• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لماذا يبدو الرجال طفوليين أكثر من النساء؟

تحقیق: سناء ثابت

لماذا يبدو الرجال طفوليين أكثر من النساء؟

 

  يقال إنّ الرجال لا يأبهون لشيء، يواجهون الحياة بلا مبالاة، ويقال إنّ النساء يأخذن كل شيء بجدية زائدة. هل سبب ذلك أنّ النساء يواجهن صعوبة أكثر من الرجال في التواصل مع الطفلة الكامنة في داخلهنّ؟ جواب الأخصائيين النفسيين هو "لا"، بل السبب هو أنهنّ يفعلن ذلك بطريقة مختلفة عن طريقة الرجال. هل لدى الرجال القدرة على أن يعيشوا كأطفال بطريقة أقل سهولة مما تفعله النساء؟ وإذا افترضنا أنّ النساء أقل قابلية لفعل ذلك، فهل ذلك راجع إلى قدراتهنّ كأُمّهات مفترضات، أي أنهنّ يتوفرن على حس أعلى من المسؤولية يمنعهنّ من أن يتصرفن كأطفال؟ "ليس بالضرورة أنّ الرجال يُخرجون للعلن بشكل أسهل الطفل الكامن في داخلهم"، بحسب ما تقول ماري لوركولونا، وهي محللة نفسية فرنسية، وتضيف: "يتخذ ذلك لديهم أشكالاً واضحة وسلوكيات طفولية مرئية، على العكس من النساء اللواتي يقمن بذلك بشكل داخلي لا يعبرن عنه في سلوكهنّ". وقد قال العالم النفساني الألماني الشهير جانغ إن "اللاوعي هو كيان محافظ جدّاً، ذلك أنه تكون عبر عشرة ملايين سنة والألعاب التي تم اختراعها من قِبل رجال اليوم، ما هي إلا مرادف ما كان الإنسان يقوم به بالأمس، في عصر ما قبل التاريخ، وهو ملاحقة الحيوانات. بينما النساء كن يبقين غير بعيدات عن المغاور التي كانت بمثابة المنازل. ويمكن تفسير هذا التراث البيولوجي بأنّه اختلاف في السلوك، فالرجال يتصرفون أكثر مما يتكلمون، وهذه هي طريقتهم في التعبير، بينماء النساء يستعملن الكلمات بشكل أفضل للتعبير عن أنفسهن".   - تغير الدور: إذا كانت المرأة لا تتواصل مع الطفلة الكامنة في داخلها عن طريق اللعب، فكيف تفعل ذلك إذن؟ تقول السيدة كلوي، محامية في 32 من عمرها: "أذهب كل سبت إلى نادٍ أمارس فيه رقصة السالسا المفضلة لدي، وأقضي المساء كله هناك. أحياناً يذهب معي زوجي، وأحياناً يفضل البقاء في البيت. أشعر بحاجة ملحة إلى الذهاب إلى هناك". وتضيف: "عندما أرقص أنسى كل شيء وأشعر بأنني أتجدد وأولد من جديد وبنفس جديد. أنا الآن حامل في الشهر السادس، وأكبر مخاوفي الآن هي كيف سيمكنني أن أتحمل عدم الذهاب إلى هناك في الأسابيع الأولى بعد الولادة". يوضح جيل فورمي، وهو طبيب ومحلل نفسي، سلوك كلوي أكثر قائلاً: "في عملية اللعب هذه، يتشبه كل واحد من الاثنين، الرجل والمرأة، بالشخص البالغ من جنسه نفسه". ويضيف: "لهذا، نجد الفتيات ميالات أكثر إلى اللعب بالدمى، بينما الأولاد ميالون إلى اللعب بكرة القدم أو السيارات الصغيرة، ولاحقاً، بعد أن يكبرا ويصبح الولد رجلاً، فإنّه عندما يلعب كرة القدم فإن هذا يبقى بالنسبة إليه لعباً. أمّا المرأة، فإنّها عندما تهتم بأمور المنزل أو تربي الأطفال، فإن ما كان بالنسبة إليها لعبة في الماضيب، تحول عندما كبرت إلى وظيفة. وأيضاً فإنّ المرأة عندما تريد أن تواصل مع الطفلة في داخلها، فإنّها تتجه إلى الأنشطة التي تمكنها من تغيير دورها، فتمارس أي هواية أخرى، مثل المسرح أو الرسم أو الرقص وغيرها، حيث تجد في ذلك طريقة لنسيان الحياة اليومية ومسؤولياتها، وهذا هو نفسه ما يقدمه اللعب للأطفال".   - الاستمتاع باللحظة: في النهاية، ما معنى التواصل مع الطفل في داخلنا إذا لم يكن هو التخلص لبرهة من الماضي والحاضر وعيش اللحظة فقط؟ في الماضي، كان الإغريق يميزون بين نوعين من الأوقات، الأوّل يسمونه "خرونوس" وهو الوقت الاجتماعي الذي يقضيه المرء في ممارسة أنشطة تدر عليه دخلاً كوظيفة أو مهنة يكسب منها قوته. والثاني سموه "كايروس"، وهو اللحظات التي يعيشها الإنسان فقط ليستمتع بها ليس أكثر. وهذا النوع الثاني من الأوقات، هو الذي يظهر فيه ما يسمى الطفل الداخلي في كل واحد منا. وتقول الأخصائية النفسية ماري لور كولونا: "لدى النساء قدرة كبيرة على الانفصال عن الوقت الكرونولوجي. فهنّ يعرفن كيف ينتقلن إلى عالم الأحلام الجميلة من مجرد ضوء خافت وباقة ورد أو قطعة مخمل، من دون أن يفكرن في أن يتملكنها إلى الأبد. هذه الموهبة هي مصدر مهم للطاقة عند الإناث لا مثيل له". هذه الطاقة، هي ما يميز الشخص المتصابي عن الشخص الطفولي، أي الذي يتواصل مع الطفل الكامن في داخله. وهناك نساء كثيرات يشكون سلوكيات أزواجهنّ الطفولية مع أطفالهم، لكن جيل فورمي يذكرنا هنا بأنه "من المهم أن لا تصدر النساء أحكاماً قيمة على الرجال وينتقدنهم، أو بالأحرى أن لا تحكم الأُمّهات على سلوكيات الآباء، فهنّ لا يعرفن أنّ الرجال بحكم طبيعتهم، هم في حاجة إلى أن يلعبوا مع أطفالكم كما مع أصدقائهم، وذلك ببساطة لأنّهم يتكلمون أقل من النساء، ولدى الرجال معرفة "غير كلامية" ثمينة ينقلونها إلى أطفالهم عن طريق اللعب". في هذا المجال، أكثر من أي مجال آخر، نلاحظ، كم أنّ الرجال مختلفون عن النساء، أو الذكور عن الإناث في طريقة فهمهم وتعبيرهم عن الأشياء. ولكن المهم هو أن ينجح كل واحد منهم في أن يتواصل مع الطفل الموجود في داخله وألا يقمعه ولا يضيعه. "فأن يضيع الإنسان الطفل الموجود في داخله معناه أن يفقد جذوره وأن يفقد طعم الحياة"، كما تقول ماري لوركولونا، مضيفة: "هذا الطفل الداخلي، هو صاحب كل الإبداعات التي ننتجها في حياتنا، وهو الذي يجعلنا بين الفينة والأخرى نركز على اللحظة التي نمر بها، لكي نستخلص منها رحيقها ونعيش متعتها".

ارسال التعليق

Top