• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف نتحرر من خمول بعد الظهر؟

كيف نتحرر من خمول بعد الظهر؟

لا يكاد الكثيرون منا ينتهون من تناول وجبة الغداء حتى يشعروا بثقل في الرأس، وصعوبة في إبقاء العينين مفتوحتين، وتراجع في القدرة على التركيز. لماذا يحصل ذلك؟ وهل هناك طريقة لرفع مستويات الطاقة المنخفضة؟

ما سبب الهبوط الشديد في مستويات الطاقة لدينا في فترة بعد الظهر؟ يجيب الخبراء بأنّه مرتبط بإيقاعات الجسم البيولوجية الطبيعية. فمثل الحيوانات والنباتات، تطور الإنسان لينظم أنشطته بشكل متناغم مع دورة الليل والنهار الناتجة عن دوران الأرض حول نفسها. وإيقاعات الجسم الطبيعية هي تغيرات فيزيولوجية، ذهنية، وسلوكية تحدث عن امتداد دورة طولها 24 ساعة تقريباً. وهي تؤثر في إفراز الهرمونات، حرارة الجسم، ووظائف مهمة أخرى.

وعلى الرغم من أن إيقاعات الجسم الطبيعية تنتج عن عوامل طبيعية داخل الجسم، إلا أنها تتأثر أيضاً بإشارات تأتي من البيئة الخارجية. ويعتبر الضوء والظلمة العاملين الرئيسيين الذين يؤثران في إيقاعات الجسم هذه، فيسهمان في تشغيل أو إسكات الجينات التي تتحكم في الساعة الداخلية للجسم.

وتوجد عوامل أخرى تلعب دوراً في التسبب بخمول بعد الظهر، مثل كمية ونوعية الطعام الذي أكلناه في وجبة الظهر، ومستويات الرطوبة في الجسم، وكمية ونوعية النوم الذي حصلنا عليه ليلاً. فكلها يمكن أن تؤثر في قدرتنا على إبقاء أعيننا مفتوحة بعد الظهر. وليس مستغرباً أننا عندما ندرس الإيقاعات الطبيعية على فترة 24 ساعة، نلاحظ أن أمزجتنا، ودرجات تيقظنا ومستويات طاقتنا تكون في أدنى مستوياتها بين الساعتين الثانية والرابعة بعد الظهر.

أما الخبر الجيد هنا فهو أن هناك أموراً عدة يمكن القيام بها لتفادي هذا الخمول، أبرزها:

 

1-    التخطيط للأنشطة اليومية:

من المعروف أن لكل واحد منا فترة أثناء النهار يتمتع خلالها بدرجة من التيقظ والنشاط أكثر من بقية ساعات النهار. فهناك من يكون نشيطاً عند الاستيقاظ صباحاً، وهناك من لا ينشط إلا في فترة متأخرة من النهار. وعلى كلّ واحد منا أن يحدد الفترة التي يتمتع بها بأعلى درجة من النشاط ويستغلها بشكل متناغم من ساعة الجسم الداخلية. فالأشخاص الذين يتمتعون بأكبر درجة من التيقظ صباحاً، يمكنهم أن يركزوا أعمالهم المهمة في الفترة الصباحية. وفي فترة بعد الظهر يمكنهم القيام بالمهمات التي لا تتطلب الكثير من التركيز مثل إجراء الاتصالات الهاتفية، وإرسال البريد الإلكتروني، إضافة إلى القيام بالأعمال المنزلية، أي القيام بكل ما لا يتطلب الكثير من التركيز والتفكير. وتسهم هذه الأنشطة في إبقائنا متيقظين في هذه الفترة.

 

2-    الحركة:

أفضل ما يمكننا القيام به عندما نشعر بأن مستويات الطاقة لدينا تنخفض، وأننا نحتاج إلى البقاء مستيقظين هو أن نتحرك. فإذا كان بمقدورنا أن نحصل على بعض الوقت لأنفسنا بعد الظهر يستحسن أن نستخدمه لنذهب إلى النادي الرياضي، أو لنمارس المشي السريع أو الهرولة. وإذا كنا في المنزل فيمكننا أن نخصص هذا الوقت للقيام بأعمال المنزل التي تتطلب بذل بعض الجهد، مثل استخدام المكنسة الكهربائية، أو الاهتمام بالحديقة أو تنظيف النوافذ بعد الظهر. أما إذا كان دوام عملنا يقتضي وجودنا في المكتب بعد الظهر، فيمكننا أن نخصص بعض الوقت للمشي في أرجاء المكتب، أو لصعود الأدراج إن توافرت. ويمكن لكل واحد منا أن يختار النشاط الأفضل الذي يمكن إدخاله في روتينه اليومي. صحيح أننا قد نشعر خلال فترة بعد الظهر بأنّه ليس بمقدورنا أن نترك مقاعدنا، لكن علينا أن نجبر أنفسنا على الحركة، فسرعان ما سنشعر بأن دوراتنا الدموية انتعشت، وأن مستويات الطاقة لدينا ارتفعت.

3-    الاستماع للموسيقى ذات الإيقاع السريع:

لا تساعد الموسيقى ذات الإيقاع السريع والمفرح على تحسين مزاجنا فحسب، بل تسهم أيضاً في تعزيز قدرتنا على التركيز والانتباه والإنتاجية. كذلك فإنّ الاستماع لها يؤدي إلى رفع مستويات الأندورفينات التي تساعدنا على الإحساس بالحبور والنشاط، ويساعد على إبقاء أذهاننا قادرة على التركيز بقية ساعات النهار. وإذا ما تمكنا من الرقص على إيقاع هذه الموسيقى السريعة، فإننا سنزيد من حظوظنا في ما يتعلق بتنشيط الدورة الدموية، والحصول على قدر أكبر من الأكسجين الذي يمنحنا المزيد من الطاقة.

 

4-    التنفس العميق:

عندما نشعر بأنّه لم يعد في مقدورنا أن نترك مقاعدنا ونتحرك، وأننا سندخل في حالة الخمول، يمكننا أن نحصل على دفعة سريعة من الطاقة عن طريق تخصيص بضع دقائق للتنفس بعمق وتركيز فمن شأن ذلك أن يزيد من كمية الأكسجين في دمائنا. ومن المعروف أنّه عندما يكون التنفس سطحياً، فإن ذلك يحد من كمية الأكسجين التي تدخل إلى الجسم، ما يؤدي إلى انخفاض في مستويات الطاقة الشائع في فترة بعد الظهر. وفي المقابل فإن زيادة كمية الأكسجين في الدم تساعدنا على تخفيف الإحساس بالتعب، وتعزيز قدرتنا على التركيز والتفكير.

 

5-    التعرض لأشعة الشمس:

من المفيد أن نخرج إلى الهواء الطلق ونعرض أنفسنا لضوء النهار أو أشعة الشمس لمدة 10 دقائق على الأقل خلال دوام العمل. أما إذا تعذر علينا الخروج فيمكننا أن نجلس في بقعة مشمسة في المكتب أو المنزل. وعلينا كلما أمكن، أن نخرج لتناول وجبة الغداء في الخارج، ونقسم الوقت المخصص للغداء قسمين: الأوّل للأكل والثاني للمشي. ويساعد التعرض لأشعة الشمس ظهراً على إعادة تنظيم الساعة الداخلية، وإبقاء مستويات الميلاتونين (هرمون النوم) الذي يفرزه الجسم في فترة الخمول بعد الظهر، منخفضة.

 

6-    تناول وجبات صغيرة عدة:

من الضروري تناول وجبة إفطار صباحية لأن تفويتها سيدفعنا بالضرورة إلى تناول وجبة غداء كبيرة، أو إلى تناول الأطعمة الحلوة قبل الظهر، ما يجعلنا نشعر بقدر أكبر من التعب بعد الظهر. وعلينا أن نتذكر أن ما نأكله في وجبة الإفطار يؤثر كثيراً في حالتنا بقية ساعات النهار. لذلك علينا أن نتفادى رقائق الحبوب الغنية بالسكر، والكربوهيدرات المكررة، مثل الخبز الأبيض، التي يؤدي تناولها إلى ارتفاع سريع وكبير في مستويات سكر الدم، سرعان ما يتبعه انخفاض شديد فيها، يخلق لدينا إحساساً بالتعب والجوع. وينصح الخبراء بتناول البروتينات في وجبة الصباح، مثل البيض، مع كربوهيدرات كاملة، مثل شريحة من خبز القمح الكامل المحمص، أو الشوفان بالحليب مع حفنة من ثمار العليق. فالبروتينات تساعدنا على الإحساس بالشبع لوقت طويل، والكربوهيدرات الكاملة تمدنا بدفعة مستقرة وطويلة من الطاقة.

أما في وجبة الغداء فيجب أن تكون الأولية للبروتينات التي تزودنا بالطاقة، مع التخفيف من الكربوهيدرات. فمن شأن ذلك أن يؤثر كثيراً في حالاتنا العامة في فترة بعد الظهر. يمكننا أن نأكل مثلاً سلطة تونة عوضاً عن شطيرة تونة، أو سلطة مؤلفة من خضار ورقية خضراء مع القليل من الجبن المبشور وبيضة مسلوقة، عوضاً عن سلطة المعكرونة. فالغداء الغني بالبروتينات والخفيف بالكربوهيدرات يساعد على رفع مستويات التيقظ لدينا في فترة بعد الظهر.

ومن المفيد أن نعتاد شرب الشاي في فترة بعد الظهر فكمية الكافيين الصغيرة الموجودة في الشاي تساعد على تبديل الخمول في فترة بعد الظهر. كذلك فإنّ الدقائق الهادئة التي نخصصها لاحتساء الشاي تساعدنا على استعادة قدرتنا على التركيز في عملنا.

وهنا يحذر الخبراء من الاعتماد على القهوة للحصول على الطاقة. فالإكثار من الكافيين في فترة بعد الظهر يؤثر سلباً في نوعية النوم، ما يؤثر بدوره في مستويات الطاقة لدينا. ويستحسن أن نحصر كمية القهوة التي نشربها بفنجان أو اثنين صباحاً، ثمّ نستعيض عنها بالشاي أو نقيع الأعشاب بنكهة الفواكه في فترة بعض الظهر. ويمكن لمن يرغب أن يتناول قطعة من البسكويت مع الشاي، لكن علينا أن نعلم أن لوحاً كاملاً من الشوكولاتة أو شريحة من الجاتوه يمكن أن يعطينا دفعة مؤقتة من الطاقة، لكن ما إن يخبو مفعول السكر، حتى نعود ونشعر بالتعب. فالوجبات الخفيفة الغنية بالسكر ترفع مستويات سكر الدم، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستويات الأنسولين. ويقوم هذا الأخير بتحفيز عملية إنتاج التريبتوفان الذي يحوله الجسم إلى سيروتونين، وهو الهرمون الذي يجعلنا نشعر بالارتياح، لكن بالنعاس أيضاً. لذلك، وعوضاً عن تناول الأطعمة الحلوة، علينا اختيار وجبة خفيفة غنية بالبروتينات، الألياف الغذائية والكربوهيدرات بطيئة الهضم (مثل بسكويت محضر من القمح الكامل مع قطعة من الجبن الأبيض، أو حفنة من الفواكه والمكسرات) فتناول مثل هذه الوجبة يساعد على رفع مستويات سكر الدم بشكل بطيء ومتوازن، وتبقيه على هذا المستوى لوقت طويل.

ومن المفيد دائماً مضغ أنواع العلكة بنكهة النعناع، فهي منشطة. والواقع أن مجرد عملية المضغ أمر منشط للدماغ الذي يمر بفترة خمول بعد الظهر.

 

7-    احتساء الماء:

من المعروف أن انخفاض نسبة الرطوبة في الجسم هي واحد من أبرز أسباب إحساسنا بالتعب. فنقص الماء يؤدي إلى زيادة كثافة الدم، ما يدفع القلب إلى بذل مزيد من الجهد لضخ الدم في أنحاء الجسم كافة، ما يخلق لدينا شعوراً بالإرهاق. لذلك، يتوجب علينا احتساء كمية وافرة من الماء على امتداد ساعات النهار لإبقاء مستويات الرطوبة في معدلاتها الطبيعية الجيدة. وينصح الخبراء باحتساء لتر ونصف اللتر على الأقل من السوائل في اليوم.

 

8-    تخصيص وقت للقيلولة:

في الوقت الذي تعتبر قيلولة بعد الظهر أمراً طبيعياً وضرورياً لدى الأطفال، يميل الكثيرون إلى اعتبارها مجرد ترف أو كسل لدى البالغين. والحقيقة أن القيلولة مهمة للكبار مثلما هي للصغار. وينصح الخبراء من يشعر بحاجة إلى أخذ قيلولة بعد الظهر بعدم التردد في تخصيص وقت لها، فليس هناك أي فائدة من مقاومة النوم إذا شعرنا بحاجة فعلية له. وبالطبع يكون أخذ القيلولة سهلاً عندما نكون في المنزل. أما إذا كنا في المكتب فيمكن أن نستعيض عن القيلولة بفترة صغيرة من الراحة نتوقف خلالها عن التحديق في شاشة الكمبيوتر، ونغمض أعيننا لبضع دقائق، ونركز على حركة التنفس، وسنشعر بسرعة بتحسن كبير وبتبدد الإحساس بالتعب.

 

9-    الاستعانة بالتقنيات الطبيعية:

ينصح المتخصص البريطاني في الطب الطبيعي سيستيان بوول بإدخال بعض التقنيات المعززة للطاقة في حياتنا اليومية، وعلى رأسها: ممارسة اليوغا، التأمل، تمارين التنفس العميق، المشي أو ممارسة أي نوع من الرياضات التي نستمتع بها. إضافة إلى ذلك من المفيد الخضوع لجلسات التدليك التي تساعد على تخليصنا من التوترات والتشنجات، وعلى تنشيط الجهاز اللمفاوي الذي يخلص الجسم من السموم.

 

10-                      اختيار النظام الغذائي الصحي:

أما على مستوى التغذية فينصح بوول باعتماد نظام غذائي يقوم بشكل أساسي على المنتجات الطبيعية الكاملة، مع تفادي المنتجات المصنعة المكررة الفقيرة بالعناصر المغذية. ويستحسن أن يكون النظام الغذائي نباتياً. أما إذا أردنا تناول اللحوم، فيجب أن نكتفي بتناولها مرة أو مرتين على الأكثر في الأسبوع. ومن الضروري تناول ما بين 8 و10 حصص من الخضار والفواكه يومياً، ويستحسن أن تكون من نتاج الزراعة العضوية كلها أمكن ذلك. إضافة إلى ذلك، يؤكد بوول ضرورة المواظبة على تناول بعض المنتجات التي تسهم في تحسين الحالة الصحية العامة وتقوية المناعة وتعزيز الطاقة، وعلى رأسها: الزنجبيل الطازج المبشور مع القليل من عصير الحامض والعسل، الثوم، الكركم، الشاي الأخضر، الخضار الورقية الخضراء، البقوليات والكينوا والشوفان والشعير.

ارسال التعليق

Top