ينقض ما اتفقنا عليه في الحوار:
يسعى بعض الأبناء إلى آبائهم، أو يسعى إليهم آباؤهم، ويفتحون باباً لحوار في مشكلة، ويفضي الابن بما في صدره، أو يسعى إليه والداه لجره إلى منطقة الصدق، ويعده الأب بأنّ ما سيقوله سيكون محل حفظ ولن يُطلعَ عليه أحداً، ثم يفاجأ الابن بأنّ ما أفضى به أصبح نهباً مستباحاً، ويعرفه كلّ مَن في البيت أو الآخرون!! ويطوي الابن الألم في صدره، ولكنه قد تعلّم درساً؛ وهو ألا يفضي بما لديه للأب أو للأُم، ولن يصدّق وعودهم بعد ذلك!!
ومن ثم ينبغي أن يشعر الابن بانفتاح قلب وعقل أبيه، وأنّ هذا القلب مستودعاً أميناً للسر، يحفظ فيه الابن أسراره، ويفضي بهمومه، وهو مطمئن ألا يطّلع عليه أحدٌ.
وقد يكون نقض ما اتفق عليه الأب بألا يفي بوعوده التي قطعها على نفسه.
ليس عندهم استعداد:
الحوار مثل لعبة تنس الطاولة، لابد أن يتبادله الطرفان!! وكثيراً ما يحجم الأبناء عن الحوار مع آبائهم، لاستشعارهم بأنّ الأب أو الأم ليس لديه استعداد للحوار، ويشعر المرء بحاجته إلى فهم هذه الكلمة والمقصد منها، وماذا يقصد الأبناء بعدم الاستعداد؟ وكيف كوّنوا هذه الفكرة عن والديهم؟
نعم.. الحوار مع الأبناء ليس مصادفة، إنّه حقيقة في حاجة إلى استعداد؛ استعداد في تناول الموضوع كأصدقاء، إلّا ما يتعلق بالأمور الحاكمة والحساسة، وحتى هذه المنطقة لابدّ أن يتعرف الابن على طريقة تفكير أبيه، وكيف بنى وجهة نظره، والأشياء التي يستند إليها، والحوار مع الأبناء يتطلب استعداداً في الإنصات والاستماع الجيدين، وألا يتم في إطار مناخ تحكمه قواعد السيطرة، وأن يتعوّد الآباء أن يكون حوارهم مع الأبناء في جو هادئ لا يتعجل الوصول إلى قرار.
يُذكِّروننا دائماً بأنّهم أكبر منا:
نعم، نحن أكبر من أبنائنا!! ولكن ليس معنى ذلك أن نأخذ لهم قراراتهم، أو نحمل إليهم هذه الكلمات دائماً وكأنها سيفٌ مسلطٌ على رقابهم؛ (ليست لديكم الخبرة الكافية، ليس لديكم الوعي الكامل بما تفعلون...)، إنّه إحساس بغيض!!
وأتساءل حقيقة: لماذا نطلب نحن هذا الإحساس ونُلح عليه، وأبناؤنا يعترفون به طواعية في قرارة أنفسهم؟
يقول أحد الشباب: (الآباء غالباً يعترضون على أسلوب الأبناء؛ وذلك لاختلاف طريقة التفكير بين الجيلين، كما أنّ معظم الآباء يريدون من الأبناء أن يتصرفوا كما يريدون هم، دون النظر إلى رغباتهم وأحلامهم وطموحاتهم، أو حتى مجرد الاستماع إليهم والحوار معهم؛ حتى يستطيعوا أن يصلوا إلى نقطة التلاقي التي تقرب وجهات النظر، وهذا بدوره يؤدي إلى لجوء الأبناء إلى أصدقائهم وزملائهم للاستماع إليهم، ولطلب النصيحة والمشورة، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء الأصدقاء من نفس المرحلة العمرية التي ينقصها – بالتأكيد – الخبرة والتجربة؛ وهو ما قد يؤدي إلى أن يتصرّف الجميع في النهاية بشكل خطأ أو لا يرضي الآباء، والأفضل أن يقترب الآباء من أبنائهم، ويستمعوا إليهم، ويعملوا على وجود حوار دائم بينهم؛ حتى لا يفاجئوا بشيء أو تصرف لم يتوقعوه، أو خطأ يصعب إدراكه أو علاجه).
فمن الضروري في الحوار أن نُشعِر مَن أمامنا بأنّهم متساوون معنا في الحقوق، ونتبادل الصواب والخطأ معهم، ومن هنا يرحبون بالحوار معنا، ويفضون إلينا بمكنونات صدورهم.
لا أجد الوقت:
هل هناك وقت أثمر مما ننفقه على أبنائنا في الحديث معهم والإنصات لهم، وتحليل مشكلاتهم، والخوض في أمانيهم وطموحاتهم؟!
قد تقول عزيزي القارئ: صحيح ما تقول، لكننا أصبحنا في هذا العصر – عصر الضغوط – نلهث لتلبية متطلباتهم.
ولكن سيدي أنّى للمتطلبات المادية أن تشبع احتياجاً نفسياً لأبنائك؟!
أراك لست محتاجاً إلى أن أنصح نفسي وإياك، بأنّ أبناءنا هم الامتداد الطبيعي لأنفسنا؛ ولذلك فكلّ وقت يحتاجونه ولا يُعطَى لهم، هو إنفاق في غير مكانه.
الأمر الذي يدعو المرء إلى أن يرتب أولوياته ويتأمل احتياجاته المادية والترفيهية، وأن يكون على قمة هذه الأولويات الحوار الفعّال مع الأبناء؛ حتى لا يشتكي أبناؤنا من ضيق أوقاتنا.
أبي متدين وأنا أريد أن أحيا شبابي:
أحياناً، ومن فرط رغبتنا في أن يسلك أبناؤنا نفس ما نعتقد، نغالي في هذا الاعتقاد، ونتعامل معهم غير متفهمين لأعمارهم السنية وإدراكهم، ونجبرهم على ما نعتقد، حتى يؤدوه أمام أعيينا، وهم يرون المجتمع من حولهم والأصدقاء معهم في تيار آخر، ومن ثم يكره الابن نموذج الأب وما يعتقد؛ حتى وإن كان هذا تديناً!!
ولذلك ينبغي أن نفهم ديننا وعقيدتنا بصورة صحيحة، تدعونا إلى أن نفرّق بين ما نصمم عليه مع أبنائنا وما نتركه لهم من مساحة، وينبغي أن نتأمل كلماتنا معهم، فالأحكام الشرعية متعددة؛ تبدأ من المباح، وتنتهي بالحرام، وما بينهما مساحة واسعة ينبغي أن يتفهمها كلّ أب.
كما يدعونا ذلك إلى تفهم مراحلهم السنية ومتطلباتها؛ حتى نجيد تفسير تصرفاتهم بالصورة الصحيحة، ونتعامل معها بالشكل الصحيح.
أخاف منه:
الخوف من رد فعل الأب قد يصبح معوقاً أساسياً في تردد الابن في فتح الحوار مع أبيه، إنّنا لا نبوح بما في دورنا إلّا بعد أن نقيِّم ردود فعل الآخرين، وهكذا يفعل الأبناء.
فإذا أردت لحوارك مع أبنائك أن يستمر فتنبه إلى ردود أفعالك لحديثهم، حتى وإن عبّر الأبناء عن مشكلة، فينبغي أن تكون هادئاً قدر الإمكان، فهذا سيجعله أكثر جرأة على البوح والحديث، ومن ثم تتدارك مشكلاتهم قبل أن تتفاقم.
ومن بين الأشياء التي تساعد أبناءنا في الصدق معنا ألا نُعَاقِب فور السماع؛ إنما نتفهم المشكلة وندرسها سويّاً.
إنّ أبناءنا لابدّ أن يمروا بتجارب في حياتهم ويخطئون حتى يصيبوا ويتعلموا من هذه التجارب، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ هذه التجارب الحياتية تعد أكبر مُعلم يثري صاحبه.
فلماذا لا نتعامل مع هذه الأخطاء بروح المودة؟
إنّ الأخطاء التي يقع فيها أبناؤنا نحن – بخبراتنا – نقف بجوارهم، أفضل ألف مرة من أن يمروا بهذه الأخطاء وهم في معزل عنا، ويتحدثوا فيها إلى أصدقائهم وهم يفتقدون الخبرة مثلهم.
وحتى تكتمل هذه الصورة وضوحاً تعالوا نتعرّف على الأسباب التي تدعو الأبناء اختيار مَن يتحاورون معه غير الأب، وما السمات التي يتمتع بها هؤلاء حتى نسعى لاكتسابها، فيلجأ إلينا أبناؤنا في الحوار.
الكاتب: محمد أحمد عبد الجواد (خبير تطوير إداري.. وتنمية بشرية)
المصدر: كتاب كيف تحاور أبناءك وتستمتع بهذا الحوار
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق