◄إذا كان النجاح وتحقيق الأهداف هو الأمل المنشود من بناء أي مؤسسة أو منظمة، فإن هذه هي الخطوة الأولى التي يؤيدها علم الإدارة ويؤكد عليها.
لكن النجاح في تحقيق الأهداف يعتمد أساساً على مستوى أداء الكادر البشري في المؤسسة ومدى تحقيق هذا الأداء لأهدافها، وبناء على ما تقدم تقوم المؤسسات في العادة بخطوات احترازية لتفادي أي خلل متوقع في أداء موظفيها مستقبلاً، ومن هذه الخطوات على سبيل المثال:
- اختيار الموظف الكفء من البداية. - تدريب الموظفين القدامى والجدد وتأهيلهم. - وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. - تحليل العمل والوظائف بشكل دقيق. - وضع فترة تجريبية للموظف الجديد.وغير ذلك كثير.. ولكن مع هذه الاحتياطات وغيرها هل يمكن أن نضمن النجاح وارتقاء الأداء إلى مستوى تحقيق الأهداف؟ الجواب: لا وألف لا.
إذن أين الحل؟أمام هذا المنعطف الخطير الذي قد يهوي بالمؤسسة أو يرتقي بها لم يقف علماء الإدارة مكتوفي الأيدي بل قاموا بالبحث والتقصي عن العلاج الشافي، وأخيراً وجدوا أنّ العوامل والخطوات المذكورة سابقاً ما هي إلا مجموعة من الإجراءات التي يمكن اعتبارها أسساً ومعايير لقياس قدرة الموظف على العمل، ولكن لا يوجد أي عامل أو إجراء يبحث في مدى استعداد هذا الموظف للعمل، أو رغبته فيه، وتعبير الرغبة هنا هو التعبير الإداري الأدق والأصح.
فمن الممكن جدّاً أن يكون الموظف صاحب قدرة ممتازة ومؤهلات علمية وفنية عالية ولكن لا توجد عنده رغبة داخلية وحقيقية تجاه العمل الذي يمارسه، وهذا الأمر سوف ينعكس سلباً على المؤسسة ومدى تحقق الأهداف التي تنشدها.
الخبرة، المعرفة، المؤهلات، المهارات، هذه العوامل يمكن أن تجتمع لتلعب دوراً حيوياً في إفراز الحد الأدنى من الجهد المطلوب لتحقيق أهداف المؤسسة، أما إذا توافر عامل الرغبة فسوف يصل بالجهد البشري المقرون إلى حده الأقصى.
ومن هنا تبرز أهمية مبدأ التحفيز في العمل الإداري، هذا المبدأ الذي يعمل على توليد أو صناعة الرغبة الحقيقية في العمل، والتي إذا ما اتحدت مع طاقة الموظف وقدرته في تفاعل كيميائي ستكون النتيجة كالتالي:
تزايد قدرة الموظف وطاقته "الرغبة في العمل" وتزايد الكفاءة "تحقيق أهداف المؤسسة".
والكفاءة المطلوبة هنا هي عين الكفاءة التي طالبنا بها رسول الله (ص) في الحديث الشريف إذ يقول: "إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
إنّ نظرية التحفيز قائمة على اعتبار السبب الذي خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لأجله ألا وهو استعمار الأرض وبناء الحضارات المختلفة مصداقاً لقول الله: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود/ 61)، وهذا الأمر يتطلب جهداً بشرياً عظيماً ليصل إلى درجة الكفاءة، الأمر الذي جعل علماء الإدارة ينظرون إلى الإنسان على أنّه عبارة عن حقل خصب مليء بالطاقات والقدرات الكامنة والتي لا تحتاج إلا لحوافز مناسبة لاستخراجها.
- الجهد البشري.. أهداف المنظمة وحاجات الموظف كإنسان:
عناصر ثلاثة هي المحاور الأساسية لنظرية التحفيز، والتي وصلنا بها إلى مرتبة التوازن فيما بينها فإننا نكون قد وجهنا السلوك البشري للموظف نحو الطريق الصحيح باستخدام مبدأ التغذية الأمامية قبل أن نضطر إلى تعديل السلوك عن طريق مبدأ التغذية الرجعية.
ومن أبرز العلماء الذين كتبوا في مجال التحفيز العالم المشهور أبرهام ماسلو الذي سطّر نظرية في عام 1960م يمكن توضيحها بالشكل المرفق.
قام ماسلو بترتيب الحاجات البشرية التي لا غنى لإنسان ترتيباً منظماً حسب الأولوية وحسب الحاجات وهي تبدأ من الحاجات الأساسية مثل الطعام والملجأ حتى تصل إلى الحاجة إلى الاحترام وتحقيق الذات، وكلما أشبعت حاجة لديه بدأ يتطلع إلى التي تليها. إنّ إشباع أي حاجة هو درجة من درجات التحفيز إلى أن يصل الأمر بالإنسان إلى مرحلة الشعور بالرضا بعد أن يصل إلى القمة، وهذا هو التحفيز المطلوب الذي يمكن عنده أن يقدم الموظف أقصى ما لديه من طاقة وجهد لصالح تحقيق الأهداف المنشودة.
يعتبر ماسلو وجود أي حاجة غير ملباة من الحاجات المذكورة في الهرم مصدراً للتوتر والانزعاج وقد يصل الأمر إلى مرحلة القلق والخوف وعند هذه المرحلة، سوف يكون الموظف في حالة اضطراب نفسي يتعذر عليه عندها تقديم حتى أدنى درجات الجهد لصالح تقحيق أهداف العمل، ومن هنا يبدأ النقص والخسارة والتراجع إلى الخلف.
ومن المؤسف أن نقول إنّ كثيراً من الإدارات العليا تحديداً لا تبالي بالحاجات البشرية لموظفيها وتعتبر هذا الأمر شأناً داخلياً لا علاقة له بالعمل وهو في حقيقة الأمر من صلبه، فمهمة الإدارة العليا الأساسية ليست التوقيع على الشبكات أو محاسبة الأفراد والتفتيش عليهم، بل البحث عن الوسائل التي تساعد على استخراج طاقات موظفيها لصالح المصلحة العامة، ونظرية التحفيز الإداري تتصدر هذا الأمر، حتى يبقى الموظفون دائماً في حالة تحفيز وعطاء وإنجاز.
ومن أبرز المآسي التي نعيشها في ممارسة العمل الإداري عدم تلبية الحاجة إلى الاحترام وتحقيق الذات عند الموظف وهما الحاجتان اللتان تربعتا على قمة الهرم في نظرية ماسلو، بحيث أصبح من مدلولات هذا الأمر في عصرنا الحاضر هجرة أصحاب العقول المتميزة والذكية إلى بلاد الغرب بحثاً عن الكم المناسب من الاحترام والتقدير وتحقيق الذات الذي لا يجدونه في أوطانهم، فهل لنا أن نتخيل كم تخسر الأُمّة بهجرة الصف الأوّل من أبنائها بسبب ممارسات إدارية خاطئة وعدم اتباع الأسس العلمية في العملية الإدارية.
في الوقت الذي لا تكف فيه ألسنتنا وأيدينا عن النيل من الخدم المساكين في البيت أو حتى الطبقة المثقفة من الموظفين في المكتب نجد الغرب يشرع قوانين لحماية حقوق الإنسان المعنوية قبل المادية ويبني حضارته على أساس ذلك.
ونحن هنا لا ندعو لاتباع الغرب بل نوجه دعوة صادقة لاتباع أصول الإدارة الإسلامية، يكفي أن نذكر هنا ما قاله أنس بن مالك – خادم الرسول (ص) – إذ يقول: "خدمت الرسول (ص) عشر سنين لا والله ما سبني سبة قط ولا قال لي أف قط ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته"، ولا يظن مخطئ أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان منشغلاً بالدعوة عن الرقابة الإدارية، ولكنه كان يمارس أصول الإدارة الإسلامية المبنية على احترام الإنسان وحقوقه، وبهذا استطاع (ص) أن يشيد بنيان حضارة الإسلام الشامخة بجهود صحابته وطاقاتهم التي علمه الله سبحانه وتعالى كيف يستخرجها ويسخرها بعد ذلك لخدمة دين الله.
إنّ الحضارة لا تبني إلا مع الرعية وباقتناعها، فعندما يتحرك الموظف نحو مؤسسته وهو يحمل في طيات نفسه الرغبة الحقيقية في العمل والإنتاج والعطاء، فإنّه سوف يلعب دوراً حقيقياً كذلك في بناء حضارة أمته من خلال مؤسسته، وقس على ذلك الطالب في جامعته أو مدرسته، والطبيب في مستشفاه أو الأُم في بيتها... إلخ.
إنّ التحدي الموجود أمامنا يتعلق بإيجاد روح الرغبة الحقيقية عند الأفراد وصناعتها إذا أردنا بناء حضارتنا من جديد.
إنّ سياسة الدفع من الخلف التي تنتهجها مؤسساتنا وجامعاتنا ومدارسنا ومنازلنا هي التي جعلتنا نسير إلى الأمام ولكن في مجال التخلف والضعف.
إنّ إفراز نظرية التحفيز للرغبة الحقيقية في العمل والأداء وفي ظل وجود نوع من الحرية "كعامل مساعد" فإن تفاعلاً سوف يحدث لينتج لنا تفكيراً إبداعياً يقودنا خطوة إلى الأمام في درب التقدم الحضاري المنشود، فهل نبدأ المسير؟►
تحقيق الذاتاكتساب خبرة ومهارة كافية، إضافة إلى شيء جديد للمؤسسة، التوريث للآخرين، النجاح
الحاجة إلى الإحترامالمسمى الوظيفي، الحصول على ترقية، الحرية في العمل، أثاث مكتبي جيِّد، حسن المعاملة، التقدير المعنوي من قِبَل المسؤول المباشر
وجود روابط اجتماعيةالعمل بروح الفريق، علاقات ودية وإنسانية داخل وخارج دائرة العمل، الضمان
تلبية الحاجة إلى الأمن والسلامةالإستقرار الوظيفي، الحماية من الأخطار، بيئة عمل نظيفة وصحية
توفير الحاجات الأساسية لحياة الإنسان الطعام، اللباس، الملجأ، الصحة، التعليم... إلخمقالات ذات صلة
ارسال التعليق