الفكرة المسيطرة عليه منذ أكثر من أسبوع هي أنّه سيموت قريباً، وهو لم يعش حياته بعد. لم يذق حلاوة الدنيا. منه لله، سعيد، خطيب ابنته. لم ينل من معرفته غير المصائب. تنهد وسحق عقب سيجارته. أشعل أخرى وقلب الولاعة بين أصابعه. بدأ كابوسه بعد الخطبة بأيام. حملق فيه خطيب ابنته. "عفوا يا حاج. ما هذا؟" أشار إلى رقبته. كانا يشربان الشاي في الحديقة. هو ينتظر إتصالاً من الشغل، وخطيب ابنته جاء ليصطحب البنت وأُمّها لإختيار ما تبقى من أثاث البيت. "هذه رقبتي. ما هذا السؤال؟" مد الملعون يده إليها، وجسها برفق: "أريدك أن تشرفني يا حاج في المستشفى. تحتاج لبعض الفحوصات...". ضحك رغم أن مزاجه لم يكن رائقاً تلك الصبيحة، وتناول علبة سجائره: "أنتم الأطباء مهووسون فعلا..." أجبرته ابنته وأُمّها على مرافقتهما إلى المستشفى. "ماذا ستسخر؟ ساعة فحوصات ترتاح بعدها..." يرتاح؟ سحق السيجارة الثانية قبل أن يكملها، ونقر بأصابعه بعصبية على الطاولة. أتته الأخبار في عز خناقة نارية بين البنت وخطيبها. أرادته أن يصرف ممرضة لم تتحمل قربها منه. حكت زوجته القصة له، وطلبت منه أن يتدخل ليجبر سعيداً على الإختيار بين ابنتها وخطافة الرجال التي تحوم حوله. "لقد رأيتها. إنّها أفعوان. لا أريد لإبنتي أن ترتبط برجل لا يعرف كيف يضع حدوداً للطامعين فيه..." حوثة نسوان لم يعرها إهتماماً. اتصل سعيد به في نفس اليوم. وطلب منه أن يعقل ابنته. رفض أن يتدخل. وصلت نتائج تحاليله وهما يتناقشان. صمت سعيد طويلاً، ثمّ أخبره. "لديك ورم سرطاني، في مرحلة متقدمة، يجب أن ترى طبيباً مختصاً". قطع المكالمة. ولم ينم تلك الليلة. هرب إلى طنجة. قطع كل إتصالاته بالعالم. لم ير الطبيب المختص. ماذا سيفعل له، ما دامت أيامه الباقية مسحوبة؟ إنها النهاية. سيرحل. تناول هاتفه المغلق منذ أيام، وركب رقم البيت. "سامحك الله يا حاج، قلبنا الدنيا بحثاً عنك. أين أنت؟ أبلغنا الشرطة دعني أشرح لك... سعيد أخطأ، أبلغك بنتيجة تحاليل شخص آخر... أنت بخير. ولا تشكو من أي ورم..." قطع الخط وقلبه يدق بعنف. نظر إلى السيجارة في يده. رماها وكأنّها جمرة حارقة. غطى عينيه الدامعتين بكفيه. وبكى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق