• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لنعش دائماً بخُلق الأمل والتفاؤل

عمرو خالد

لنعش دائماً بخُلق الأمل والتفاؤل

◄كيف تنظر إلى الحياة، وكيف تفكِّر في الغد؟ هل أنت متفائل وينعكس هذا التفاؤل على كلّ تصرفاتك في الحياة، أم العكس؟

خُلق الأمل والتفاؤل من الأخلاق التي تساعد على الشعور بالسعادة للفرد نفسه، وللمجتمع من حوله، لأنّه خُلق وشعور تصدر عنه تصرّفات الإنسان في الحياة. وتبدو الحياة سهلة وبسيطة مع تحقّق هذا الخُلق، لأنّ الإنسان المتفائل والمفعم بالأمل، يرى كلّ الكون باعثاً على الأمل. فكلّ زهرة تتفتح في الكون أمل، وكلّ شجرة تُسقى أمل، وكلّ كتاب يُقرأ أمل، وكلّ سجدة مصدر للأمل.

تعالَ نعش معاً بهذا الخُلق كلّ يوم، وكلّ لحظة، دائماً نردد معاً ونقول معاً: أنا متفائل، ولا أحب اليأس، لأنّ اليأس شعور وخُلق خطير جدّاً، ومن خطورته أنّه يُزعزع الثقة بالله، وعقيدة القضاء والقدر يصيبها الخلل في إحساس الناس، ومن خطورة اليأس أيضاً الشعور بالإحباط، وأن تفقد النفس عزيمتها على القوّة والحركة. كذلك يؤدي إلى فقدان الشعور بقيمة أي هدف تسعى وراءه، واليأس يفقدك الهمة العالية التي تطمح إليها.

فالأّمّة المنهزمة تكون فاشلة في كلّ شيء. وإذا نظرنا إلى العلماء، فنحن نحتاج إلى عشرين سنة حتى يأتي من عندنا مَن يحصل على جائزة نوبل، وهذا يعود لفقدان الأمل لدينا. فالأُمّة يائسة، وهذا اليأس يؤدي إلى عدم الإنتاج في كلّ المجالات، حتى في الأدب والرياضة. فأنت لا تجد أي فريق من كلّ بلادنا حصل على كأس العالم لكرة القدم.

فلماذا هكذا حال أُمّتنا؟ ولماذا لا يوجد لدينا متفوقون؟ الفشل عندما يسيطر يؤدي إلى إحباط، ويدبّ اليأس في كلّ أوصال الأُمّة، فيضيع الأمل، ولا تجد مَن يريد أن ينتج ويعمل ويتفوق، إلى أن تنهار الأُمّة.

لذلك، رأيت أنّه لابدّ أن أتكلم عن الأمل. والأمل هو الإيجابية التي تؤدي إلى العمل، وإلى الاقتناع بأنّ هناك فائدة، وأنّ الحلم لن ينهار.

هدفي أن يُزرع الأمل في النفس ويرسخ هذا المعنى.

أشعر بأنّ في داخلي طاقة، ودعوت الله أن يعينني لكي أستطيع أن أزرع الأمل في داخلكم. فتزيد الثقة بالله، وحسن الظنّ به، ويزداد الدُّعاء، فتأتي النتيجة ازدياداً في الحركة وازدياداً في الإنتاج. فالأمل طاقة دافعة للحركة وللإنتاج، والتغيير لا يتحقّق من دون الأمل، والثبات لا يتحقّق إلّا بالأمل، وأملنا في أنّ الله سيعزّنا ونعيش حياة كريمة، والأمل أن تكون أحوالنا أفضل، والأمل في أنّ المئة سنة الأخيرة التي مرت بها الأُمّة سيأتي بعدها نور وصبح وشمس.

وأريد أن أقول لكم أيضاً إنّ أكثر دين في الدنيا تكلم عن التبشير هو الإسلام. وكلمة البشرى لم يأتِ ذكرها في العديد من المرات كما في هذا الدِّين. وستجد كيف ذكرت في آيات كثيرة في القرآن. وكلمة البشرى تعني إدخال الفرحة على بشرة الوجه، فتجعل قسمات الوجه تنفرج وتسعد.

فانظر في القرآن: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) (البقرة/ 25). وفي أُولى سُور القرآن كذلك آية أخرى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (يونس/ 64). كذلك: (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) (آل عمران/ 170)، (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج/ 37)، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155). فستلاحظ دائماً في القرآن ذكر كلمة "البشرى": (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (عبس/ 38-39). فأكثر من 60 آية في القرآن الكريم تتكلم عن البشرى. ثمّ ستجد شيئاً آخر عجيباً وهو معنى البشرية. وكما قال الله: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) (ص/ 71). فالأصل في البشرية أنّ عندها "استبشاراً". ولنلاحظ التشابه في الكلمتين: "البشرية" و"البشرى".

فالأصل فينا الأمل، وكلمة البشرى في ديننا هي كلمة أصيلة.. فهذه طبيعة ديننا. فيجب أن تكون روحنا أيضاً مستبشرة. وأطلب من الشباب خاصّة: غيروا روحكم واغرسوا الأمل في أنفسكم.

فهذا الدِّين هو الأمل. لذلك، أنا أكلمكم عن الأمل وفي أحلك الظروف. وهل تدرون ما معنى كلمة "أمل" وما هو تفسيرها في أغلب المعاجم؟ إنّه: توقع حدوث شيء حسن في المستقبل يستبعد حصوله. فهذا هو الأمل.

فهل نحن نناقش قضية فيها ترف وبشرى وكلّها أشياء جميلة، أم نناقش قضية عقيدية، أي قضية عقيدة؟ والأمل، هل هو فرض أم أنّه فقط أمر جيِّد أن يكون عندنا أمل؟

هل تصدق أنّ الأمل فرض؟ فاستمع إلى الآية وماذا يقول فيها سيِّدنا يعقوب (ع): (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87).

فهل نتكلم في فرض أم عن أمر هو فقط من باب أنّه أمر حسن؟

يجب أن ننتبه لهذه الآية، وكيف أنّ الله سمّى مَن ييأس من روح الله بالقوم الكافرين. فالله عزّوجلّ، عندما خلق الأرض خلق معها مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة للأرض لجميع الخلائق، وادخر التسعة والتسعين رحمة. فرحمة الله واسعة. كذلك، وكما قال الله: "إنّ رحمتي سبقت غضبي"، كذلك قال الله: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام/ 54)، وأيضاً قال النبيّ (ص): "إنّ الله كتب تحت العرش كتاباً فهو موجود عنده إلى يوم القيامة: إنّ رحمتي سبقت غضبي". فالله رحيم بنا. ثمّ قال: "رحمتي وسعت كلّ شيء". فإذا أنت ساورك الشك في رحمة الله أو أصابك اليأس، أو قلت ليس هناك من فائدة وأنّ الله لن يعزّنا، فإن فقدت الأمل فأنت لديك مشكلة في فرض من فروض الإسلام.

فيجب أن نزرع الأمل، وهذه مسألة عقيدة. ويجب أن يرسخ الأمل بأنّ الله سيعز هذا الدِّين، ويجب أن نكون متأكدين من ذلك. فارفع رأسك واستبشر وانشر في وجهك الأمل، واعمل على ألا تكون دموعك دموع خوف ويأس، بل أن تكون الدمعة حبّاً لإخوانك، وغيرة على إسلامك، ووراءها إيجابية وحسن ظنّ بالله وثقة بالله وأمل.

انظر إلى نبيّنا محمد (ص) كيف كان يزرع الأمل، وفي كلّ موقف. ولننتبه إلى أمر مهم، وهو أنّ النبيّ لم يتكلم عن الأمل إلّا في عز المحن، وهذا المعنى خطير، وكأنّ كلامه موجه إلينا ويقول لنا: أنا لا أحب أن أتكلم عن الأمل إلّا في أوقات الشدّة التي تمرّ بها الأُمّة، وذلك لأنّه في هذا الوقت سيظهر المؤمن الجاد والمتمسك بالأمل، والإنسان البعيد عن الله سيفقد الأمل. والمؤمن، كلّما اشتد السواد، ازداد أمله في الله. ولن تنجلي الأزمة إلّا بأمر الله. وكما قال الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ) (النجم/ 58).

فهل لديك هذا الأمر وهذا الإحساس؟

فلنرَ كيفَ أنّ النبي (ص) يزرع الأمل.

فيا أيّها الشاب، ويا مَن تلعب الرياضة، اذهب وتفوق، ويجب أن يكون لديك الأمل، وبأنّك ستشارك في الأولمبياد وستحصل على الميدالية الذهبية.

وسأروي لكم الأحاديث عن الأمل رواها النبيّ (ص). وأنا عندما أعرض عليكم كيف كان عهد النبيّ، فأنا أريد من خلال ذلك رفع الروح المعنوية، وأن ترفع رأسك وأن تتحرّك، وأن تكون إيجابياً، وتأخذ بأيدي الناس، وأن تستبشر.

ارفع رأسك وازرع الأمل داخلك وتحرّك به. فهل رأينا كيف كان النبيّ يزرع الأمل في الصحابة؟

انظر إلى النبيّ (ص) في غزوة الخندق. فكان أن ضرب صخرة وهم محاصرون من عشرة آلاف، فخرجت من هذه الصخرة شرارة، فقال: "الله أكبر فتحت الرُّوم" في عز الأزمة يتحدَّث النبيّ عن الأمل. فالصحابة ينظر بعضهم إلى بعض، وكيف بهم وبالخوف الذي يحيط بهم، ثمّ ضرب النبيّ الصخرة مرة ثانية، فخرجت منها شرارة، فقال النبي: "الله أكبر فتحت فارس"، ثمّ في الضربة الثالثة تكسرت الصخرة.

فهل نرى كيف كان الأمل عند نبيّنا؟ وهل أنت لديك الإحساس بالأمل؟

انظر إلى النبيّ أيضاً وهو في طريق عودته من الطائف، وكان قد تعرض للأذى والضرب، ولم يؤمن من أهل الطائف أي أحد. فالدنيا كانت مظلمة في وجهه، وأتاه ملك الجبال وقال له: "يا محمّد، لو شئت أطبق عليهم الأخشبين". فرد النبيّ (ص) والدماء تسيل من قدميه: "لا.. عسى الله أن يخرج من أصلابهم مَن يعبد الله".

يقول أحد العلماء، وله كلمة جميلة: انظر إلى الأمل في حياة النبيّ، وبُعد نظر النبيّ وهو في أحلك الظروف وأشدّها، كيف يأمل بالله تعالى.

فهل لديك هذا الإحساس وهذا الأمل وهذا الإقبال؟

فلماذا لا نحلم؟ والأمل بدايته حلم، أن تحلم بأمر تريد أن يتحقّق، فتعيش من أجله، لابدّ أن يتحقّق بإذن الله.

فهيا معاً لنحيي خُلقاً عظيماً من أخلاق الإسلام، ولنجاهد أنفُسنا عليه لننال عظيم الأجر من الله تعالى.

وأخيراً، أكثر من دعاء النبيّ (ص): "واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلّا أنت، واصرف عني سيِّئها، لا يصرف عني سيِّئها إلّا أنت". ►

ارسال التعليق

Top