• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف تحدد الإرادة في داخلك؟

ماجد أحمد الوشلي

كيف تحدد الإرادة في داخلك؟
◄خصّ الله الإنسان دون المخلوقات كلّها بالتحكم في هذه الإرادة، والقدرة على توجيهها، ولذا فهي من أسرار تكريم الله للإنسان، فالإرادة كنز الأفراد الناجحين والأمم المتقدمة.

معظم الناس اليوم أصبحوا سُجناء في حياتهم السلبية التي تحدّ من أن يكون لهم أثر في حياتهم، هذا هو الوضع الذي نجد عليه الأُمة كلّها كبيرها، وصغيرها، يصف الله حال مَن ضاعت همته، وإرادته بقول سبحانه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الأعراف/ 175).

ونحن على يقين راسخ أنّ كلّ إنسان على هذه الأرض لديه أصل الإرادة، وهي كنز محبوس داخلنا، ولكن الفرق بين إنسان وآخر هي القدرة على إخراج هذا الكنز، وتفعيله في النفس البشرية؛ فعندما وُلدت أنا وأنت كان أصل خلقنا على الفطرة وأصل الفطرة أنّ الإنسان لديه إرادة يُنميها في ذاته.

إنّ أوّل الطريق لبناء الإرادة، أن نعلم مَن أتى بذلك السهم الصامت الذي يعرف "بالتحدث إلى الذات"؟

فإنّك كثيراً ما تسمع صوتاً بداخلك يتحدث وكأنه شخص يتحدث إليك، وهذا السهم الذي دخل وتسلل إليك لكي تُحدّث نفسك بهذه الأحاديث، قد يكون له ثلاثة مصادر:

الأوّل- الوالدان (وأثرهما في التأثير الذاتي):

فالوالدان لهما أكبر تأثير في التحدث مع ذاتك، عندما يخاطبك أبوك وأمك لا لا تفعل، دائماً رسائل سلبية، وفي الوقت نفسه كان عدد الرسائل الإيجابية قليلة جدّاً.

وهذا الطبع يعني أنّ آبائنا وأمهاتنا لم يكونوا سيئين ولكن للأسف لم يكونوا على دراية بأي طريقة أخرى أفضل؛ لأنّهم كانوا قد نشأوا وتبرمجوا على نفس المنوال بواسطة آبائهم، وبالتالي قاموا بتربيتنا بنفس الطريقة، وقاموا ببرمجتنا سلبياً بدون قصد، ولكن مع الحب والعاطفة، فالأب والأُم نعم لهم أعظم أثر في ذلك.

الثاني- الأصدقاء:

يؤثر الأصدقاء بعضهم على بعض بطريقة جوهرية حيث من الممكن أن يتناقلوا عادات سلبية، كالتدخين والمخدرات، وشرب الخمر، وغيرها ويعجز الشاب بعد ذلك عن البعد عنها؛ بسبب التحدث السلبي للذات الذي تعلمه من أصدقائه "أنا لا استطيع أن ابتعد عنه..".

دائماً تحدث مع الذات.

وقد يكون غير ذلك فقد يؤثر الأصدقاء على أصدقائهم سلبياً فينقلون إليه روحاً سلبية، أو برمجة سلبية، وهم لا يشعرون.

الثالث- أنت قاتل نفسك:

بالإضافة إلى المصدرين السابقين، فإنّك قد تضيف السلبية، وقلة الإرادة إليك، فهي نابعة منك أنت.

فانظر كيف تتحدث مع نفسك؟

نعم، كلّ منّا يتحدث مع نفسه، ألم تشعر يوماً أنّ بداخلك رجلاً يتحدث إليك؟

ألم تشعر يوماً أنّه حدث لك صراع داخلي، ووجدت شخصين يتحدثان بعضهما إلى بعض؟

فهكذا قد تكون أنت السبب، فقد ترى بعض الناس يقومون بإرسال إشارات سلبية لعقلهم الباطني، أنا لا استطيع، أنا لا أحب، أنا خجول، أنا ضعيف.

يقول الدكتور (هلمستر): "إنّ ما تصنعه في نفسك سواء كان سلبياً، أم إيجابياً، ستجنيه في النهاية".

ولذلك تصبح هذه الإشارات بعد ذلك اعتقاداً، جازماً داخل هذا الشخص، وهذا ما يؤثر على تصرفاتهم بعد ذلك.

وهناك نموذج آخر لقتل الإرادة في النفس يفعله الكثير فتجده يقول: أنا أرغب في التغير ولكن لا استطيع وللأسف فإنّ الكلمة "لكن" تمحو جميع الإشارات الإيجابية التي سبقتها، فلا يبقى من كلامنا إلّا هذه الكلمة السلبية التي تلي كلمة "لكن" وهنا يصبح خطابك لنفسه هو "أنا استطيع".

 

أوّل خطواتنا من أجل تحقيق الإرادة:

·      كن فطناً:

فيجب أن نعرف من أين هذا السهم؟ مَن جعل في داخلي هذه السلبية؟ من غيّر فطرتي التي فطرني الله عليها؟

الوالدان؟؟ الأصدقاء؟؟ أو أنا قاتل نفسي؟؟ أو ماذا..؟؟

وهكذا نكون قد وضعنا أرجُلنا على أوّل الخيط، وبعد ذلك نخطو الخطوة الأولى لبناء الإرادة ولكن تذكر.

يقول (أدست هولمز): "أفكاري تتحكم في خبراتي، وفي استطاعتي توجيه أفكاري".

·      الهمّة العالية:

الهمّة العالية مطلب عظيم يتمناه أصحاب النفوس الكبيرة التي تتوق إلى المعالي، وقوّة الإرادة هي وقود هذه الهمّة العالية، فبدون هذا الوقود – بعد توفيق الله عزّ وجلّ – لن يتم لهذه الهمّة مُناها ومُبتغاها، ولعلّ خير شاهد على ذلك همة العلماء، وهمة طلاب العلم الشريف، وكيف أنهم استطاعوا – بعد توفيق الله – من تحقيق أعمال، وكأنها أشبه بالخوارق، ولكن تلك الإرادة التي أردفت بهمّة عالية كانت طريقاً لذلك.

 

قوّة الإرادة طريق لإنجاز أشياء غير متوقعة:

الغالب من الناس يتصور في نفسه قصوراً، متوهماً وكأنّ أصحاب الإنجازات ليسوا من البشر، فإذا نظر إلى حافظ القرآن، أو إلى طالب متفوق في دراسته، أو إلى عالم، أو إلى مبتكر، أو إلى خطيب، أو إنسان متميز قلل من نفسه، واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء، واستمر على ما هو عليه في مكانه لا يتقدم، (فهذا وأمثاله ندعوهم دعوة صادقة للتوكل على الله سبحانه أوّلاً، ومن ثم نفض غبار الأوهام، وارتداء قوة الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كلّ المهبطات، والعوائق، وسيلاحظ بإذن الله الفرق قريباً).

 

قوّة الإرادة طريق لفتح آفاق جديدة لم تخطر بالبال:

الضعف الذي يعتري البعض يكمن في تقصيره لإمكاناته وقدراته في معين واحد، وكأنّه لا يجد غيره، وكأنّه لا يعرف سواه، وبذلك تضعف همته، وإرادته إلى التطلع إلى غير ذلك، حتى وأنّه للأسف إنّ هذه السياسة النفسية بدت تدار للبعض ليس عن طريق أنفسهم بل عن طريق غيرهم، وعلى سبيل المثال إلزام الأب ابنه أو ابنته تخصصاً، دراسياً، مُعيناً في المرحلة الثانوية أو الجامعية، وقد يكون ميول الابن أو البنت لتخصص آخر قد يُبدع فيه ويتفوق ولكن حرجه من والديه قد يكون عائقاً في مثل ذلك، والبعض قد يختار تخصصه نزولاً لرغبة صديق له.

فقوّة الإرادة – بعد توفيق الله – سبيل لتخصص مناسب وطريق لاكتساب مهارات جديدة.

هناك تخصصات، ومهارات، ومعارف، وإبداعات تحتاج منّا فقط إلى إرادة قوية، ثم ستتحوّل إلى أرض الواقع بعد أن كانت مجرد أماني.

 

قوّة الإرادة طريق للإتقان:

لا يستوي رجلان يعملان عملاً واحداً، لكن أحدهما متقن والآخر مُفرّط، أو إتقانه دون مستوى الأوّل والكلّ يعمل لكن شتّان بين العملين الأوّل المتقن كان موفقاً لإرادة قوية قادته إلى مقصده الأسمى – بعد توفيق الله سبحانه – أما الثاني فضعفت عزيمته، وإرادته وهو قادر على أن يفعل ما فعل الأوّل.

فالإتقان في العمل مُنير متى ما بحثت عن مظانه وسلكت طرقه، وكانت إرادتك تبعاً للتوكل على ربّك.

 

قوّة الإرادة طريق للقضاء على العادات السيئة:

قوّة الإرادة والعزم في الذات يجعلك تقضي على جميع العادات السيئة، والسلبية، وتوصلك إلى الطريق الذي يجعلك تحقق آمالك، وأهدافك، وتكون بعيداً عن البيئة التي يكثر فيها العادات السلبية والسيئة.

 

ضع لك هدفاً ولا تنسَ الوقت المناسب للإيجاز:

ومن الآن وقبل أن تضعف عزيمتك، ضع لك هدفاً في حياتك مثل (حفظ القرآن، تفوق في دراستك، عمل مشروع، وغيرها) وتذكر وأنت تحدد الهدف، أنّه يلزمك الالتفات إلى النقاط التالية ليتحقق المراد بإذن الله.

1- ابدأ واثقاً بالله، ثمّ بنفسك، وقدراتك.

2- توكل على الله، وكن متفائلاً.

3- لا تكثر على نفسك.

4- لا تردد.

5- لا تستعجل في طلب النتائج.

6- لا تزعم الفشل وأنت لم تحاول إلّا مرة واحدة.

7- لا تلتفت إلى الرسائل السلبية منك أو من غيرك.

فلا يُمكن للإنسان أن يُغيّر شخصيته تغييراً جذرياً، هذا لا يُمكن مطلقاً؛ لأنّ الشخصية في الأصل يعتمد بناؤها وتكوينها على عوامل مهيئة، ومرتبة تدريجياً، ونعني بذلك التكوينات الغريزية، والفطرية التي تساهم في بناء الشخصية، والتي تتفاعل معها العوامل البيئية والحياتية، والاجتماعية، ولكن يُمكن للإنسان أن يحافظ على شخصيته بصورة أفضل.

وكلّ مَن يعتقد أنّ بشخصيته علّة عليه أن يذهب ويستأنس برأي المختصين.

إنّ تقييم الشخصية في الأصل يعتمد على أربعة محاور:

1- ما يعتقده الإنسان حول شخصيته، وحول نفسه أي تقييمه الذاتي لسماته، وصفاته.

2- رأي المختص، وتقويمه للإنسان فيما يخص شخصيته.

3- ما يلاحظ الذين يعيشون مع هذا الشخص كيف يرون شخصيته، وطبيعيته، وصفاته؟.

4- إجراء بعض الاختيارات النفسية، والتي تسمى باختيارات الشخصية.

هذه هي المحاور الأربعة التي من خلالها يتم تشخيص نوع الشخصية، والإنسان الذي يريد أن يغيّر بعض طباعه يجب أن يكون لديه القابلية، ويكون له القبول ويكون له الاستعداد، والتغيير.

والإنسان الذي يغير نفسه، ولا مانع بالطبع أن يكون ذلك من خلال الاسترشاد برأي الآخرين، وكما ذكرنا هذا التغيير لن يكون تغييراً، جذرياً، أو كاملاً.

الخطوة الأولى لأن يجعل الإنسان نفسه أكثر ملائمة على ما هو مقبول اجتماعياً، هو أن يفهم ذاته، ويقومها تقويماً دقيقاً، وصحيحاً.

ما مصادر قوته؟ ما هي مصادر الضعف في شخصيته؟ ما هي صفاته؟ ما هي مميزاته؟

وبعد ذلك يجب أن يقبل شخصيته، ويقبل ذاته، لأنّ الإنسان الذي لا يقبل ذاته، أو يتمرد على ذاته لا يمكن أن يسعى في تغييرها بعد ذلك.

يسعى للتغيير ويكون التغيير بـ:

1- التركيز على القيم الاجتماعية، والقيم الإسلامية بصفة خاصة؛ قيم الأمانة، الصدق، التسامح، الموالاة، الانتماء، وكلّ القيم الإسلامية الفاضلة، يجب أن يسعى الإنسان لأن يكون له نصيب حقيقي منها، وهذا من أفضل الوسائل، والسُبل التي تُحسّن وتُغيّر من سمات الإنسان.

2- يكون التغيير باتباع القدوة الحسنة، يجعل الإنسان لنفسه قدوة، ويحاول أن يتسم ويتصف بسمات هذه القدوة، وقدوتنا دائماً هو رسول الله (ص)، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).

وأهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، والإنسان أيضاً قد ينظر لبعض من حوله ويجد فيهم خصالاً وميزات طيبةً مثل خصال الشهامة، المروءة، الإقدام، المثابرة، التوكل، مساعدة الآخرين، الدافعية العالية، علوّ الهمة، هذه كلّها مميزات قد نجدها تتوفر فيمن حولنا، يُمكننا الاسترشاد بها.

3- هناك أمور مهمة لتحسين سمات الشخصية، وهذه تأتي من أن يعالج الإنسان قضايا الغضب، إذا كان سريع الإثارة، الإتكالية، الاعتمادية، القصور، هذه كلّها سمات سلبية في الشخصية لابدّ للإنسان أن يعالجها، ويغيرها بمجرد استيعاب أنّ للإنسان مشكلة وعلة في شخصيته يمكن أن يغيرها.

4- إدارة الوقت بصورة جيدة تؤدي إلى تحسن كبير جداً في أبعاد الشخصية، وترفع درجة الإنتاجية والفعالية.

5- الانضمام والانخراط في الأعمال الخيرية والتطوعية، وعلينا أن نُركز على هذه الأمور كثيراً لأنّ الأعمال التطوعية، والخيرية تحسّن البناء النفسي للشخصية.

6- التزوُّد بالعلوم الشرعية، لا شكّ أنّه يرفع درجة الوعي المعرفي، وهذا ينعكس إيجاباً على الشخصية.

هذه هي الطرق والوسائل التي يمكن أن نُسميها مبادرات إيجابية لتحسين سمات الشخصية، وأما أفضل الطرق لتقوية الإرادة، والعزيمة فهي باتباع ما يلي:

1- إدارة الوقت بصورة صحيحة، أن يضع الإنسان لنفسه خارطة زمنية، ومن خلال هذه الخارطة الزمنية يحقق أهدافه التي يريد أن يصل إليها.

2- التوقف التام عن مساومة الذات.

3- التوقف والابتعاد عن المُماطلة مع النفس، ومع الآخرين.

4- أن يشعر الإنسان بقيمته.

5- أن يكون دائماً ذا همة عالية.

6- أن يكون غيوراً على دينه، وأسرته، وعرضه ونفسه.

7- أن يزوّد نفسه بالمعارف.

8- أن يكون نافعاً لنفسه، ولغيره.

هذه هي الأسس الرئيسة لتقوية الإرادة، والعزيمة وهنالك بالطبع طُرق ووسائل أخرى كثيرة لتقوية الإرادة، والعزيمة ولكن كلّها تتمركز حول تحسين الدافعية الداخلية، وذلك باستشعار المسؤولية ووضع الأهداف، وإدارة الوقت بصورة صحيحة، والتزوّد من المعارف.

 

إضاءات في الإرادة:

·      لا شيء مستحيل مع الإرادة، والعزيمة.

·      كثيرة المواقف التي كُتب لها الفشل بسبب افتقارها إلى أهم مكونات النجاح، ألا وهي الإرادة، والعزيمة.

·      من العزيمة والإرادة تتولد مكونات أخرى، وهي الصبر، والثبات، والاستمرارية.

·      الجميع يريد أن ينجح، ولكن قلة هم الذين يكتب لهم النجاح – بعد توفيق الله – وهم أصحاب الإرادة والعزيمة.

·      جميعنا نملك قدرات ذاتية، ولكن هذه القدرات خاملة.

·      استخدم كلّ القدرات التي منحها الله لك في الوصول إلى جميع أهدافك، وآمالك، وأمنياتك مع تحقيق الإرادة، والعزم، والثبات في تحركك، وعملك.

وفي الأخير تذكر: "لا شيء مستحيل في الحياة إذا كان قلبك راغباً".

"تخلص من كلمة (مستحيل) من قاموسك وسوف تنجح".

اللّهمّ إنا نعوذ بك من العجز، والكسل، وضعف العزيمة ونسألك الإرادة، والصبر، والثبات، والاستمرارية في كلّ ما يرضيك، ويقربنا إليك.►

 

المصدر: كتاب طريق الإرادة إلى مستقبل السعادة

ارسال التعليق

Top