لا عمر للطموح!
كثير منَّا من لم تسعفه ظروفه حينها من تحقيق رغباته أو مواصلة مسيرته التعليميَّة، فتقطعت به السبل، وأصبح رهين ظرفه، لا يقوى على تحقيق رغباته، لكن تبقى العزيمة والإصرار، وقوة الإرادة، التي لا يحطمها تداول السنين، ولا يحدها عمر.
يقول نابليون: «الجندي الذي لا يطمح أن يكون جنرالاً في يوم من الأيام...لا فائدة منه».. فالطموح هو أحد المتغيرات ذات التأثير البالغ فيما يصدر عن الإنسان من نشاط، ولعل الكثير من إنجازاتنا يرجع إلى توافر القدر المناسب من الطموح وتطوره ونموه.
في هذا التحقيق يتحدث عدداً من الذين لم يستطيعوا إكمال دراستهم، وولجوا معترك الحياة العمليَّة، ثمَّ قرروا العودة مرة أخرى للانتظام في صفوف الدراسة، فهل كان ذلك رغبة في تحقيق طموح لطالما ظل يراودهم، أم هو واقع فرضته عليهم ظروف عملهم؟
أيمن باشا، (35 عاماً)، حاصل على الثانويَّة العامَّة، ومدير عمليات في أحد البنوك منذ عام 1996، قرر أخيراً الالتحاق بإحدى الجامعات (انتساب) قسم تنظيم وتطوير إداري، أوضح أنَّ قراره، وإنْ جاء متأخراً، كان بسبب نظام القبول الخاص بالجامعة، الذي كان محصوراً على خريجي الثانويَّة الذين لم يمض على تخرجهم أكثر من أربع سنوات.
وأضاف: بعد أن قررت تكملة دراستي، جاء تشجيع من حولي؛ ليكون له الأثر البالغ في مواصلة هذا المشوار، خاصة أنَّني دخلت في تحدٍّ مع بعضهم بأنني سوف أنال ما أصبو إليه رغم ظروف عملي، حيث إنني أعمل طيلة الأسبوع لأكثر من 11 ساعة يومياً، إلى جانب أعمالي الخاصة في فترة المساء، إلا أنَّ إرادتي وتصميمي وتركيزي على الهدف كانت سبب نجاحي ووصولي إلى مرادي.
ولم ينكر الباشا وجود من عارضوه وحاولوا تثبيط معنوياته، لكنَّه بدلاً من أن يستسلم لآرائهم السلبيَّة، وتعليقاتهم حول عمره، وبأنه لم ينجز ما لم يستطع إنجازه وهو أصغر سناً، أقنعهم بالالتحاق بالجامعة هم أيضاً، ما جعلهم يشكرونه فيما بعد، وقال: «الآن أشعر بسعادة حقيقيَّة، فأنا فخور بنفسي، فكوني كنت مديراً على أشخاص يمتلكون شهادات جامعيَّة، كان أمراً يضايقني، ولطالما رغبت في أن أتبوأ منصباً عالياً وشهادة جامعيَّة في الوقت ذاته، والآن بدأت أتحرر من هذا الضيق».
رغبة في التطوير
أما أحمد عبدالله القثمي، (37 عاماً)، حاصل على الثانويَّة العامَّة، ومدير علاقة عملاء بشركة اتصال مرموقة، فقرر هو وعدد من زملائه دراسة اللغة الإنجليزيَّة، لكن التزاماتهم في العمل حالت دون التحاقهم بمعهد لغة عالي المستوى. ولكن إصرارهم لم يفقدهم الأمل، فتوصلوا إلى مدرس لغة إنجليزيَّة بريطاني الجنسيَّة، ووضعوا خطة تدريس ثلاث مرات أسبوعياً في منازلهم. وعن سبب اتخاذ قرار تعلم اللغة الإنجليزيَّة يقول أحمد: «الوظيفة التي أعمل فيها تحتم عليَّ إتقان اللغة الإنجليزيَّة حتى أرتقي إلى أعلى المناصب، ولزيادة الانخراط بفاعليَّة وتميز في عالم الأعمال، كما أنَّ رغبتي الأكيدة في تطوير ذاتي كانت أكبر دافع لي في التعلم. وعن ردة فعل من حوله أوضح أنَّه عندما اتخذ هذا القرار لم يخبر أحداً سوى زوجته، التي كانت تشجعه دائماً، بل ونصحته بالابتعاد عن الأشخاص قليلي الهّمة والسلبيين.
وركز أحمد على أهميَّة الإرادة؛ كونها الدافع الذي تصنع به الأمم أمجادها، ناصحاً بالتقرب من الأشخاص الذين يمتلكون الهّمة العالية، التي أوصلتهم إلى ما يصبون إليه.
لم أعد أشعر بالخوف
وأوضح خالد غانم المري، (37 عاماً)، جامعي، مسؤول خدمة عملاء في إحدى شركات الاتصال، أنَّ تأخره في تعلم اللغة الإنجليزيَّة يرجع لأنَّه لم يكن يشعر بأولويتها؛ كونها ليست من متطلبات عمله السابق، أما الآن فمنصبه الحالي يلزمه إجادتها، فقرر هو وزملاؤه تلقي دروس منزليَّة.
ويقول: «كنت أشعر بالخوف من تلقي أي «إيميل» أو خطاب باللغة الإنجليزيَّة، والحمد لله اليوم وبعد إجادتي لها اختفى ذلك الشعور، بفضل الله ثمَّ الإرادة القويَّة وتشجيع من حولي، ناصحاً الشباب باستغلال الإجازات في تعلم ما هو مفيد، واغتنام الفرص وعدم تضييعها.
الزوج المتفهم
أما زهراء المعبي، التي أكملت دراستها العليا بعد أن تقاعدت مبكراً بسبب ظروف والدتها الصحيَّة، قبل وفاتها، كونها ابنتها الوحيدة، فقالت: «بعد وفاة والدتي شعرت بفراغ كبير، والتحقت بدورات تدريبيَّة في مجال الموارد البشريَّة حتى حصلت على شهادة (مدربة دوليَّة معتمدة)، والفضل في ذلك يعود لزوجي الذي كان يشجعني على ذلك وإكمال مسيرتي التعليميَّة، ثمَّ التحقت بعدها بالجامعة الأميركيَّة؛ لتكملة دراسة الماجستير والدكتوراه، بل وألّفت كتاباً عن التوجيه الأسري والنفسي.
وأضافت أنَّ الدعم الأسري ووجود الزوج المتفهم كانا أكبر حافز لها، وهو ما ساعدها على التوفيق ما بين دراستها وواجباتها العائليَّة.
طالبة صباحاً وصحافية ظهراً
وأكدت حياة الغامدي، (34 عاماً)، محررة صحافية بصحيفة الرياض، أن الطموح لا يقف عند أي ظروف، قائلة: «ارتبطت بزوج وأطفال، وأنا مازلت طالبة في المرحلة المتوسطة، وظروفي العائلية حالت دون إكمال تعليمي في السن القانونية، وعلى الرغم من كوني انقطعت عن التعليم نحو عشرة أعوام، إلا أن طموحي دفعني لأكمل ما أوقفته الظروف. أتممت دراستي الثانوية خلال ثلاثة أعوام متواصلة، كنت طالبة في الصباح، وأعمل صحافية بعد الظهر. تلقيت من عبارات السخرية ما يكفي من مديري تحرير كنت أعمل تحت إداراتهم، فكانوا دائماً يستهزئون بي بقولهم:
(يا التلميذة النجيبة).
والآن أصبحت في المستوى السادس، تخصص علم اجتماع. ووجدت زميلات دراسة في عمر والدتي، في العقد الخامس من أعمارهن يكملن البكالوريوس، واللواتي يستحققن بالفعل رفع القبعة، ولعل طموحاتهن العالية زادت من حماستي لتكملة دراساتي العليا. فأنا أطمح الآن لإكمال دراسة الماجستير في العلوم السياسية؛ عبر التقدم لبعثة خارجية.
قلة الطموح تعيق التعلم
المبتعث حالياً للدكتوراه في تعليم اللغات باستخدام التقنيات الحديثة في أستراليا، (وهو تخصص يدرس كيفية طرق التعلم في مخ الإنسان بطريقة علمية)، ومحاضر اللغة الإنجليزية بجامعة الملك عبدالعزيز، تركي السلمي، أكد أنه لا يوجد أي سبب للتخوف من التعلم بعد تعدي السن القانونية للتعلم. وأن التخوف هو أمر نفسي وليس علمياً، قائلاً: «جميع نظريات التعلم تتفق على تعريفه بأنه اكتساب معرفة، أو مهارة جديدة؛ عن طريق التجربة، والممارسة، أو التعليم، وبأن عملية التعلم ضرورية ومستمرة مع الإنسان إلى أن يموت، ولا يوجد ما يمنع القدرة على التعلم في أي عمر إلا ضعف الإرادة وقلة الطموح».
وأضاف موضحاً: «تختلف أنماط التعلم باختلاف الأعمار، ولكل مرحلة عمرية عوامل قوة وعوامل ضعف. ومقولة (العلم في الصغر كالنقش على الحجر) صحيحة إلى حد كبير، فالأطفال بحكم عدم امتلاكهم لأي خبرة في الحياة هم أكثر انفتاحاً وتقبلاً، ودافعهم للتعلم بالفطرة. ومن أهم طرق تعلمهم هي الأسئلة والأجوبة، الحفظ، التدريب. ويعتبر الدافع وقلة خبرة الطفل بالحياة من أهم أسباب سرعة تعلمهم.
وعلى الجانب الآخر نجد أن البالغين الذين هم في الغالب يملكون دافعاً أقل من الأطفال للتعلم، يعتمدون في تعلمهم على خبراتهم السابقة المتنوعة، والتي تتحكم في إستراتيجية تعلمهم، وذلك لا يقلل من سرعة تعلمهم، أو معالجتهم للمعلومات العلمية التي يحصلون عليها، بل بالعكس؛ البالغ قد يكون أفضل، وأسرع من الطفل في معالجة البيانات، وتذكر المعلومات في حال توافر الرغبة، والطموح، وقوة الإرادة.
وكلما زادت خبرة البالغ العلمية والعملية وقوة إرادته، كانت عملية التعلم أنشط. وقد يكون المتعلم نشيطاً ذهنياً إلى سن الستين على الأقل ـ كما ذكرت بعض الدراسات ـ ولهذا نجد التعليم الغربي يخلق عملية ترابط بين الخبرة، والمعلومات العلمية؛ لخلق معرفة جديدة، وثبت علمياً أن ذلك مهم لتعلم أطول وأقوى».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق