• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لا عوائق تمنع ذوي الاحتياجات من التعلم

لا عوائق تمنع ذوي الاحتياجات من التعلم

نماذج نجحت بالتدريب والتأهيل

في اللحظة التي يعلم بها الوالدان بولادة طفل لهما من ذوي الإعاقة، تبدأ نقطة التحوّل في حياتهما إلى منعطف تحكمه مشاعر خوف وهمّ وقلق على مستقبل طفلهما. وتسيطر التساؤلات على تفكيرهما؛ ما الذي سيحدث مع مرور السنوات؟ هل سيكون بإمكانهما رعاية طفلهما خير رعاية؟ هل سيتمكن من الاعتماد على نفسه والانخراط في المجتمع؟

في هذا التحقيق نتطرّق إلى أهمية تأهيل ذوي الإعاقة وتدريبهم للاعتماد على أنفسهم في مهن تناسب وضعهم الصحّي، ودور المؤسسات الخاصة والحكومية في دعم هذه الفئة وإعطائهم الفرصة للتعلّم والعمل.

الأمر الذي لا جدال فيه أنّنا جميعاً لنا الحقّ في فرصة التعلم والعمل على اختلاف جنسياتنا وحالتنا الاجتماعية ووضعنا الصحّي، وهذا يدعونا للتوقّف والتساؤل عن أسباب اكتفاء البعض بإلحاق فئة ذوي الإعاقة بمراكز خاصة وفصلهم عن الأسوياء بالمدارس والحياة ككلّ، ليكونوا أشبه بسجناء مع وقف التنفيذ لا ذنب لهم سوى أنّهم مختلفون. وها نحن نسلّط الضوء على نماذج منحوا حقّ العمل رغم إعاقاتهم التي تشكّل تحدياً لمن حولهم بعدما تم تأهيلهم وتدريبهم على مهارات مكتبية واجتماعية أهّلتهم لإعالة أنفسهم أو ذويهم.

 

تأخر عقلي/ سعود الشامسي:

سعادة، محبّة وتفاؤل مشاعر ترافق سعود الشامسي على الدوام، حيويّته وتفاؤله أصابانا بالعدوى فعم جلستنا معه فرح، ضحك وحبور. سعود المصاب بحالة تأخر عقلي هو من المحظوظين الذين توفّر لهم الدعم ليتعلّموا بعض المهارات لتنمية الجانبين الاجتماعي والعقلي على حد سواء لإعانتهم على الحياة وعلى ما كتبه عليهم القدر، فقد التحق سعود بأحد المراكز المتخصّصة في تأهيل ذوي الإعاقة، ليتعلّم الحاسوب، الرياضة، الموسيقى، الفن وأصول التعامل والحديث إلى جانب اللغة والعلاج النفسي والطبيعي اللذين يحظى بهما كذلك زملاؤه في المركز.

بسعادة أخبرنا سعود عن عمله في ايكونستو، وعن تقديره لزملائه وللمشرفة على عمله مارليس مامبورام، فقد قال سعود "أقوم بترتيب الملفات وتصنيفها ونسخ الأوراق وغيرها من الأعمال المكتبية الأخرى، أكثر الأماكن التي أحبّها وأود أن أبقى على صلة مع أصحابها، هما مركز النور الذي دعمني وأشركني في العديد من الفعاليات والفسح في مناطق أكثر من رائعة ووفّر لي هذه الوظيفة، والشركة التي أعمل بها أيضاً لأنّ كلاهما منحاني فرصة للعمل والاعتماد على الذات".

من جهتها أكّدت مارليس أحقية هذه الفئات في أخذ فرصتها في الحياة، وعلى وجوب تأدية الشركات والمؤسسات الخاصة والحكومية لدورها في المسؤولية الاجتماعية تجاه ذوي الإعاقة والمجتمع ككلّ. وعن سعود الشامسي أوضحت أنّه يظهر تقدّماً مع الوقت في حديثه وتواصله مع الآخرين وفي تأديته لعمله، وإنجازه لعدد من الفواتير والإيصالات والأوراق الحسابية الأخرى.

 

التصلّب اللوحي المتعدد:

يعاني زميل سعود في المركز والعمل يحيى خالد التصلّب اللويحي المتعدّد، تقول مارليس إنّ يحيى قادر على تحمّل المسؤولية وإنجاز ما يوكل إليه من أعمال بجدية، ويحظى باحترام من زملائه، إلى جانب أنّه يقوم بمساعدة قسم العلاقات العامة على التنسيق مع مختلف الدوائر الحكومية والوزارات.

يقول يحيى عن عمله "أقوم بدور شبيه بمندوب المعاملات في بعض الأحيان، وأنهي مجموعة من الأوراق المتعلّقة بالجهات الحكومية والوزارية، إضافة إلى العمل المكتبي من تصنيف للأوراق والملفات. إنّ التعامل في الشركة أو حتى في المركز عندما كنا فيه أكثر من رائع، كلا المكاننين يحيطان أفراده بالرعاية والاهتمام طوال الوقت".

 

قهر التوحّد:

وفي حالة مرضية تمثّل إحدى أكثر اضطرابات النمو انتشاراً، تم تشخيص حالة جاي كاثبال باضطراب التوحّد، لكنه وبإشادة ممن حوله استطاع أن يجتاز العديد من الصعوبات، ولديه مهارات لا يملكها أشخاص طبيعيون، فقد درس جاي برامج عديدة مثل معالجة الكلمات، العلوم المنزلية، الاقتصاد والأعمال واللغة الانجليزية، إلى جانب تقنية المعلومات، الفوتوشوب، تصميم المواقع واستخدام مواقع البحث بفاعلية. وقد التحق في عدة أعمال إدارية وتسويقية أيضاً. تحدّثت عنه معلّمته في مركز النور لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة نيلما فينجساركر قائلة "في البداية كان جاي يهتم كثيراً بإثارة الانتباه، وكان ذلك يؤثّر في أدائه وفي بعض الأحيان لا يتّبع قوانين وأصول العمل، لكنه مع الوقت أصبح أكثر التزاماً وتطوّر أداؤه بشكل ملحوظ".

تقول أوانا موسات مساعدة شؤون الموارد البشرية في الشركة التي يعمل بها جاي إنّه قادر على أداء وظيفته بشكل جيد ومن المهام التي ينفّذها إدخال البيانات والنسخ والتصنيف وغيرها، كما أنّه حاز جائزة مجموعة الطاير "حياة قيّمة" التي يحوزها المظّفون المثاليّون.

 

خجل وحماسة:

حالة تأخر عقلي أخرى قابلناها، هي حالة محمّد فيبن الذي لم يتمكّن من التخلّص من الخجل أو الرهبة لدى مقابلته أناس لا يعرفهم، فلم يخبرنا عن شعوره بالعمل في غرفة التجارة والصناعة، لكن تعابير الفرحة والحماسة ليرينا ممارساته أثناء العمل كانت كفيلة لنعلم أنّه سعيد على الرغم من بساطة ما يملكه في نظر الآخرين. محمّد الذي انضم إلى مركز التأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة لم يكن ينطق إلّا بكلمات إنجليزية بسيطة، واليوم أصبح قادراً على التحدّث بها بطلاقة عالية، وقد عمل مسبقاً في مخبز بأحد الفنادق، ثم انتقل منذ خمس سنوات إلى غفرة التجارة والصناعة ليعمل كاتباً للملفات في القسم القانوني فيقوم بأعمال مثل التصنيف والنسخ والتصوير وخلافه، وقد أشاد زملاؤه بإخلاصه وجديته في العمل، كما أنّه معيل لعائلته مادياً.

 

متلازمة داون:

وبانتقالنا إلى مؤسسة أخرى أخذت على عاتقها الشراكة المجتمعية واهتمت بإعطاء الفرص المهنية لذوي الإعاقة، كان لنا لقاء مع فراس سامرائي المصاب بمتلازمة داون. فعلى الرغم من ملامح وجهه التي تعرّف بمرضه، بدأ تعامله مع الآخرين طبيعياً للغاية وأظهر ذكاء كبيراً وفهماً عالياً في التواصل الاجتماعي.

وقد ذكرت معلّمته نيلما أنّه كان في البداية صعب المراس وكان يمضي وقتاً مع زملائه أكثر من الالتفات إلى إنجاز مهامه، لكنه مع التوجيه والإشراف المستمرّين أصبح أكثر قدرة على ضبط نفسه في العمل. ويشغل الآن مهنة مساعد مخازن لأحد المحال التجارية، حيث يقوم بالفرز وفتح البضائع ونقلها وترتيبها في مجال الثياب الملحق به وغيرها من المهام الأخرى. وقد أصبح بحسب مشرفيه وزملائه أكثر انضباطاً واتباعاً للقوانين.

 

ثقافة الأحقية:

أوضح إبراهيم العبيد نائب رئيس جمعية الاجتماعيين أنّ مسألة الاهتمام بالمعاق تبدأ من أسرته أوّلاً، وكيفية تكيّفهم مع الوضع الجديد "لا يمكننا القول إنّ الإشكالية تكمن في تقبل الطفل المعاق أو عدم تقبّله، وإنما في تكيّف الأسرة مع وضعها الجديد والخاص، إذ من المهم أن يتم استيعاب الحالة أوّلاً ومن ثم إجراء بعض التغيّرات الضرورية في المنزل ليتكيّف الطفل المعاق معها بحسب ما يستدعيه وضعه الصحّي، إلى جانب توعية بقية الأبناء وتعليمهم كيفية التصرف السليم معه من دون التأفف منه". وأكّد العبيد أنّ الوعي والثقافة إن بدأتا من الوالدين في الأسرة فإنّهما سيكونان ثقافة تعمّ المجتمع ككّل، وعندها لن تكون المسؤولية المجتمعية في المؤسسات الحكومية والخاصة فرضاً وبنابع تنفيذ القانون بقدر ما ستكون ثقافةً ووعياً بأحقية هذه الفئة في فرص التعلم والعمل". وإلى جانب الأسرة تأتي التوعية في المدارس والجامعات، وحقيقة هذا موجود في المناهج الدراسية، حيث يتم تدريس قصص ناجحة عن أشخاص من ذوي الإعاقة استطاعوا أن يتغلّبوا على إعاقتهم، وكثير منهم يمارسون مهناً في مؤسسات حكومية أو خاصة، والقوانين كفلت لهم حقوقهم في التعلم والعمل. من ناحية أخرى، يجب الاستمرار في إقامة المحاضرات والندوات للتوعية بهذه الفئة وكيفية التعامل معها، كما يقع جزء من هذا الدور على عاتق دور العبادة أيضاً".

 

إسفانا الخطيب... كلّنا لنا الحقّ في فرص متساوية:

أكّدت إسفانا الخطيب المديرة التنفيذية لمركز النور لتأهيل وتدريب ذوي الإعاقة، أنّ أعداد ذوي الإعاقة في ازدياد مستمر الأمر الذي يتطلّب كوادر متخصصة ومؤهلة للتعامل مع هذه الفئة خاصة مع ازدياد التطلّع لحياة أكثر جودة وراحة لأفراد المجتمع على اختلاف أوضاعهم: "أؤمن بأنّ لجميع أفراد المجتمع الحقّ في منحهم فرصاً متساوية في الحياة وتمكينهم من ممارسة هذه الحقوق لذلك تحديداً اخترت العمل معهم. وفي المركز نقدم برنامج لتأهيل الطلبة وتوظيفهم، ومن ثم يتم تأسيسهم على مهارات وفقاً لقدرات كلّ حالة. وحتى اليوم استطعنا توظيف 23 معاقاً في عدة جهات منها المصارف، المدارس، الفنادق، شركات خاصة وغيرها الكثير".

وأكملت "من المهم وجود تخصصات جامعية وكليات لتخريج متخصصين في تأهيل وتدريب ذوي الإعاقة، إلى جانب خضوع هذه الكوادر إلى دورات تطبيقية عملية يتعاملون من خلالها مع هذه الفئة. كما أنّه من المهم العمل باستمرار على جانب التوعية في المجتمع ككلّ والمدارس والإعلام وهذا محور في غاية الأهمية".

وأضافت الخطيب "ما زالت البيئة في المجتمعات العربية تحتاج إلى تطوير فيما يتعلق بذوي الإعاقة، فعلى الرغم من اجتيازنا مراحل مهمة مازال هنالك الكثير للعمل عليه. كما أنّ المسؤولية المجتمعية أساس للنهوض بهذه الفئة، فالجهات الحكومية دعمها أساسي من خلال القوانين والسياسات والإجراءات التي تضمن حقوقاً مساوية لفئة ذوي الإعاقة،...".

ارسال التعليق

Top