◄النشاط المتواصل هو عبارة عن الجهد المستمر الذي يبذله الشخص لإنجاز أعماله وتحقيق أهدافه في الحياة، وبعبارة أخرى هو: الفاعلية والإنتاجية التي يسعى الفرد لتحقيقها.
وهو من أهم المقومات الرئيسة للنجاح، إذ لا يمكن إنجاز أي عمل بدون فاعلية، وبدون نشاط، وبدون فعل، وعليه ندرك هذه الحقيقة وهي: أنّ النجاح لا يولد من فراغ.
فالناجحون في الحياة يتمتعون بطاقة هائلة من النشاط، هذه الطاقة هي التي تصنع النجاح.
واللهُ سبحانه وتعالى يحثّ على العمل والإنتاج، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 10).
فبقدر ما يعمل الإنسان ينتج، وبقدر ما ينتج ينجح، فالنجاح لا يتحقق بالأماني والآمال والأحلام، وإنما بالمزيد من العمل، بالمزيد من النشاط، بالمزيد من الإنتاج.
وكما يقول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
صناعة المستحيل:
وهل يمكن صناعة المستحيل؟!
أجل...!
لا مستحيل – في الواقع – أمام قدرات الإنسان الهائلة..
فهذا الإنسان هو نفسه الذي وضع رجليه على الفضاء...
وهو الذي ابتكر أعظم العقول الإلكترونية..
وهو الذي استطاع أن يطوّع الطبيعة لصالحه...
وهو الذي صنع الحضارات العملاقة...
إنّه الإنسان.. الذي زوّده الله عزّ وجلّ بكل مؤهلات الحضارة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل/ 18).
الإنسان إذن.. لديه الكثير من القدرات، يستطيع من خلالها أن يصنع المستحيل – إن صح التعبير – بشرط واحد هو أن يسعى ويعمل ويجد في سبيل ذلك.
"وفي مجتمعنا الحاضر تواجهنا مسائل وقضايا لا سبيل إلى حلّها بالنظريات، فالرجال العمليون هم وحدهم القادرون على التصدي لها ومعالجتها، وعظماء التاريخ الذي أدهشوا العالم كانوا يمتازون بنشاطهم الجمّ.
إنّك مؤهل لأن تكون قطباً من الأقطاب إذا عرفت كيف تستغلّ مواردك وتنظم جهودك فأنت قادر على الخلق والإنتاج".
"ولولا النشاط والعمل الدؤوب لما استطاع أديسون أن يعمل خمسين عاماً في اختراعات مختلفة حتى سجل (1033) اختراعاً عندما كان عمره يناهز الواحد والستين عاماً.
وقد كان لشدة حماس هذا المخترع أن مرَّ أحد أصدقائه يوماً في ساعة متأخرة من الليل بمختبره فرأى فيه نوراً فصعد السلالم، ودخل فوجده مكبّاً على بحث معضلة عويصة. فقال: هلو توم، ألا تنوي أن تؤوب إلى دارك؟
فقال أديسون وكأنّه يفيق من غيبوبة: ما الساعة؟
فقال صاحبه: تجاوزت منتصف الليل.
فقال أديسون: آه، نعم لابدّ من الأوبة فإنني تزوجت اليوم..!!".
قد تُدهش من تصرف أديسون هذا، ومعك حق في ذلك، ولكن هل كان بإمكانه أن يحقق كلّ هذه الاختراعات لولا هذا النشاط المتواصل؟
إنّ النشاط والجد والمثابرة هي القادرة على أن تجعلك أحد عظماء عصرك، يقول العالم النفساني الشهير وليم جيمس: "ليتجنب كلّ شاب القلق بشأن نجاحه، فمهما يكن نوع تعليمه، فإنّه إذا بقي مثابراً في كلّ ساعة من يوم عمله، يمكنه أن يترك النتيجة الأخيرة تصنع نفسها، وهو يستطيع بالتأكيد، أن يتوقع أن يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه واحداً من رواد عصره في أي مجال يختاره".
والإسلام يحثّ على العمل والنشاط، وينهى عن الكسل والعجز والتواني، فقد ورد عن الرسول محمّد (ص): "إنّ اللهَ يحبُّ العبدَ المُحتَرِف" وقال (ص): "إنّ الله تعالى يبغضُ العبدَ الصحيحَ الفارغ". وورد في الأثر.. أنّ الرسول (ص) كان جالساً مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى، فقالوا: ويح هذا، لو كان شبابه وجلده في سبيل الله، فقال (ص): "لا تقولوا هذا، فإنّه إن كان يسعى على نفسه ليكفيها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله! وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثراً فهو في سبيل الشيطان".
وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105)، هذه هي تعاليم الإسلام تدعو المسلم للعمل والنشاط والإنتاج.
حاربوا الكسل:
الكسل آفة النجاح، وهو وباء فتّاك، يفتك بكل من يصيبه، فيجعله عاجزاً عن تحمل مسؤولياته كإنسان، وفاشلاً في تكوين مستقبله ككيان مستقل، ومنهزماً أمام تحديات الحياة.. ومن هنا نستنتج ضرورة شن حرب لا هوادة فيها ضد الكسل!
"إنّ التقارير التي تثبت انتشار الكسل بين أطفال اليوم تبعث على كثير من الدهشة والعجب، لقد درس ب. ب. بلونسكي في عام 1929م طلاب اثنين وأربعين صفاً من مدارس موسكو فوجد أن واحداً من كل ثمانية أطفال كسول، وهذا يعني أن أكثر من عشرة بالمائة من تلاميذ المدارس كسالى، والحق أن ثمانين بالمائة من هؤلاء قد أنكروا أنهم متراخون مهملون، بالرغم من البراهين القوية التي أثبتت تراخيهم وإهمالهم.
وقد وجد أن 4 بالمائة من بين الطالبات كن كسالى بصورة لا تدع مجالاً للشك، ولكن تسعة عشر، وثلاثة أعشار بالمائة من الطلاب وجدوا كسالى بصورة واضحة صريحة.
إنّ الأرقام الصحيحة تظهر أنّ أربعة عشر بالمائة من الرجال، وتسعة بالمائة من النساء فيهم هذا النقص الإنساني في شكله الحاد".
ومما لا يدع مجالاً للشك.. ما نراه في واقعنا الاجتماعي من تزايد حالات الكسل، ومما ساهم في ارتفاع نسبة الكسل هو المدنية الحديثة، فبالرغم من كلّ الإيجابيات والإنجازات الباهرة التي قدمتها المدنية الحديثة للإنسان، إلّا أنّها في الوقت نفسه قللت من اعتماد الإنسان على نفسه، فلا يكاد المرء يستطيع أن يقطع خطوات معدودة بقدميه لأنّه اعتاد استخدام السيارة حتى للمسافات القصيرة جدّاً، هذا مثل بسيط وعليه قس بقية الأمثلة!
ولقد اعتبر الإسلام الكسل صفة ذميمة، فقد ذمّ الله عزّ وجلّ الكسالى في كتابه المجيد، قال تعالى: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة/ 54)، وقد كان الرسول (ص) يتعوّذ من الكسل ومن الجبن، فعن أنس: كان النبيّ (ص) يقول: "اللّهمّ إني أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل". وروي أيضاً أنّه (ص) كان يقول: "اللّهمّ إنِّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل" وقال عليّ (ع): "التواني مفتاح البؤس، وبالعجز والكسل تولدت الفاقة، ونتجت الهلكة، ومن لم يطلب لم يجد وأفضى إلى الفساد"، وقال بعض الحكماء: "الحركة بركة والتواني هلكة والكسل شؤم".
وقال الشاعر:
توكل على الرحمن في الأمر كله *** ولا ترغبن في العجز يوماً عن الطلبْ
ألم ترَ أنّ الله قال لمريم *** وهزي إليك الجذع يسّاقط الرطبْ
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه *** جنته ولكن كلّ رزق له سببْ
ومما يدلّك على أنّ الكسل صفة ذميمة، ونقيصة في الإنسان، أنّه لا أحد من الكسالى يرضى بأن يُوصم بالكسل! بل يندفع الكسول وكله غضب ليدافع عن نفسه دفاع المستميت!!
لقد سبب اتهام أحد اللاعبين بالكسل، أن فجرت فيه طاقاته الكامنة مما أهلته أن يكون نجم الفريق بلا منازع! فربَّ ضارة نافعة.
يقول أحد أبطال لعبة البايسبول في أمريكا عن قصة نجاحه: "بدأت حياتي العملية باحتراف لعبة البايسبول، غير أنني تلقيت أكبر صدمة في حياتي عندما كنت ألعب مع أحد الفرق، فقد كنت شاباً طموحاً، أريد بلوغ القمة، ولكن حدث أن طردت من اللعب، وكان من الممكن أن تتبدل حياتي لو لم أذهب إلى المدير وأسأله لم طردني!
قال المدير: إنّه طردني لأنّني كسول، كان هذا آخر سبب أتوقع سماعه منه، وقال: إنّك تجرّ نفسك في الملعب كأنك لاعب مخضرم قضى في اللعب عشرين عاماً، فلماذا تفعل ذلك إن لم تكن كسولاً؟
قلت: حسناً، ولكن في الحقيقة أنا عصبي يحاول السيطرة على خوفه أو إخفائه. عن أعين الجمهور فضلاً عن زملائي لاعبي الفريق، ومع هذا فإنّني أرجو أن أعالج الموضوع ببساطة لأتخلص من عصبيتي، قال: دعني أقول بصراحة إنّ هذا العلاج لن يجدي، وإنّه سبب فشلك، ولعل أول ما تفعله بعد ترك هذا الفريق هو أن توقظ نفسك، وأن تقبل على عملك بشيء من الحياة والحماسة.
بعد أسبوع استطعت أن أجد فرصة في فريق آخر في مدينة ثانية، ولم يكن أحد في ذلك الفريق يعرفني، ولهذا صممت على ألّا يتهمني أحد بالكسل، وقررت أن أقيم شهرتي على أنّني أكثر حماسة من أي لاعب، ذلك لأنني رأيت أنني إذا استطعت أن أقيم مثل هذه الشهرة فإنّي أستطيع أن أحافظ عليها.
ومنذ اللحظة التي ظهرت فيها بالملعب، لعبت كرجل به مس من الكهرباء، ولعبت كرجل يستمد حياته من مليون بطارية، فكنت ألقي الكرة بسرعة وقوة شديدة، ولو أنّني أصبت بضربة شمس في ذلك اليوم لما دهشت.
فهل كان لهذا النشاط والحماس أثر؟ نعم.. كان له فعل السحر فقد حدثت ثلاثة أمور:
1- تغلب حماستي على خوفي، وأصبحت عصبيتي في خدمتي فلعبت خيراً مما كنت أتصور.
2- أثرت حماستي في بقية زملائي من اللاعبين فلعبوا أيضاً بحماس.
3- زادتني حرارة اللعب حماساً أثناء اللعب وبعده.
4- شعرت بابتهاج عظيم في الصباح التالي عندما قرأت في إحدى الصحف الكبرى:
"هذا اللاعب الجديد شعلة من الحماس لقد ألهب فتياننا حماساً فلم يربحوا اللعب فحسب بل بدوا خيراً من أي وقت مرَّ بهم في هذا الموسم".
وبدأت الصحف تسميني حياة الفريق وأرسلت قصاصات الصحف إلى المدير الذي طردني، ويمكنك أن تتخيل تعبير وجهه وهو يقرأ أنباء الرجل الذي طرده منذ ثلاثة أسابيع بسبب كسله!.
إنّ اتهام هذا اللاعب بالكسل قد حوّله إلى نجم الفريق! وما ذاك إلّا لأنّه استنفر كلّ قواه من أجل التدليل على عدم صحة هذه الدعوى.
ولكن أليس من الأضل أن يبادر كلّ واحد منّا للاستفادة مما وهبه الله من مزايا وقدرات قبل أن يتهمه أحد بالكسل؟!
أعتقد أنّ الجواب سيكون: نعم...
إذن.. قرر من هذه اللحظة أن تشن حرباً ضروساً ضد الكسل، وليكن سلاحك النشاط، والمثابرة، والجدية، والإرادة.. وكلّ الأسلحة الممكنة! ►
المصدر: كتاب الشخصية الناجحة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق