الإخاء في الإسلام هو اللبنة الأولى التي أقامها وغرسها سيِّد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في بنائه للمجتمع الإسلامي الأوّل في المدينة المنوّرة عند الهجرة، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، وبلغ هذا الإخاء درجة عالية في الإيثار فآثر الأنصار المهاجرين على أنفسهم في كلّ ما يحتاجون إليه، يقول الله عزّوجلّ عنهم في كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9). لقد ثبّت الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قاعدة الأمن والاستقرار في المجتمع بقوله: «إنّ المسلم أخو المسلم، لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله إلّا بطيبة نفسه». ويقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» وفي حديث آخر يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا وكونوا عباد الله إخواناً». جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الحث والتأكيد على طلب المؤاخاة قوله: «واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإنّ الله عزّوجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم»، فنِعمة مصادقة الأخوان هي نِعمة إلهية لا مثيل لها على الإطلاق.
هذا الإخاء كان إسلامياً وإنسانياً وشاملاً، وكان في سموه وكماله يشمل كلّ أفراد المجتمع الإسلامي، إذ عاش المسلمون في جو هذا الإخاء متعاونين، وكان كلّ فرد يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. أراد الله سبحانه وتعالى للمجتمع، أن يعيش أفراده على أساس أن يكونوا متآخين، متعاونين، متفاهمين، متناصرين، ولذلك أكّد تعالى المبدأ الذي يربط الإنسان المؤمن بأخيه المؤمن، وهو مبدأ الأخوّة بين المؤمنين، لأنّ علاقة المؤمن بالمؤمن الآخر، هي علاقة يرعاها الله وتتّصل به. إنّ الإيمان بالله وبرسوله وبدينه، هو الذي يربط المؤمن بالمؤمن، وربما يكون أقوى من علاقة الأخوّة النسبية، لأنّ العلاقة النسبية هي علاقة الدّم من خلال القرابة، بينما العلاقة الإيمانية هي علاقة تشمل حياة الإنسان المؤمن في التزاماته العقلية والروحية وحركته العملية، فهي أخوّة تجعل المؤمن ملتصقاً التصاق الكيان بالإنسان الآخر. وعلى هذا الأساس جعل الله مسؤولية على المؤمن للمؤمن من الآخر، فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10)، فالإسلام يهتم بالمجتمع، ويضع الأُسس الثابتة التي يقوم عليها بنيانه، والخطوط العريضة التي تصون كيانه، وتحفظه من التصدع والسقوط. يشرع الخالق الوقاية التي تدرأ عن الإسلام سوء العاقبة إذا حصل الخلاف أو النزاع فيما بينهم، يقول الله عزّوجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) (النِّساء/ 59)، وبهذا التحكيم يتحقق العدل والخير ويضمن العاقبة الطيبة والعلاج الناجح للمشكلة. تلك هي مبادئ الأخوة في الإسلام بصورة فاضلة تظهر فيه مدى علاقة الأخ المسلم بأخيه المسلم كما تضمن سلامة الوحدة الإسلامية وتجسيدها وهي من دعائم الوحدة الإسلامية.
فلابدّ لنا كمؤمنين أن نعيش هذه الأخوّة الإيمانية كأساس وقاعدة، وأن نطرح كلّ العلاقات الأخرى جانباً. فهناك علاقات عائلية يختلف فيها النّاس، وهناك علاقات قومية يختلف فيها النّاس، وهناك علاقات عرقية يختلف فيها النّاس. لذلك تعالوا من جديد حتى نتآخى في الله في الدنيا، وقد سمعناه تعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10)، وقد سمعنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «مَن أصبح لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق