الكلمة هي الجسر الذي يعبر الإنسان من خلاله نحو الإنسان الآخر، وقد حدّثنا الله تعالى عن الأنبياء كلِّهم بأنّهم كانوا يطلقون الكلمة للناس فيقرّبوهم إلى الله، ويدفعونهم إلى أن يفكروا بعقولهم، وإلى أن ينفتحوا على المحبة، وكان شعار كلّ نبيّ لقومه قبل أن يعذّبهم الله نتيجة كفرهم، أو بعد أن يعذّبهم الله: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف/ 79). إنّ الكلمة نعمة مَيّز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات، لقد ميّزه بالكلمة المفهومة، وأمرنا بحسن انتقائها واستخدامها، قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء/ 53). وقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً) (الأحزاب/ 70-71).
وقد حدّثنا الله تعالى عن رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه كان ليّن القلب واللسان، فكانت كلماته الكلمات الليّنة التي لا قسوة فيها، لأنه كان نبيّ الرحمة لا نبيّ القسوة، وكانت رحمته للناس في قلبه كما كانت رحمته للناس في لسانه، وقد ورد: «الكلمة الطيبة صدقة»، فكما أنك تتصدّق على إنسان بمالٍ لتقضي حاجته، كذلك عندما تحدِّثه بالكلمة الطيبة، فإنك تتصدَّق عليه بإحسانك وشعورك، فتحلّ له مشكلته النفسية.
وقد منحنا الله نعمة النطق بالكلمات من أجل أن نستعملها في ما يرضيه عزّ وجلّ، وأن نسخِّرها في طاعته، وأن نُؤثِر الكلمة الطيبة على ما سواها. وجعل سبحانه النطق بالكلمة الطيبة وتحريرها من علامات رضوانه، وامتنّ بها على عباده المؤمنين بقوله سبحانه: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) (الحج/ 24). وهذه الكلمة محورها وشعارها قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم/ 24-25).
الكلمة.. مفتاح العلاقة مع الآخر
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء/ 53)، ويقول تعالى: (وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الحَمِيدِ) (الحج/ 24)، ويقول سبحانه: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة/ 83).
في هذه الآيات الكريمة، وفي الخطِّ الإسلامي في علاقة الإنسان بالإنسان، سواء كان قريباً أو بعيداً، لابدّ من أن ينطلق منه الكلام ليفتح عقل الآخر، أو ليفتح قلب الآخر، أو ليجذب حياة الآخر إليه، لأن الكلمة التي يتكلم بها الإنسان قد تكون كلمةً طيبةً تفتح للإنسان مشاعره وأحاسيسه، وتقرّبه إلى من يوجّه إليه الكلمة، وتجمع المجتمع في حالات الصراع والنزاع، وقد تكون كلمةً سيئةً في مضمونها، فتبعّد ولا تقرّب، وتفرّق ولا تجمع، وتغلق العقل وتمنعه من أن ينفتح على إيجابية التفكير، وتغلق القلب عن كل نبضات الخير، وتغلق الحياة عن كل علاقة الإنسان بالإنسان. وقد تحدَّث الله تعالى عن بعض الناس الذين يسيئون مسؤولية الكلمة، سواء أكانوا في بيوتهم أم في مجتمعاتهم، وهي كلمة الفحش. والفحش هو الكلام الذي يتجاوز الحدّ الإنساني والحدّ الطيّب والحسن، ويعرّفه اللغويون بأنَّه القبيح من القول، والفاحشة والفحشاء هي القبيح من الفعل، والمتفحّش هو الذي يتكلّف سبّ الناس، بحيث يكون ديدنه السباب، فيسبّ أولاده وزوجته وإخوانه وعمّاله وموظفيه والناس من حوله.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق