهم قبل أن يبادروه، أجاب قائلاً: «لا أُقاتلهم حتى يقاتلوني».

لقد مثّلت حياة الإمام عليّ (عليه السلام) أسمى معاني التضحية والفداء والشجاعة والبطولة والصبر والإيثار والحقّ، التي تجسّدت في شخصيته الفذة التي قل نظيرها. لقد اختزل الإسلام برمته في شخصية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن أراد أن يعرف الإسلام الحقيقي كما هو، فلينظر إلى شخصية وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام). ويكفي عليّاً فخراً بأنّه وليد الكعبة الوحيد على مر التاريخ، حيث أراد الله سبحانه وتعالى أن يُكرِّم الإمام (عليه السلام) بصورة لا يُكرِّم بها أي شخصية أُخرى من البشر عدا الأنبياء (عليهم السلام)، وبذلك جعله وليد الكعبة المشرّفة والتي تشرّف بها وافتخرت به، وأن يأتي النداء من الله العلي القدير على لسان جبريل: «لافتى إلّا عليّ لاسيف إلّا ذو الفقار».. فعليّ هو سيف الإسلام والمدافع عنه والفدائي الأوّل فيه، لم يتردد يوماً عن قول الحقّ والدفاع عنه مهما كان ولمن كان، ولم تهتز مبادؤه التي آمن بها ونشأ وتربّى عليها في حضن الرسول الأعظم محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم). لقد كان عليّ ومازال وسيبقى نوراً ساطعاً يُضيء الدرب لكلّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.؟ فالإمام (عليه السلام) مَلكاً في نفسه، متواضعاً في مجتمعه، سعيداً في معرفته، فقيراً في عيشه، بسيطاً في حياته، عظيماً في مدركاته، عزيزاً في عدله، قديساً قي إيمانه، مثل النبيّ في تجرّده.. هذه هي ميزة المُثل العليا الإنسانية في الإنسان المؤمن.

ارسال التعليق

Top