في كلّ العائلات يختلف الأهل ويتخاصمون. والأسباب التي تؤدي إلى الخلافات كثيرة منها الضغط النفسي أو الضيقة الاقصادية، الطباع المختلفة، العمل المتعب، الأفكار المتناقضة وحتى كيفية تربية الأبناء فيكون الأولاد نفسهم سبب خلاف الأهل.
في الواقع الخلافات بين الزوجين هي دليل صحة بطريقة أو بأخرى، إذ تعكس حياة وتفاعلاً بين الشريكين بعيداً من اللامبالاة التي تصيب بعض الثنائيات الذين يصلون إلى حد اليأس من التواصل مع بعضهم البعض فنراهم غير مهتمين بما يحصل مع الشريك، وبالتالي تدخل العلاقة بحالة ركود وفتور فتظن أنها هادئة في الظاهر إنما في الباطن هي دليل تفكك. لكن واقع الأم التي تصرخ بشكل دائم والأهل الذين يختلفون بشكل مستمر لا يشكل الصورة المثالية للأهل الصارمين في التربية والذين يريدون تمرير مبادئ التفهم لأبنائهم.
إن الأبناء يتأثرون كثيراً بأصوات الصراخ التي يطلقها الأهل، وبطبيعة الحال فالأبناء الأصغر هم الأكثر حساسية على الخلافات فهم يتأثرون كثيراً بأصوات الصراخ ويرتعبون منها أكثر بكثير مما يتفاعلون مع مضمون الرسالة الموجهة.
لدرجة أن الابن الصغير يستطيع أن يعرف من نبرة صوة الأم أو الأب إذا كانوا متشنجين أم غاضمبين أم أنهم بمزاج سيئ، وبطبيعة الحال يتفاعلون معها. إن نظرنا إلى عيون الطفل، نكتشف أنه يعتبر أصوات صراخ الأهل بمثابة خرق من العالم الخارجي لعالمه الداخلي، وبالتالي يشكل ذلك حالة قلق كبيرة وحالة حزن شديد وخوف وارتعاب وشعور بعدم الأمان من دون إدراك الأسباب الرئيسة لخروج الأهل عن السيطرة. وبالتالي كما سبق وقلنا أن هؤلاء الأولاد كلما كانوا بسن صغيرة زاد تأثرهم وتفاعلهم مع صراعات الأهل بسبب تدني نسبة الإدراك لديهم، وبالتالي حين يكبرون يكونون قد شكلوا حاجز دفاع نفسياً مرضياً تجاه كلّ المحفزات الخارجية.
هذه الخلافات الزوجية تؤثر في الأبناء أكثر بكثير من الأوقات التي يصرخون فيها مباشرة على الأولاد للتأنيب، فكلما كان أصغر أي تحت سن الثالثة فالولد قادر على إظهار عوارض نفس جسدية مثل الإسهال، الأرق، تبديل بنظام الغذاء وغيرها. وكلما كبر فوق سن الثالثة نراه يطور الكثير من عوارض القلق ليصل فيما بعد لتطوير هذه العوارض من قلة الثقة بالنفس والخوف أو العدائية والصراخ إلى تقليد تصرفات الأهل. بعض الأطفال يطورون حساسية زائدة على خلافات الأهل والبعض الآخر يبدأ بمراقبة الأهل فنراهم يلعبون لكنهم يتابعون تصرفات الأهل بشكل غير مباشر وعند أول صراخ يتوفقون عن اللعب وبما أن شخصيات الأطفال مختلفة نرى البعض منهم يهربون من الأهل حين يبدأون بالصراخ في حين يركض آخرون إلى حضنهم أما بعض الأطفال فنراهم يركضون باتجاه الطرف الذي يعتبرونه الأضعف بمحاولة لحمايته في حين يطور البعض الآخر رفضاً وكرهاً وخوفاً من الطرف الذي يعتبرونه الأكثر عنفاً.
أما بالسؤال عن تفاعل الأبناء أكثر أو أقل نظراً لفئة عمرية ينتمون إليها؟ فالجواب ليس محدداً فعلاً لأن الأمر مرتبط بعدة عوامل مثل نبرة الصوت، التكرار، العنف اللفظي حدة الخلاف، وحين يكون موضوعاً متكرراً للخلافات وأحياناً من دون حلول فيشعر الولد بذلك. ففي أغلب الأحيان العنصر الأهم ليس العمر بقدر ما هو نضج الولد وتكرار المشكلات ووجود أو غياب الحوار بينه وبين الأهل. وعلى الرغم من ذلك فيمكن اعتبار انه كلما كان الولد بسن أصغر كان أكثر حساسية وتأثراً وتشرباً لهذه المشكلات وتفاعلاً معها بالطرق غير الجيدة. في بعض المراحل العمرية التي يمر بها الأبناء مثل بين سن الثالثة تقريباً والثامنة يكون الأهل بالنسبة للأولاد بمثابة أشخاص مثاليين لا يتكررون ولا يمكن لأحد أن يشبههم، وبالتالي فالأهل هم مثاليون بنطرهم فهذه المرحلة هي مرحلة مؤثرة جداً بحياة الولد وتطبعه، لذا من الضروري التنبه لعدم زرع تناقص وأوهام في رأس الولد يحملها لسن الرشد.
ما من منزل يخلو من الخلافات فالأفضل أن يكون الأهل على حد من الوعي يجعلهم يختارون الوقت والمكان المناسبين للخلاف بعيداً عن أعين الأطفال لحمايتهم قدر المستطاع، وفي حال حصل الخلاف أمامهم فهو ليس نهاية العالم ولكن عليكم حصر الأضرار أمام الأبناء ومحاولة انتقاء الكلمات وعدم استخدام كلام مهين أمامهم، وفي حال حصل ذلك عليهم الشرح للابن أن الخلاف ليس خطراً وأن الأمور سوف تكون على ما يرام.
والأهم في كلّ ذلك في حال حصل خلاف أمام الأبناء فالأهل مسؤولون وملزمون أن يضعوا الأبناء بصورة المصالحة، لأنه حين يعيش الأبناء قلق الخلاف من حقهم أن يعيشوا طمأنينة البال بعد مصالحة الأهل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق