• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مع الإسلام.. أنت الرابح دائماً

أسرة البلاغ

مع الإسلام.. أنت الرابح دائماً

يُنشئُ هذا الكتاب الفرضية الآتية:

الإسلام كلّه ربح، وليس فيه أيّة خسارة، وحتى ما يبدو في الظاهر خسارة هو في حسابات الإسلام الدقيقة والعميقة ربح من لون آخر، أو قُل: خسارة تنطوي على أرباح!

هذا هو مجرّد زعمٌ وادّعاء، كيف لنا أن نثبت ذلك ونُبرهن عليه لتصدق مقولة الكتاب وتصحّ فرضيته؟ لهذا السؤال جوابان: (إجمالي) و(تفصيلي)، ويبقى الإجمالي افتراضياً أو بحاجة إلى مزيد من التحقيق حتى تأتي الإجابة التفصيلية أو التطبيقية لتحسم الجواب من مجرد عدد من الافتراضات إلى حقيقة مُدرَكة ملموسة؛ لكنّنا نادراً ما نتلمّسها، أو نجمع متناثرها لنُشكِّل من مجموعها صورة كلّية عن الربح الشامل في الإسلام.

 

أوّلاً – الإجابة الإجمالية:

قرآنياً، هناك أكثر من إشارة وفي غير موضع من القرآن إلى أنّ الله تعالى لا يترك عملاً صالحاً مهما كان صغيراً إلّا ويُثيب ويُكافئ عليه. يقول تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7). ويقول عزّوجلّ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) (النِّساء/ 40). والقرآن نفسه يفصّل أحياناً في مكان بعض ما أجمله في مكان آخر. يقول جلّ جلاله في الإثابة على كلّ عملٍ يُراد به وجهه (مرضاته): (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة/ 120 – 121).

يقول المفكِّر الإسلامي الشهيد السيِّد محمّد باقر الصدر1 في التعقيب على رضوان الله على أعمال الإنسان: «الهدف الحقيقي للمسلم من عمله في سبيل الله ثوابه تعالى (ورضوانٌ من الله أكبر) ولا أعرفُ هدفاً جهادياً يمكن ضمانه للمجاهدين، وتأكيد فوزهم به كهذا الهدف، بقطع النظر عن طول الطريق وقصره، ومشقّته ويُسره، واجتيازه وعدمه. فليست المسألة – من وجهة نظر السماء – إلّا مسألة طاعة يُحسِنُ العبدُ فيها نيّته لربّه فيُجازيه على ذلك، سواء تمثّلت الطاعة في الخطوة الأخيرة من الطريق، أو في أيّة خطوة من هذا الطريق الطويل»[1].

وعلى ذلك، فلا يصحّ حصر الأمثلة في مفردات الآيتين المتقدّمتين من سورة التوبة (120 – 121) في أعمال الجهاد القتالية أو الحربية فقط، وإنما هي مكافأة مفتوحة لكلّ عمل صالح يقوم به الإنسان في أي مرفق من مرافق الحياة، أو قطاع من قطاعات الخدمة والإنتاج والإبداع، ذلك أنّ جهاد الإنسان ليس مقصوراً على ساحة صغيرة فقط اسمها (ساحة الحرب) أو (ميدان المعركة)، وإنما جهاده يوميٌّ وفي مساحات الحياة كلّها، وفي معتركات الصراع برمّتها. وتكريم العمل وتثمينه من قِبَل الله تعالى ليس خاصاً بفئة جنسية دون أخرى، بل هو مُشرعٌ على كلا الجنسين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97).

ومن مؤشرات التكريم الربّاني السابغ تبديل السيِّئات حسنات: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان/ 70). أمّا كيف تتحوّل (السيِّئة) إلى (حسنة)، فجوابه في الآية نفسها: لأنّ الله (غفور) يعفو عن السيِّئة، و(رحيم) يتفضّل بقلب السلب إلى إيجاب، ولم نجد في كلّ مكافآت الدنيا، وتاريخ الأجور والجوائز جائزة ثمينة كهذه، إذ إنّ العادة الأرضية أو الإنسانية غالباً ما تكون جزاءُ الحسنة فيها مقابل الحسنة. أمّا أن تُقابل السيِّئة بالحسنة، فإنما هو خُلق نبوي أو إمامي عالٍ؛ لكن أن تبدّل السيِّئة إلى حسنة يُثاب عليها صاحبها فهو خُلقٌ ربّاني، لا نجده إلّا عند الله الذي يربح المتاجرون معه ربحاً طائلاً.

يقول الحقّ سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف/ 10 – 13).

وكتاب الله تعالى دقيق في إحصاءاته لا تفوته الصغيرة حتى لو كانت مثقال حبّة من خردل (عشبة صغيرة جدّاً)، أو بحجم (النقير) وهو غشاء النواة وقيل هو الشق في وسطها.

يقول تبارك وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) (آل عمران/ 30). ويقول سبحانه: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) (الكهف/ 30). وقال جلّ وعلا: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء/ 47). ويقول وهو أصدق القائلين: (فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النِّساء/ 124). وقال تقدّست أسماؤه: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى) (النجم/ 39 – 41). وقال عزّوجلّ: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) (الإنسان/ 22)... إلخ.

ولو أردنا أن نستطرد في عرض الأمثلة والشواهد القرآنية لخرجنا من (الإجمال) إلى (التفصيل)، ولما استوعب كتاب كهذا كلّ تلك الدلائل الربّانية على سعة الربح الذي يجنيه الإنسان من إسلامه، ويكفي أن نحيل القارئ إلى مراجعة مادّة (أجر) في القواميس القرآنية ليرى عشرات الأدلة القرآنية الإضافية.

روائياً، حسبنا من أقوال النبيّ 6 في هذا المضمار قوله الجامع المانع: «عجبتُ من أمر المؤمن، إنّ أمره كلّه له خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إنْ أصابته سرّاء فشكر كان ذلك خيراً له، وإنْ أصابته ضرّاء فصبر كان ذلك خيراً له»[2].

يقول (د. ياسر العتيبي) تعقيباً على هذا الحديث: «فهو – أي المؤمن – يتقلّب دائماً بين طاعتين: (طاعة الشُّكر) إذا أنعم الله عليه، و(طاعة الصبر) إذا امتحنه الله، وهو في كلتا الحالتين سعيد بما ألهمه الله من صبر أو شكر، راضٍ بقضائه، مطمئن إلى حكمته وعدله»[3].

وهو في مفهوم الربح والخسارة رابح من الجهتين: من جهة الشكر لقوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7). ومن جهة الصبر، لقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزُّمر/ 10)، أي بمختصر العبارة، حيثما أدرت وجهك في الإسلام فثمةَ ربح.

في الأدعية المأثورة، نلتقي أيضاً بمفاهيم الربح الإسلامية من خلال قول الإمام زين العابدين علي بن الحسين 7 في التجارة مع الله تعالى: «وأنتَ الذي زدتَ في السوم على نفسك لعبادك تريدُ ربحَهم في متاجرتهم لك وفوزهم بالوفادة عليك والزيادة منك، فقلت تبارك اسمك وتعاليت: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا) (الأنعام/ 160)، وقلت: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (البقرة/ 245)، وقلت: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) (البقرة/ 261)، وما أنزلت من نظائرهما في القرآن من تضاعيف الحسنات»[4].

يقول (السيِّد محمّد حسين فضل الله ; ) في التعقيب على هذا الدُّعاء بلهجة الدُّعاء أيضاً: «أردتنا (ياربّ) أن نعيش العطاء في طاقاتنا في ما نُقدِّمه من خير لأنفسنا وللناس وللحياة في نطاق أوامرك ونواهيك، ليكون وجودنا فاعلاً مُنتجاً على مستوى الوجود كلّه، ولم تجعل عملنا هذا مجرّد مسؤولية عبادية نتعبّد فيها إليك على أساس ما يجب علينا لك من أنواع الطاعة، من دون أن نحصل من ذلك على شيء في ربح الذات لنفسها في ما تريده من خير، بل جعلته نوعاً من التجارة معك في ما تجتذبه من الربح المخزون عندك، واعتبرته قرضاً يحمل لنا فُرَص الزيادة المُضاعفة. وهكذا دعوت عبادك إلى التجارة معك، وأنت الذي رزقتهم ما يتاجرون به، وزِدتهم في الربح لتزيدهم رغبةً في التسامي إلى درجات القُرب إليك»[5].

هذا في الإجابة الإجمالية عن فرضية الكتاب في أنّ لا خسارة في الإسلام ومعه إطلاقاً، وإنما هي تراكم أرباح – ظاهرة وباطنة – ، وجنيُ محاصيل – علنية ومستترة – ، وقطف ثمار – ناضجة  أو سوف تنضج بعد حين – ، وزيادة في الأجور والمكافآت الدنيوية والأخروية!

 

ثانياً – الإجابة التفصيلية:

لا نُريد أن نخوض في (الأرباح) المادّية والمعنوية الملموسة المحسوسة الواقعة تحت النظر، أو في مدى إدراكها، لأنّها واضحة معلومة ولا جدوى من توضيح الواضحات، فما أن يخلو الإنسان إلى نفسه ويتذكّر نِعَم الله عليه منذ أن عرف طريقه من الإسلام، وفي الإسلام حتى تتداعى صُوَر الكرامة، والفضل، والإنعام، والآلاء الجمة مما يعيا على الحصر: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (النحل/ 18).

ما يهمّنا في البرهنة على فرضية البحث، هي: كيف يمكن أن نعدّ (الخسائر) التي تبدو في نظر الناظر إليها من (الخارج) سواءٌ من خارج الدائرة الإسلامية، أو مَن ينظر إليها من المسلمين نظرة سطحية، فيحسبها خسائر وأضراراً وفجائعَ وفقداناً وآلام بحتة، لأنّنا إذا أثبتنا أنّ في (الخسائر) أرباحاً لا يلتقطها أو يتأمّلها غير مَن أوتي وعياً وبصيرة إيمانية نافذة، نكون قد اختصرنا مسافة الإجابة عن (تحدّي) الفرضية في أنّه ليس هناك في الإسلام خسائر، أو بعبارة أدق أنّ في خسائره أرباحاً.

وعلى ضوء ذلك وبوحي منه، يمكن أن نناقش أهمّ (الخسائر) وأكبرها في حياة الإنسان، ونرى كيف يمكن أن تكون أرباحاً، أو كيف يكون بالإمكان جباية الأرباح والفوائد منها؟

 

قائمة بأكبر الخسائر:

1-         المرض

2-         السجن

3-         الخوف

4-         الحرب

5-         الموت

6-         الضرائب المالية

7-         الغُربة

8-         الفقر

9-         الابتلاءات والكوارث بأنواعها

قبل إثبات أنّ تلك الخسائر ليست بخسائر، أو بمعنى أدق ليست بذات أرباح، لابدّ لنا من مناقشة أمرين أساسيين يصبان في صميم البحث:

أ‌)       ما هو معيار الربح والخسارة؟

ب‌)    ما معنى الإيحاء أو التلقين الذاتي؟

 

معيار الربح والخسارة:

الخسارة تعني (النقص). إذا خسرتَ التجارة فهذا يعني نقصان أرباحها أو انعدام الأرباح بالمرّة. وإذا مرضتَ خسرتَ الصحّة، وإذا جُنّ جُنون شخص خسر عقله وتوازنه، وإذا كان أحدهم كافراً فقد خسر الإيمان والثواب. وخسر نفسه: لم ينتفع بمواهبه التي وهبها اللهُ له.

يقول الإمام عليّ 7: «ومَن قَصَّر في أيام أمله قبلَ حضور أجله، فقد خسر عمله»[6]. وكتبَ 7 إلى (مصقلة بن هبيرة الشيباني) الذي وعد بدفع حقّ مُترتِّب بذمّته وهرب: «فلا تستهن بحقّ ربّك ولا تُصلح دُنياك بمحق دينك، فتكون من الأخسرين أعمالاً»[7]. وفي اعتبار آخر للخسارة، يرى 7 أنّ الإغراق في دوّامة المعاصي والابتعاد عن الطاعة خسارة: «احذر أنْ يراك الله عند معصيته، ويفقدك عند طاعته، فتكون من الخاسرين»[8].

أمّا (الربح)، فهو الزيادة الحاصلة نتيجة البيع، وقيل: «مَن نجا برأسه فقد ربح»! والربح: النماء في التجارة. يُقال: تجارة رابحة إذا ربح صاحبها زيادة في المال على ثمن بضاعته؛ ولكن مَن يبيع (الهُدى) والاستقامة بـ(الضلال) والانحراف، فإنّه تاجرٌ خاسر فاشل. يقول الإمام عليّ 7: «وما أخسرَ المشقّة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار»[9]. وقال 7 في قيمة العمل الصالح: «ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربحَ كالثواب»[10]. ومن بليغ وعميق ما أؤثر عنه 7: «فكم من منقوصٍ رابح ومزيدٍ خاسر»[11].

وعلى هذا، فإنّ مقياس (الربح) و(الخسارة) – بحسب تحديد القرآن لهما – هو (خسارة النفس) و(خسارة الأهل): (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الزُّمر/ 15). وعبَّر السيِّد المسيح 7 عن ذلك بقوله: «ماذا يُجدي الإنسانُ نفعاً لو ربح العالم كلَّه وخسر نفسه»؟! إذ قد تُعوَّض الخسائر كلّها، إلّا أنّ هذه تبقى الأفدح بين سائر الخسائر الأخرى لأنّها (كلّية) و(مُوجعة) و(مُفجعة) وغير قابلة للجبر أو التعويض!! ولذلك كانت الدعوة الدافعة لشبح هذا المصير الأسود هي: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم/ 6).   

 والنتيجة الكبرى المستخلصة من بحث الربح والخسارة في القرآن، هي: أنّ الدنيا – باعتباراتها المتضاربة المتصارعة – لا تصلحُ مقياساً لمعرفة الربح والخسارة، وإنما معيارهما الدنيا والآخرة معاً.. تأمّل في طائفة الخسائر التي يؤشِّر لها القرآن بإشارات واضحة وصريحة:

 

1-     الفساد.. خسارة:

قال تعالى: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة/ 27).

2-     ابتغاء غير الإسلام.. خسارة:

قال عزّوجلّ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران/ 85).

3-    إطاعة الكافرين.. خسارة:

قال جلّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (آل عمران/ 149).

4-    تكذيب الأنبياء والرُّسُل.. خسارة:

قال سبحانه: (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/ 92).

5-    اللهو بالباطل.. خسارة:

قال جلّ جلاله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (الجاثية/ 27).

6-    الخبث واللوم والشيطنة.. خسارة:

قال تبارك وتعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال/ 37).

7-    اتّباع الشيطان وتقوية حزبه.. خسارة:

قال تقدّست أسماؤه: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة/ 19).

8-     التكذيب بالمعاد وإنكاره.. خسارة:

قال تبارك وتعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) (الأنعام/ 31).

9-    العبادة الحرفية المصلحية.. خسارة:

قال عزّوجلّ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج/ 11).

والمقصود بـ(على حرف) أي على جانب الطمع والربح والانتفاع فقط.

10-   قتل النفس المحرَّمة[12].. خسارة:

قال جلّ شأنه في قتل قابيل لأخيه هابيل: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة/ 30).

11-   إطاعة غير الله تعالى.. خسارة:

قال سبحانه: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) (المؤمنون/ 34).

12-   ظنّ السُّوء بالله عزّوجلّ.. خسارة:

قال تعالى: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (فُصِّلت/ 23).

13-   الانشغال السلبي بالأموال والأولاد.. خسارة:

قال عزّوجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون/ 9).

14-   الظلم بأنواعه.. خسارة:

قال جلّ وعلا: (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) (الشورى/ 45).

15-   تصوُّر الإساءة إحساناً.. خسارة:

قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف/ 103 – 104).

هذه هي مجمل (الخسائر) التي نَبَّه القرآن وأشار إليها وحَذَّر منها، وما عداها فأرباح، كما سيتبيّن.

هذا وقد ترجمت الأحاديث والروايات تلكم الخسائر في أقوال مبلورة لمعانيها من قبيل قوله 6: «الخاسر مَن غفل عن إصلاح المعاد»[13]. وعنه 6: «المُنفق عمره في طلب الدنيا خاسرُ الصفقة، عادم التوفيق»[14]. وعن الإمام عليّ 7: «أخسرُكم أظلمُكم»[15]. ورُوِي عن الإمام محمّد الباقر 7 في قوله عزّوجلّ: (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا)، قال: «هم النصارى والقسيسون والرُّهبان[16] وأهل الشُّبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية (الخوارج) وأهل البِدَع»[17]، والمتطرِّفون المغالون عموماً.

 

ما هو الإيحاء أو (التلقين الذاتي)؟

(فنّ) الإيحاء هو أن يُدخل المرء إلى ساحة أفكاره الخاصّة (أو أفكار الغير) التمثلات (اتّخاذ الأمثال والتشبُّه) التي تستدعي الأثر المطلوب، أو القواعد الموضحة له[18]، أي إنّ ذلك يُفسِّر العلاقة الوطيدة بين النفس والجسد، حيث باستطاعة النفس أن تبعث أفكاراً معيّنة تُحدِّد بها استجابات الجسد عاطفياً وعملياً، وخلاصة الآلية التي يعمل بها (الإيحاء الذاتي) هي رسم الأفكار والتصوُّرات والمعتقدات في العقل الباطن لإرسالها إلى العقل الواعي ليقوم بتحقيقها.

يقول صاحب كتاب (الإيحاء الذاتي): «أوعز إلى نفسك أنّك واثق بها، مؤمن بإمكانها على مقاومة كلّ عادة، والسيطرة على كلّ نزعة، والتخلُّص من كلّ آفة وعلّة، وبلوغ ما تطمح إليه من جاذبية وهدوء تجد أنّها تلبيك»[19]، ويتحدّث أو يُحدِّثنا عن سبعة أفكار تفعل فعلها أو تأثيرها الإيجابي المنتج في تلقين الذات بما هو إيجابي، وهي باختصار:

1-    فكرة الفكرة:

وهي انبثاق فكرة – عند وجود مشكلة – لحلّها، تأتي مبهمة، مصحوبة بعاطفة غامضة، ثمّ تتضح شيئاً فشيئاً، ويمكن أن نطلق عليها بـ(شرارة الفكرة) أو الإلهام الباطني.

2-    فكرة التأثير:

كما لو يمكننا عند مشاهدة فيلم مؤثر أو قصّة إنسانية مؤلمة، (فهذه عاطفة أوحتها مشاهد الفيلم الحزينة).

3-    فكرة الاستعداد:

كما لو ترك عمل فني أو أدبي حاذق أُعجبنا به في الطفولة أثره في موهبتنا مستقبلاً (بأن يسقط ظلّه على أعمالنا الفنّية أو الأدبية اللاحقة).

4-    فكرة الاستطاعة:

الاعتقاد بالاستطاعة يُسهِّل النجاح، والتفكير المعاكس يشلّ الحركة. يقول (باسكال): «إنّ فكرة السقوط تدعو إلى السقوط»! أو ما يصفه (ريتشارد برانسون) صاحب كتاب (الاقتحام) بالقول: «الإيمان بإمكانية فعلها مهما كانت النتائج»[20].

5-   فكرة العمل والصحيح (التقليد):

إنّنا نتثاءب لرؤية مَن يتثاءب، إنّه الإيحاء بالتقليد.

6-   فكرة التأثير الحسّي:

معظم العادات المتأصِّلة تعود إلى قاعدة الحاجة إلى إعادة مؤثر حسّي، فحين تعاود المُدخن فكرة ما يشعر به عندما يُدخِّن يتبع ذلك دافع داخلي لا تسكن حركته إلّا بالتدخين. (وهو ما اصطلح عليه (بافلوف) في تجربته الشهيرة بـ«الاقتران الشرطي»).

7-   الفكرة ونتائجها:

إنّ للفكرة تأثيراً كبيراً على حركة الجسم وخموله ونشاطه.. يكفي أن تسمع خبراً ساراً حتى يتبدَّد تعبك، والرجل النشيط الذي يتوق إلى العمل يحسّ بالتعب إذا سمع ما يزعجه. وهكذا تصحّ النظرية: الفكرة السلبية (تخلق المرض)، والفكرة الإيجابية (تشفي)[21].

إنّ (الإيحاء الذاتي)، كما تقرر الدراسات النفسية، يساعد على الآتي:

-    إقرار الثقة بالنفس (جمع شتاتها في وحدة موقف).

-    يضبط وسائل العمل (يُوجِّهها باتجاه الهدف).

-    يُسهِّل الحرّية الداخلية (يلغي القيود والموانع).

-  يُمكِّن من اللعب بالأفكار (تحويرها وتطويرها).

- يُحقِّق السيطرة الكاملة على المَلَكات، أو ما يُسمّى بـ(سلطان الإرادة).

ويقول صاحب كتاب (لا تدع الآخرين يحتلون رأسك): «تتمثّل إحدى الألعاب الذهنية التي يمكنك استخدامها لتجاوز مشكلاتك الراهنة في تخيُّل التواجد على خشبة المسرح مهما كان شعورك»[22].

ويرى صاحب كتاب (الإيحاء الذاتي) أنّ الخوف يتلاشى بممارسة الإيحاء الذاتي، فالمُمثِّل والخطيب يقفان أمام الجمهور مُتسلّحين بـ(التمرين) وفكرة (عدم التأثُّر واللّامبالاة) والشعور بالسرور والفخر لإصغاء الناس إليهما.. إنّهما يُحضِّران عملهما بالمخيلة وهما يُردِّدان ذهنياً: «أنا مطمئن، أنا مطمئن، أنا مطمئن... إلخ»[23].

إنّ حديثنا – في المنهج التربوي الإسلامي – عمّا يُسمّى أو يُطلق عليه بـ(الألطاف الخفيّة) ليس حديثاً عن خداع للنفس وإيهامها أنّ ثمة لطفاً في اللا لطف، أو هناك إيجابية غير منظورة في داخل السلبيّ المنظور، وإنما هو إدراكٌ لما ليس بمُدرَك، والنظر إلى الأُمور من شرفة بعيدة عن الحدث أو مطلّة عليه.. وعندما تقع كوارث تُنذر بالخطر أو الخسارة أو الضرر، ينبري مَن يقول «الخير فيما وقع» لا ليضحك على نفسه ولا على ذقون الآخرين، إنما يستحضر ويستذكر قوله تعالى في سورة الانشراح أو الشرح: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 5 – 6)، أي كلّما اعترضت طريقك صعوبة أو عُسر أو شدّة، فإنّ اليُسر لا يعقبها ويأتي تالياً لها، وإنما هو مُقارِنٌ، مُلازِمٌ، مُصاحِبٌ لها.

وبمعنى آخر، إنّ (الفرج) يسير مع (الكرب) و(الشدّة)، وإنّ تعريفَ (العُسرِ) وتنكيرَ (اليُسر) دلالةٌ على أنّ العُسر لا يغلب يُسرين، ولذلك عُدّت هاتان الآيتان من المُبشِّرات القرآنية.

لو قلتَ لي أنّ في قلب أو بطن أو أحشاء هذا الظلام الدامس الذي يلفّ الأرض كعباءة سوداء غامقة اللون، شمساً ستولدُ غداً صباحاً، لما كذّبتك نظراً لمعايشة طويلة وتجربة يومية علّمتني أنّ إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل يعني عملية تداخل وتلابس وإحاطة، وليس مجرّد تعاقب وتتالي في الإظلام والإشراق.

وأمّا مقابلةُ (اللطف الخفيّ) في لغة أهل الإيمان لـ(النصف الملآن من الكأس) في لغة المتفائلين، فنلاحظ أنّ الأوّل (وهو تربية إسلامية) لا يتحدّث عن (النصف)، بل عن (اللطف الكامل)، يقول الشاعر مستحضراً مرافقة اليُسر للعُسر:

عسى الكربُ الذي أمسيتَ فيهِ              يكون وراءَهُ فرجٌ قريبُ

و(الورائية) هنا ليست (تعاقبية)، بل (تلازمية) بقرينة صفة القريب للفرج. إلى هنا نكون قد مَهَّدنا الطريق لإثبات فرضيتنا من خلال معالجة تسع خسائر كبرى نعيشها في حياتنا وينظر المسلم المؤمن إليها بمنظار غير المنظار الذي يراه بها الخالي من الإيمان أو ضعيفه، لأنّ هذا الأخير المعادلة عنده حسابية (1 – 1 = صفر).. أمّا عند الأوّل، فالمعادلة: خيرٌ ولطف لصاحب المصيبة والنائبة والابتلاء.. وستتكشف مدى الرؤية أكثر كلّما توغّلنا في حقل البحث التفصيلي أكثر.

 

أوّلاً – المرض:

المرض خسارة.. لا يختلف على ذلك اثنان.. خسارة للصحّة والعافية والقوى التي كانت تعمل بحيوية ونشاط واندفاع قبل أن يضربها المرض فيُضعفها أو يُقعدها عن النشاط. والمرض بحسب تعبير الإمام عليّ 7 له: «حبس البدن»[24]، أي تقييده عن الحركة وتعطيله عن الإنتاج وإضعافه عن التوثُّب والحيوية والإقبال.. والمرضى عادةً ما يتعاطون مع المرض بأحد طريقين:

1-  يُلازم أحدهم فراش المرض (في البيت أو المستشفى) حتى يشفى من علّته أو مرضه.

2-  يمشي الآخر بدائه ما مشى به، كما ورد عن الإمام عليّ 7 في بعض توصياته ونصائحه، أي لا يزيد (طينَ) مرضه (بلّة) فيُعاني ثقل الألم النفسي إضافة إلى معاناته لثقل المرض الجسدي، أو يُحمِّل المرض فوق ما يأتي به من اعتلال للصحّة. (الدراسات الموتية تقول إنّ الذين يموتون بـ(الخوف) أكثر من الذين تُميتهم (الحقيقة)!).

هنا يأتي العمل بما يُسمّى (القوّة المُبدعة) التي تنزع عن المرض اللواحق أو الزوائد التي تُلحق به أو تُضاف إليه، وقد رأينا – ورأيتم – مرضى يستعيدون صحّتهم بعد أن قطع الأطباءُ الأملَ منهم.. إنّهم اعتمدوا القوّة المبدعة بالتحلُّل من مخاوفهم، وبحثوا عمّا يسرّهم ويُهدِّئ من خواطرهم، ويُزيل العوائق أمام عودتهم للحياة.

 

أيوب 7 نموذجاً:

أيوب 7 استخدم سلاح المقاومة للأمراض التي فتكت به، أو لنقل (الدواء) المناسب لها، فكان (الصبر) و(الرِّضا بقضاء الله) هي الوصفة التي اعتمدها طيلة معاناته من مرضه لسبع سنين متتالية (وفي رواية ثمانية عشر سنة).. لم يَتعقّد ولم يَتذمّر ولم يَتأفّف ولم يشتكِ، بل واجه مرضه بروحٍ متفائلة، واعتبره أمراً واقعاً لابدّ من (التعايش) و(التعاطي) معه بروح إيجابية. وقد ثبت سريرياً أنّ هذه الطريقة في التعامل مع المرض تنقله من اعتباره (خسارة) إلى كونه مُحرِّضاً على تشغيل الاحتياطيّ الكبير المخزون في النفس المؤمنة بالله، وهذا أشبه بالمولِّدة الجاهزة لتعطيك طاقة تُضيء لك البيت وتُشيع فيه الدفء والطمأنينة إذا انقطعت الكهرباء وبردت الأسلاك وعمّ الظلام وسادت الوحشة.

اُبتُلي أيوب 7 في بدنه وصار كالقرحة من قرنه (رأسه) إلى قدمه ما خلا عقله وعينيه.. راح يُكثر من استعراض النِّعَم الإلهية ويشكر الله عليها (اعتمد قاعدة: اُذكر الموجود ولا تتألم على المفقود).. لاحظ أنّ سلامة عقله وعينيه و(إيمانه) أهم مما هو مُستَلب من النِّعَم الباقية الأخرى. توجّه إلى الله ضارعاً بالدُّعاء: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)(ص/ 41).. لم يشتكِ لأحدٍ مما ألمّ به من مرض، بل كان صابراً كتوماً (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(ص/ 44).

لم نسمع أيوب 7 يذكر الخسائر التي أصابته وهي كثيرة: فقدانه لأولاده، خسارته لثروته، ابتلاؤه في بدنه. شكرهُ على النِّعَم الموجودة لم يكن تمثيلية، ولا خداعاً للنفس، وإنما هو نوع من (العلاج) استشفى به فشُفي، ذلك أنّ طريقة التعامل مع المرض تنعكس على سرعة الشفاء وبطئه، وقد ثبت علمياً وطبّياً وسريرياً أنّ مَن يكون مستوى أو منسوب معنوياته عالياً، فإنّه يتحدّى المرض ويقاومه، ثمّ تنعكس هذه الحالة الاطمئنانية على التعجيل بشفائه منه.

وعلى عكس المُتصوَّر أو المتوقَّع، فإنّ شكر أيوب 7 كان يتناسب طردياً مع مرضه وابتلائه، كان يزداد شكراً لله في موازاة ارتفاع نسبة الشدائد والمصائب والأمراض التي تهجم عليه. لقد استخدم أيوب 7 (المضادّ الحيويّ) الفعّال: (يذوي) الجسد فيقوّي (الروح)، وتضعف المناعة الجسدية فيضاعف المناعة النفسية. وهذا في حسابات الربح والخسارة، (ربح) وما كان أيوب ليحظى به لولا أن عانى ما عانه، وعالجه بما عالجه.

 

-    إحصائية بالأرباح:

أُصيب أحدهم بمرضٍ جلديّ مُزمن، وكان دائماً يكتشف (نعمة) جديدة في مرضه، يقول في الذكرى الرابعة عشرة لمرضه: أحصيتُ عدد الفوائد أو النِّعم التي جنيتها من مرضي، فكانت الآتي:

1-  مرضي في (السطح) وأمراض كثير من الناس في الباطن.. (هذه نعمة).

2-  أُصِبت بالمرض بعد سنّ الأربعين، أي إنّ أربعين سنة من عمري تَنعَّمت فيها بالصحّة والسلامة والعافية.. (هذه نعمة).

3-  عانيت من مرضي بعد زواجي، ربما لو كان ذلك حصل قبل الزواج لكان مشروع زواجي قد تعطَّل أو تأجَّل.. (هذه نعمة).

4-  دخلت على الشبكة العنكبوتية فرأيت أنّ ملايين الناس يعانون مما أعاني.. لستُ وحيداً.. (هذه نعمة).

5-   لم يجمع الله لي مرضاً مزمناً آخر مع هذا المرض.. (هذه نعمة).

6-   عرَّفني مرضي بضعفي، كسر حدّة غروري واغتراري بعافيتي.. جعلني أكثر تواضعاً.. (هذه نعمة).

7-   قرَّبني مرضي من الله تعالى أكثر.. (هذه نعمة).

8-  علمتُ أنّ في مرضي كفّارة لذنوبي، فشكرت الله وأثنيت عليه.. (هذه نعمة).

9- أشعرني مرضي بالتعاطف والمواساة والإحساس بما يكابده المرضى مرضاً مزمناً.. (هذه نعمة).

10- جعلني مرضي أحظى بتعاطف ومودّة أكبر ممّن حولي وبدعائهم الدائم لي.. (هذه نعمة).

11- أعطاني مرضي – بسبب طول فترته – القدرة على الصبر والتحمُّل.. (هذه نعمة).

12- علمتُ أنّه (ابتلاء) قد لا أُقدِّر المصلحة فقابلته بعدم الشكوى.. (هذه نعمة).

13-  قد يُغيِّر الله في أيّة لحظة من حال إلى حال، وقد لا يبقى (المُزمنُ) مُزمناً.. طالما هناك رحمة الله.. (هذه نعمة).

14-  الطبّ يتطوَّر، وقد أحصل في أي وقت على العلاج المناسب (قبل أربعة عشر عاماً لم تكن العلاجات كما الآن).. (هذه نعمة).

عبارة (هذه نعمة) تُقابل كلمة (ربح)، أي إنّ هذا المصاب بداء مُزمن كان يستزيد من الأرباح كلّما طال عمر مرضه، ولعلّه لم يشفَ من مرضه البدني؛ لكنّه بالتأكيد كان قد تعافى نفسياً!

في كتابه القيِّم (قوّة العزيمة)، يذكر (د. واين دبليو داير) تحت عنوان الفصل الأخير من كتابه (ملامح شخص متصل بمجال العزيمة) ومجال العزيمة عنده هو (العقل الكوني) أو (المصدر) أي الله تعالى: «كلُّ شيء بالنسبة للمتصل (أي بالمصدر) يعيش حال امتنان دائم، كما يشعر بالرِّضا ويحمد الله على كلّ شيء حتى الأشياء التي تبدو له على أنّها عوائق.. إنّه يملك القدرة والرغبة في رؤية المرض المؤقت على أنّه نعمة»[25].

يقول (ليو تزو): «عندما تدرُك أنّه ليس هناك شيء ناقص، فسوف تملك العالم بأسره».

ويقول صاحب كتاب (سُنّة المعجزات): «إنّ أولئك الذين يُشفَون سوف يتحوّلون إلى أدوات شفاء». والطريق الوحيد لكي تُشفي الآخرين هو أن تُشفى أوّلاً، لأنّ إدراكك للمقاومة أمرٌ يرجع إليك، إذ كلّما استعدت التواصل مع العقل الكوني الذي يُمثِّل الكمال التام زاد شفاؤك النفسي، ذلك أنّ الاتصال بالمطلق هو اتصال بالعافية كلّها وبالشفاء الكلّي الكامل أيضاً[26].. الأمل بالشفاء إذاً هو الاتصال بالمصدر الشافي.

 

-   كيف تعاملت ثقافتنا الدينية مع المرض كربح؟

اعتبرت الأحاديث والروايات (المرض) كمنفضة للذنوب، تكنسها، وتساقطها، وتلغيها، أو تذروها كما تذرو رياح الخريف الأوراق المتساقطة.. فعن الرسول 6: «لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة، ولا مسلم ولا مسلمة، إلّا حطَّ الله به خطيئته»[27].. ولمّا عادَ (زار) أُمّ العلاء وهي مريضة، قال لها: «يا أُمّ العلاء! أبشري، فإنّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النار خَبث الحديد والفضّة»[28]، أي إنّ المرض مُزيل جيِّد للخطايا والذنوب.

ومن جهة ثانية، فإنّه يُكتب للمريض ما نوى أن يفعل من الصالحات لو لم يكن مريضاً، بمعنى أنّ ما كان يعمله من الأعمال الصالحة في صحّته وأقعده مرضه عنها، يُكتب له ولو لم يعمله.

رُوِي عن الإمام موسى الكاظم 7: «إذا مَرِض المؤمن أوحى اللهُ عزّوجلّ إلى صاحب الشمال (المَلَك الموكَّل بكتابة السيِّئات) لا تكتب على عبدي مادام في حبسي ووثاقي ذنباً، ويوحي إلى صاحب اليمين (المَلَك المكلَّف بكتابة الحسنات) أن اكتب لعبدي ما كنت تكتبه في صحّته من الحسنات»[29].

أمّا في الدُّعاء، فقد ورد في (الصحيفة السجادية) من دعاء الإمام 7 عند مرضه: «اللّهمّ لك الحمد على ما لم أزل أتصرَّف فيه من سلامة بدني.. ولك الحمد على ما أحدثت بي من علّة في جسدي، فما أدري يا إلهي أيُّ الحالين أحقّ بالشكر لك، وأيُّ الوقتين أولى بالحمد لك: أَوَقتُ الصحّة، أم وقتُ العلّة (المرض) التي محَّصتني بها»[30].

الإمام 7 لم يكن يرَ في المرض (خسارة)، بل هو (ربح) بدليل أنّه يشكر الله على ما أصابه من مرض ليمحصه الله ويُخلِّصه ويُصفِّيه من الذنوب. وفي (دعاء الجوشن الصغير) يرى المريض أنّ ما به من مرض أهون مما بالناس من أمراض فتهون علّته، وتخفّ وطأته عليه: «إلهي وسيِّدي وكم من عبدٍ أمسى وأصبح عليلاً مريضاً سقيماً مُدنفاً (شديد المرض) على فُرش العلّة وفي لباسها يتقلّب يميناً وشمالاً، لا يعرف شيئاً من لذّة الطعام ولا من لذّة الشراب، ينظر إلى نفسه حسرة لا يستطيع لها ضرّاً ولا نفعاً، وأنا خلوٌ من ذلك كلّه بجودك وكرمك»[31].

هذا هو إثباتنا الأوّل أنّ لا خسارة في المرض سوى خسارة بعض العافية، أي إنّ ما يُقابلها من الأرباح أكثر: من (إسقاط للذنوب ومحوها) ومن (دخول أعمال صالحة في الرصيد من غير جُهد ولا عناء)، إضافة إلى أنّ مَن نظر إلى عِلَل الآخرين هانت علّته واستوجب ذلك الشُّكر منه، لاسيما وأنّ مَن استقبل مرضه بصبر جميل «استحيا الله تعالى – كما في الرواية – أن ينصب له ميزاناً أو ينشر له ديواناً»[32].

 

-   ثانياً – السجن:

السجن حبس وحجب وقمع للحرّية.. هو في الحسابات المادّية المنظورة خسارة.. أمّا في اعتبارات الدِّين والإيمان والعلاقة السليمة مع الله تعالى، فهو ليس كذلك، أي يُمكن إحالته ونقله من (خسارة) إلى (ربح).

صحيح أنّ الروس يقولون في أمثالهم «مهما اتّسع السجن يبقى ضيِّقاً»، وإنّ «الفُتات من الخبز مع الحرّية، خيرٌ من العسل في السجن»، إلّا أنّهم أيضاً يقولون: «ليس كلُّ مَن في السجن لصوص»، كما يقولون أيضاً: «ابحث عن الشجاع في السجن»[33].

وحتى مع ذلك، يبقى السجنُ سجناً حتى ولو طُليت قضبانه بالذهب؛ لكنّنا في فرضيتنا لا نتحدّث عن أنّ النكبات لا آثارَ سلبية لها على حياة المصابين بها، بل نشير إلى الجانب المشرق أو ما يمكن أن تقرأه في العتمة من بصيصٍ للنور.. إنّنا ندعو للاستمتاع بنهارنا (الماطر)، كما نستمتع بنهارنا (المُشمس)!!

 

-   يوسف 7 نموذجاً:

قصّة السجن في القرآن هي قصّة يوسف 7 الذي أُودع أو زُجّ فيه ظُلماً وعدواناً، ولو كانت هناك عدالة عادلة لألقت امرأة العزيز في السجن لأنّها (المعتدية)، ولأنّ يوسف 7 هو (البريء) في القضية، ومع ذلك دخل يوسف 7 السجن بناءً على طلبه: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (يوسف/ 33) لا لأنّ السجن مطلوبٌ ومرغوب، بل لأنّه عندما يُحاصَر الإنسان من جميع الجهات فلا يجد الفرار أو الخلاص إلّا بالسجن فإنّه يُؤثر أو يُرجّح السجن مع قيوده على حياة البَرمُ والسأم والألم مع الحرّية!

يوسف 7 وإنْ طلب من صاحبه نزيل السجن معه إنْ هو أفرج عنه أن يذكره عند ربّه (الملك) ليفكَّ أسره؛ لكنّه لم يجلس في السجن ليبكي أو ليندب حظّه، أو يقول في نفسه: انعدمت حرّيتي فلينعدم عملي وليتوقّف نشاطي.. يوسف 7 اتّخذ قراراً منذ اليوم الأوّل الذي أُودع فيه السجن، أن يجعل منه ساحةً للعمل والدعوة في سبيل الله.

كان معه في السجن سجينان آخران.. خاطبهما بعد أن تَعرَّف إليهما وعرف بقصّتهما وعرفا بقصّته: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (يوسف/ 39-40).

يوسف 7 يقول لنا من وحي تجربته: حتى السجن ذو الجدران الأربعة الضيِّقة والأقفال المحكمة يمكن أن يكون (ساحة مفتوحة).. وإذا أوصدت كلّ الأبواب، يبقى الباب الذي نحو السماء مفتوحاً!!

 

-   الإمام موسى الكاظم 7 نموذجاً آخر:

بعد يوسف 7 بسنين طويلة متطاولة، دخل السجن العباسي، سجن (هارون الرشيد) أحد أحفاد النبيّ محمّد 6 وهو الإمام موسى بن جعفر الكاظم 7. مكث فيه (16) سنة. فكيف استقبل الإمام الكاظم 7 تجربة السجن؟ اتّجه إلى الله عزّوجلّ في أوّل عهده به قائلاً: «إلهي يا طالما كنتُ أطلب منك أن تفرّغني لعبادتك.. وها أنت فعلت، فلك الشكر والحمد والثناء على ما أنعمت به عليَّ».

لم يكن مع الإمام الكاظم 7 كما مع يوسف لا صاحبان ولا صاحب واحد.. كان نزيل الطامورة (الزنزانة) الوحيد.. كيف يُحوِّل (الضيِّق) إلى (سعة)، و(الأسر) إلى (حرّية)، و(الخسارة) إلى (ربح)؟ اجتهد في أن يُحيل زنزانته إلى (محراب)، ومن المحراب يصعد في سُلَّم (معراجه) إلى الله.. لم يكن وحيداً.. كان الله معه[34]!! وفي سجن – مهما كان ضيِّقاً – رفيقُ السجين فيه الله تبارك وتعالى، هو سجنٌ فسيح مدَّ البصر وأكثر!

 

-    إحصائية بالأرباح:

كتبَ سجينٌ ينظر إلى الإيجابي من سلبيات الحياة، نظراً لما كان يتمتّع به من نظرة إيمانية فاحصة للحياة، يُعدّد الفوائد التي جناها، والدروس التي تَعلَّمها في السجن ومنه:

1-  في هذه الدنيا سجن دون سجّان وقضبان.. إنّه سجن الأفكار السلبية والعادات الذميمة، وهو أقسى السجون.. أنا حرٌّ منها.. (هذه نعمة).

2-   السجن مدرسة تتعلَّم فيها (الانتباه من الغفلة) ويعطيك فرصة كبيرة (للمراجعة).. (هذه نعمة).

3- في السجن ابتعدت عن (الفتن) و(المعاصي) أو تضيق مساحتها عليك، وإن كان الشيطان في كلّ مكان حتى في السجن.. (هذه نعمة).

4- السجن قد يحرمك من أشياء كثيرة إيجابية؛ لكنّه يُقدِّم لك (العذر الشرعي) في عدم مزاولتها وتُثاب عليها.. (هذه نعمة).

5-   السجن بلاء أو ابتلاء، وحينما يكون الابتلاء ويكون الصبر يجري تكفير ومحو السيِّئات.. إنّه (حمّامي) الذي أغتسل فيه من ذنوبي قبل السجن.. (هذه نعمة).

6-    كلّما مرَّ عليك يوم من بلاء السجن، انقضى يوم من عمر ظالمك أو سجّانك أو جلّادك.. وأنت تكسب الحسنات وهو ينال السيِّئات.. (هذه نعمة).

7- السجن يُفرِّغك للعبادة بلا أيّة شواغل أو صوارف دنيوية تلهيك عنها.. (هذه نعمة).

8- يمكن – في بعض السجون – أن تواصل تعليمك وتحصيلك الدراسي.. أو تُنمِّي ثقافتك.. (هذه نعمة).

9-   يمكن أن يكون السجن فرصة مثالية لحفظ القرآن أو قراءته والتدبُّر في معانيه. يقول أحدهم سألت سجيناً مؤمناً كان معروفاً بالتأليف أيام قبل السجن: هل ألَّفتَ شيئاً في السجن؟ قال: «لم يكن لديّ وقت!! كنتُ منشغلاً بالتدبُّر في القرآن.. لقد فهمت الكثير الكثير من قوله تعالى: (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشُّعراء/ 62)»[35].. (إنّها نعمة).

10- أمضيت وقتاً طيِّباً في كتابة خواطري وتأمُّلاتي وصفو مشاعري وإبداع أفكاري من وحي تجربتي في (حرّية السجن)!.. (هذه نعمة).

الإمام جعفر الصادق 7 لا يعتبر السجن مصادرة كلّية للحرّية، يقول: «إنّ الحرَّ حرٌّ على جميع أحواله: إنْ نابته نائبة صبر لها، وإنْ تداكّت عليه المصائب لم تكسره، وإنْ (أُسر) و(قُهر) واستُبدل باليُسر عُسراً، كما كان يوسفُ الصّدِّيق صلوات الله عليه، لم يضرر حرّيته إنْ استُعبد وقُهر وأُسر»[36].

ورُوِي عنه 7 في حديثه عن قصّة يوسف 7 وماذا كان يعمل في سجنه: «كان يقومُ على المريض، ويلتمسُ للمحتاج، ويُوسِّع على المحبوس»[37]، السجن لا يُعطِّل طاقاتنا أو يُجمِّدها كلّها.. نحنُ مَن نُعطِّل طاقاتنا بإرادتنا.

سُجِنَ في عهد (المتوكِّل العباسي) أحد الشُّعراء ويُسمّى (علي بن الجهم) فلم يُرد أن يكون السجن قبره الثاني، فراح يُعدِّد فوائد السجن بالنسبة للأحرار وطالبي الحرّية.. نقل (المسعودي) في (مروج الذهب) عنه قوله:

قالوا: حُبستَ فقلتُ ليسَ بضائرٍ            حبسي وإنّي مُهنَّدٌ لا يُغمَدُ

أوَما رأيتَ الليث يألفُ غيله                كبراً وأوباش السباع ترددُ

والنارُ في أحجارها مجنونةٌ                     لا تصطلي ما لم تُثرها الأزندُ

والحبسُ ما لم تُغشَهُ لدنيّة                    شنعاءَ نعمَ المنزلُ المُستورَدُ

وهذه ليست قريحة شاعر بخيال مجنّح، ولا هي دعوة لدخول السجن لا منّا ولا من الشاعر (فَرَّج الله عن نزلائه من المؤمنين، ونَجَّا منه عباده الصالحين)، وإنما هي طبيعة النظرة إلى السجن بعد أن يكون أمراً واقعاً، يقول الشاعر (أبوالمحاسن):

أنا لا أشكو السجنَ بل أشكرهُ              فهوَ بالإخوانِ قد عرَّفني!

 

-    ثالثاً – الخوف:

ما من إنسان اليوم إلّا وهو (فريسة) للخوف من (المجهول). الخوف يُنغِّص أوقات الإنسان وسعادته، يربك أوضاعه وحياته. لا يأمن الإنسان على نفسه في زمن العنف والإرهاب والقتل على الهُويّة، وعلى الظُنَّة، وعلى أتفه الأسباب. لم يعد التخلُّص من الخوف أمراً سهلاً؛ ولكن الدراسات التي تناولت موضوع (الخوف) تخلص إلى أنّ التفكير السلبي يُسبِّب الشقاء والتشاؤم، وأنّ القلق يتبلور بأشياء وأفكار تأخذ شكل الخوف، ولكي نشفى من الخوف يجب علينا أن نفصله ذهنياً عن الشيء أو الفكرة التي يرتبط بها القلق، وأن لا نهرب من الأشياء التي نخافها، بل علينا التكيُّف معها.

إنّ طياري سلاح الجوّ حين تخمد عزائمهم يضطرون إلى التحليق مباشرة لكي يتغلّبوا على الخوف قبل أن يتمكّن منهم. وأحياناً، قيامك بالشيء الذي يُخيفك يهدم الخوف نفسه[38]. ورد عن الإمام عليّ 7: «إذا هِبتَ أمراً فَقَعْ فيه، فإنّ شدّة تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ»[39].

علماء النفس متفقون على أنّنا إذا أردنا جيلاً عارياً من الخوف يجب أن نُعلِّمه باكراً كيف ينظر إلى الله «كحامٍ محبّ»! ويضيفون: التفكير الإيجابي يُساعد على علاج الخوف، وهذا هو مربط الفرس في حديثنا لإثبات فرضية أنّ لا خسائر في الإسلام، الذي يُهيِّئ بدوره أجواء طاردة للخوف من خلال الصلة الوثيقة بالله تعالى.

في الصفحة (60) من كتاب (الخوف)، يقول صاحبه وهو متخصِّص نفساني: «يوجد في الدِّين الحقيقي قوّة مُحرِّكة، روحية، قادرة، تستطيع أن تعمل للفرد كلَّ ما يستطيع عمله عالم نفساني.. الدِّين رداء.. أسلوبٌ للدفاع»، أي هو رغبة للاتصال أو الاتحاد مع مصدر القوّة الكلّية (الله عزّوجلّ).

في المعالجة بـ(الإيحاء الذاتي)، يقول أطباء النفس: قُل لنفسك بهدوء: سأجد مجابهة الحياة سهلة.. إنّني أكتسب الشجاعة والثقة بالنفس.. تقلُّ مخاوفي بنسبة ازدياد شجاعتي! وهذا ما يمارسه المتمرِّسون في رياضة (اليوغا) لقناعة ذاتية أنّ تلقين الذات سبب من أسباب شحنها بطاقات (كامنة) غير مُفجَّرة.. التلقين لا يستدعيها من الخارج.. يبعثها من مرقدها في الداخل، ولذلك قال (المتنبي) في تشخيص نفساني رائع لمشكلة الخوف:

وما الخوفُ إلّا ما تخوَّفهُ الفتى       وما الأمن إلّا ما رآه الفتى آمنا!

إذاً هو شعورنا الداخلي الذي يجعلنا (نتخوَّف) تارة، و(نأمن) تارة.. القرآن يُحدِّثنا عن المسلمين المؤمنين عندما يُخوَّفون بالحشود الهائلة والترسانات الضخمة، فيقول: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) (آل عمران/ 173)، عملية إرعاب وتخويف وزرع هواجس (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران/ 173) قابلوا (التخويف) بسلاح مضادّ (الإيمان والاتكال على الله القوّة المطلقة)، (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) (آل عمران/ 174) لم يقل إنّهم كانوا واهمين يخدعون أنفسهم، بل قال: (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) (آل عمران/ 174) مما يُعزِّز نظرتنا أو نظريتنا في أنّ ليس ثمة خسارة مع الإسلام والإيمان الحقيقي.. الخسارة واقع مادّي خارجي؛ ولكن الربح حقيقة إيمانية راسخة في الأعماق!

مُخطئ مَن يتصوَّر أنّ الإسلام (أو الدِّين عموماً) يُبرمج الإنسان ويُقولبه بطريقة سلبية، أي يضخُّ فيه (معنويات كاذبة)، وإنما تفعل تعاليم الدِّين التربوية والأخلاقية والمهذِّبة للسلوك فعل الوميض الداخلي للبصيرة الذي يشعّ في وقت الحاجة إليه لينير الظُّلمة من حوله أياً كانت هذه الظُّلمة: ظُلمة قلق، أو ظُلمة خوف، أو ظُلمة فشل، أو ظُلمة انتكاسات أو ظُلمة بطن الحوت.

إنّ المسافر في اليوم المُشمس، وتمطر السماء في الأثناء، قد يفقد جوّاً صحواً مُنعشاً بدفء شمسه وصفاء سمائه؛ لكنّه إذا استمتع بالجوّ الماطر يكون قد أبعد نفسه من السقوط في حالة (التعتيم) السوداوي التشاؤمي المُقلِق.. هو إنسان عملي متوازن لا يريد أن يعيش عتمتين: عتمة غياب الشمس وعتمة نفسه الضائقة بتقلُّبات الجوّ.. يقول بثقة: يمكنني أن أستمتع بالجوّ الماطر أيضاً!

 

-    قصيدة العلاج النفسي (ابتسم)!!

(إيليا أبو ماضي) اختصَر علينا الطريق في رسم الصورة التي نحن بصدد استكمال ملامحها، يقول في قصيدته (ابتسم) وهي من روائع إبداعاته، وتعدّ واحدة من إثباتاتنا أنّ العين التي تُبصر الأرباح أكثر ارتياحاً من عين تلتقط الخسائر:

قال: السَّماءُ كئيبةٌ وتجهَّما              قلتُ: ابتسم! يكفي التهجُّمُ في السما

قال: الصِبا ولّى، فقلتُ له: ابتسم           لن يُرجعُ الأسفُ الصِبا المُتصرِّما

قال: التي كانت سمائي في الهوى             صارت لنفسي في الغرامِ جهنّما

خانت عهودي بعدما ملّكتُها          قلبي، فكيف أُطيق أن اتبسَّما

قلتُ: ابتسم واطرب فلو قارنتها             قضيتَ عُمرَك كُلُّهُ مُتألِّما

            قال: التجارةُ في صراعٍ هائلٍ        مثلُ المسافرِ كاد يقتلهُ الظما

أو غادةٍ مسلولةٍ محتاجةٍ                      لدمٍ، وتنفثُ كلّما لهثت دما!

قلتُ: ابتسم ما أنتَ جالبُ دائَها            وشفائها، فإذا ابتسمتَ فرتما

أيكونُ غيرَك مجرما، وتبيتُ في               وجلٍ كأنّك أنتَ صرتَ المُجرما؟

قال: العدى حولي علت صيحاتُهم   أأُسرُّ والأعداءُ حولي في الحمى؟

قلتُ: ابتسم لم يطلبوك بذمِّهم               لو لم تكن منهم أجلَّ وأعظما!

قال: المواسمُ قد بدت أعلامُها               وتعرَّت لي في الملابسِ والدُّمى

وعليَّ للأحبابِ فرضٌ لازمٌ           لكنّ كفّي ليس تملكُ دِرهما

قلتُ: ابتسم يكفيك أنّك لم تزل              حيّا، ولستَ من الأحبّة مُعدَما!

قال: الليالي جرَّعتني علقما            قلتُ: ابستم ولئن جرعت العلقما

فلعلَّ غيرُك إن رآك مرنَّما                      طرحَ الكآبة جانباً وترنَّما

أتُراك تَغنمُ بالتبرِّع درهما                       أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما؟!

يا صاح! لا خطرٌ على شفتيكَ أن    تتثلما، والوجه أن يتحطَّما

فاضحك فإنّ الشُّهبَ تضحكُ والدُّجى        متلاطمٌ، ولذا نُحبُّ الأنجما

قال: البشاشةُ ليسَ تسعَدُ كائنا              يأتي إلى الدُّنيا ويذهب مُرغَما

قلت: ابتسم مادام بينَك والردى            شِبرٌ فإنّك بعدُ لن تَبتسما

هذه القصيدةُ والمفاهيم الدينية في نبذ التشاؤم والخوف والتخوُّف يستقيان من منبع واحد، هو ما نُسمِّيه بـ(روح الدِّين)! وقد تستغرب أو لا يهضم عقلك ما قاله الإمام الحسن بن عليّ 7: «مَن عَبدَ الله عَبَّدَ اللهُ له كلَّ شيء»[40]؛ ولكنّها حقيقة مُجرَّبة عرفها وتذوَّقها العُبّاد.

كتبَ أحد الذين عانوا الخوف ثمّ تحرَّر منه:

1-   عشت طوال حياتي خائفٌ من الله.. أخيراً عرفتُ (أو وجدتُ) أنّه مَلاذي.. (هذا اطمئنان).

2- لِمَ الخوف؟! إن كان لقضاءٍ وقدرٍ لا أستطيع دفعهما، فإنّ خوفي لن يدفعهما.. (هذا اطمئنان).

3-    الخوف يفقدني توازني إن كان من عوارض الدنيا، تعلَّمت أن أخاف الله مخافة تقوى حتى أُخيفَ به كلَّ المخاوف. وأخذت ذلك عن مُعلِّمي الإمام الصادق 7: «مَن خاف الله أخاف الله منه كلَّ شيء، ومَن لم يخف الله أخافه الله من كلّ شيء»[41].. (هذا اطمئنان).

 

-  رابعاً – الحرب:

لا يتمّ اللجوء إلى الحرب عادة إلّا باعتبارها آخر الدواء، أو بمثابة العملية الجراحية التي لابدّ منها لاستئصال الورم الخبيث. وفظائع الحرب كثيرة، وفجائعها أكثر. ولا نتحدّث عن إيجابيات الحرب، وإن كان لها – كما في معارك التحرير والخلاص من ربقة الظلم والاستبداد – إيجابيات البحث عن الحرّية والانعتاق من المظالم والقيود؛ ولكنّنا حتى في حروب الحقّ والباطل لا نعدم (الخسائر) الكبيرة والكثيرة. في البيانات العسكرية قد يحصون الخسائر في المعدّات والأرواح؛ لكنّهم لا يستطيعون إحصاء خسائر أخرى كثيرة غير منظورة، يقول أحد الأدباء:

تقولُ التقارير الرسميةُ

انتهت الحربُ..

وعادَ الجنودُ إلى منازلهم سالمين

هذا مُصابٌ بالقُرحةِ

وهذا بالذبحة القلبية

وهذا باللوثة العقلية

وهذا بجروح نفسية بليغة

وهذا بالكوابيس الليلية

كيف إذاً..

عادَ الجنودُ من الحرب

إلى بيوتهم سالمين؟!

القرآن من جهته يتحدّث عن حرب الحقّ ضدّ الباطل فيراها (خيراً)، يقول تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة/ 216)، ويرى أنّ غاية الحرب هي عودة الضال عن ضلالته، والمجرم عن جرائمه، والظالم عن ظُلمه، والباغي عن بغيه (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ) (الحجرات/ 9). وبالنتيجة، اعتمدت إسلامياً لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (التوبة/ 14).

تقول الأنشودة العسكرية التي كان يُردِّدها بعض المقاتلين في بعض الحروب:

«إذا فقد الجندي ساقيه في الحرب.. يستطيع معانقة الأصدقاء!

وإذا فقد عينيه.. يستطيع سماع موسيقى الوطن!

وإذا فقد سمعه.. يستطيع التمتُّع برؤية الأحبّة!

وإذا فقد الإنسان كلَّ شيء.. يستطيع الاستلقاء على أرض وطنه!

أمّا إذا فقد أرضَ وطنه.. فماذا بمقدوره أن يفعل؟!».

ويمكن أن نضيف بيتاً أخيراً أو مقطعاً آخر للأنشودة: إنّ مَن يفقد في الحرب يديه وعينيه وسمعه ووطنه، فإنّه يبقى طاوياً جناحيه على أمل استعادة الوطن إذا عزَّ أو تعذَّر عليه استرجاع أعضائه المفقودة.

 

-   إحصاء بالأرباح:

أحد المغرمين بإحصاء (الأرباح) لا الخسائر كتبَ في دوامة حروب طاحنة، يقول:

1-  هذه الحروب مَحَّصت الصفوف ومَيَّزت الخبيث من الطيب.. (هذه نعمة).

2-  كشفت الأقنعة عن وجوه التجّار الذين يبيعون الدمار ويرقصون على أشلاء الضحايا، بل وكشفت الصديق من العدو.. (هذه نعمة).

3-   فضحت النقص الفادح في القيم الأخلاقية والتربوية المهدورة، داعية إلى إعادة الاعتبار.. (هذه نعمة).

4- أنتجت فكراً أكثر وعياً، وأدباً أكثر استشعاراً لأحاسيس الإنسان، وفنّاً أرقى، وإعلاماً أكثر مسؤولية.. (هذه نعمة).

5- حَسَّست الأُمّة الإسلامية بقيمة (الوحدة) و(آثار الفرقة).. (هذه نعمة).

6-  دعت إلى المراجعة ونقد الذات وتقييم الإيجابيات والسلبيات.. (هذه نعمة).

7-   حَرَّكت النوازع الخيريّة وإنفاق المال في كفالة الأيتام والعوائل المنكوبة.. (هذه نعمة).

العين المؤمنة الراصدة للإيجابيات لا تقف عند أنقاض البنايات التي هَدَّمتها الحرب لتبكيها كما كان الشاعر الجاهلي يقف على أطلال عائلة حبيبته فيسكب عبراته التي لا تعيد فقيداً.. هي عين تقول: الحمدُ لله على كلّ حال: الآن بات بإمكاننا أن نُعيد كلَّ شيء وبصورة أفضل.

سُئِلت زينب بنت عليّ 3 بعد مقتل أخيها الحسين 7 في كربلاء: كيف وجدتِ ما حصل بأهل بيتك؟ قالت: «ما رأيتُ إلّا جميلا»، وتأمَّل شاعرٌ في نهضة الحسين 7 فلم يرَ فيها الأجساد المجزَّرة والأضاحي، وإنما رأى فيها نصراً لم يلمحه إلّا مَن يرمون بأبصارهم بعيداً، ويُحدِّقون في أُفق غير أُفق غبار المعركة ودخانها:

فتىً كلّما فاضت عُيونُ قبيلةٍ               دماً ضحكت عنه الأحاديثُ والذِّكرُ

             فتىً مات بين الضَّرب والطعن ميتةً                 تقومُ مقامَ النصر إن فاته النصرُ

وما مات حتى ماتَ مَضرب سيفهِ      من الضرب واعتلت عليه القنا السمرُ

            وقد كان فوتُ الموتِ سهلاً فردَّه     إليه الحفاظُ المُرُّ والخلقُ الوَعرُ

ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنّهُ                هو الكفرُ يومَ الروعِ أو دونَهُ الكفرُ

تردّى ثيابَ الموتِ حُمراً فما دَجى         لها اللّيلُ إلّا وهي من سُندسٍ خُضرُ!

       فتىً سلبتهُ الخيلُ وهو حمىً لها            وبزّته نارُ الحربِ وهو لها جَمرُ

مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضةٌ          غداة سوى إلّا اشتهت أنّها قَبرُ

عليكَ سلامُ اللهِ وقفاً فإنّني                  رأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ لهُ عُمرُ

بربّك وأنت تقرأ هذا العنفوان الأدبيّ الملحميّ، هل تشعر أنّ ثمة (خسارة) أو (انكسار) أو (هزيمة) في معركة الحقّ ضدّ الباطل؟ إنّه الفرق بين مَن يرى (جُثّة الميت)، وبين مَن يرى حياةً جديدةً تُبعَث!

في (بلغاريا) يقولون: «لا أبطالَ من غير جراح»، وفي (الصين) يقولون: «فرسان الحرب وُلِدوا على الجبهة»، وفي (الإسلام) نقول: «فوق كلّ ذي برّ برّ حتى يُقتل الرجلُ في سبيل الله، فليس فوق ذلك برّ».

 

-   خامساً – الموت:

عَينُ الخسارة تقول: (الموت) أكبر الخسارة لأنّه خسارة رأس المال كلّه.. خسارة العمر. وعينُ الربح تقول: «الموتُ أوّلُ عدلِ الآخرة»[42]!. تلك تقول: الموتُ فناء. وهذه تقول: الموت انتقالة إلى عالم أكثر دواماً وأبقى حياةً. الخسارة تقول: الموت فقدان، والربح يقول: هو فقدان في جانب ووجدان في آخر. خسارةُ الموت بالفراق؛ لكنّ أرباحه في كسر حالة الغرور والطغيان عند الإنسان. الذين يرون خسائر الموت فقط يقولون إنّه مصيبة المصائب. والذين يطالعون لوائح الخسائر والأرباح، يقولون: لقد استراح من همّها وغمّها وتُركنا لهمّها وغمّها!

لمّا سُئِل الإمام علي بن الحسين زين العابدين 7 عن الموت، قال وهو يُحصي أرباحه: «للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب، وأطيبها روائح، وأوطأ المراكب، وآنس المنازل»[43].

ودخل الإمام الحسن العسكري على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت (لا يُفكِّر إلّا في خسائره)، قال له 7 وهو يُحدِّثه عن أرباح الموت: «يا عبدالله! تخافُ الموتَ لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القَذر، والوسخ عليك، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كُلّه، أما تُريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك؟ أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى يابن رسول الله. قال: فذاك الموت هو الحمّام، وهو آخرُ ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيِّئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذى، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح، فسكن الرجلُ واستسلم ونشط وغمّض عين نفسه ومضى لسبيله»[44].

وقد تعجب وأنت تسمع رسول الله 6 يقول: «الموت غنيمةٌ»، وأنّه «كفّارة لكلّ مسلم».. وتعجب وأنت تسمع الإمام عليّاً 7 يقول: «لا مُريحَ كالموت»[45]؛ لكن العجب يُرفع أو يرتفع إذا علمت أنّ النبيّ 6 وعليّاً 7، وهما أشدُّ الناس تفاؤلاً وحسنَ ظنّ بالله وما عنده، إنما يُحدِّثاننا عن (الأرباح) لا (الخسائر) الموتية الآنية.

 

-   إحصاء الأرباح:

جلس أحدهم يتذكّر الموت ويحصي منافعه، فذكر منها:

1-   يكفي أنّه رحيل إلى العدالة المطلقة حيث لا ظلم ولا بغي ولا شرور (لا ظُلمَ اليوم).. (هذه نعمة).

2-   إنّه نقلة إلى الحياة الباقية الخالدة.. مقدّمة لها.. بوّابة كبيرة ننفذ إليها من (جُحر) الدنيا الصغير إلى الفضاءات الواسعة الرحبة.. (هذه نعمة).

3-   هو انعتاق من سجن المادّة ونواقصها ومنغصاتها (الدنيا سجن المؤمن).. (هذه نعمة).

4-  يُخفِّف الموتُ عبئك إن كنت مريضاً أو هَرِماً وضاقت بك الحياة.. (هذه نعمة).

5-   هو وصال مع الأحبّة الراحلين السابقين (ما أولهني لأسلافي). يُروى أنّ (بلال بن رباح) كان يقول قبل موته: «غداً نلقى الأحبّة محمّداً وصحبه».. (هذه نعمة)

6-  النظرة الإيجابية للموت تدفع نحو (تجويد) الحياة، وتعمل كمُحرِّك للإبداع والاجتهاد، وإلى الإدخار في البنك الأُخروي.. (هذه نعمة).

7- الموت ليس انقطاعاً كلِّياً، لأنّ الجسور تبقى ممتدّة بين الأحياء والأموات من خلال الزيارات والدعوات والنذورات والصدقات والهدايا.. (هذه نعمة).

ابتُلي الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العامليّ 2 بأنّه ما رُزِق بمولود إلّا وأُصيب بفقده بعد حين، حتى لم يبقَ له من الذُّرِّية التي رُزقها أحد. لو كان (العامليّ) ممّن يهتمّون بجمع الخسائر وإحصاء الأضرار ربما مات كمداً وحزناً على فقد فلذات كبده؛ لكنّه بدلاً من ذلك راح يُحصي الأرباح فألَّف كتاباً قيِّماً في قصص الذين أفقدهم الموت أعزّ الناس بالنسبة لهم؛ لكنّهم واجهوا ذلك بالصبر والتسليم وحساب الأرباح.. أسمى كتابه بـ(مُسكِّن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد) وهو حقّاً تسلية للفاقدين عن المفقودين.

هذا في جانب الموت الطبيعي، أمّا (الشهادة) كونها قتلاً في سبيل الله، أو هي (إخسار) النفس في نظر بعض الناس، فأرباحها جمّة كثيرة لا تُقارن بموت اعتيادي، وأوّل وأكبر أرباحها أنّ الله تعالى يكفل للشهيد حياة أبدية بقرينة قوله عزّوجلّ: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 169 – 171)، هذه الآيات طافحة بالبشائر والاستبشارات الدالّة على أنّ أشرف الموت القتل وأنّ خسارته الظاهرية لا تُقارن بأرباحه الجزيلة، ولذلك يخاطب القرآن المولعين بإحصاء الخسائر فيقول لهم: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة/ 154).

والأرباح بعد ذلك كثيرة، ومنها: أنّها كفّارة لكلّ الذنوب. عن رسول الله 6: «الشهادةُ تُكفِّر كلّ شيء إلّا الدَّين»[46]، لأنّ الدَّين حقّ الناس.. وأمّا باقي الأُمور من تقصيرات الإنسان بحقّ ربّه، فقابلة للعفو والغفران والتكفير والجُبران.

وعن الإمام الصادق 7: «مَن قُتِل في سبيل الله لم يُعرِّفه الله شيئاً من سيِّئاته»[47]. وعن النبيّ 6: «مَن لقي العدوُّ فصبر حتى يُقتَل أو يغلِب لم يُفتن في قبره»[48] (لم يُفتن لم يُعذَّب أو يُسائل). وفي الخبر، عنه 6: «ما من نفس تموت لها عند الله خيرٌ يسرّها أنّها ترجع إلى الدنيا، ولا أنّ لها الدنيا وما فيها، إلّا الشهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع فيُقتل في الدنيا، لما يرى من فضل الشهادة»[49]، بل الأكثر من ذلك أنّ (الجريح) في معركة الحقّ مُثابٌ عند الله ثواباً عظيماً.

في الأثر، عن رسول الله 6: «مَن جُرِح في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحهُ كريح المسك ولونه لون الزعفران عليه طابع الشُّهداء، ومَن سأل الله الشهادة مُخلصاً أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه»[50]، أي إنّه ينال ثوابها وإن لم تصبه، فأيُّ ربح أكبرُ من هذا؟! وصدقَ الألمان إذ يقولون: «من الصعب تخويف مَن يعتقد بالربح بعد الموت».

 

-   سادساً – الضرائب المالية:

ونعني بـ(الضرائب المالية) الحقوق المترتِّبة بذمّة الأغنياء للفقراء. قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج/ 24 – 25) بحسب أنصبتها وحصصها المعلومة.. فهل إعطاء الحقّ الشرعي أو (الضريبة المالية) خسارة؟

في حسابات المال، أيُّ إنفاق للأموال أو الثروة في غير حاجات الإنسان، أو بالأصحّ أي عبء مالي يُضاف على قائمة مصروفات الإنسان لنفسه ولأهله ولعمله يعدّ انتقاصاً من المال، وبالتالي فهو خسارة.

كيف يمكن لي كمسلم أن لا أعتبر مصروفاتي المالية على الضرائب والحقوق خسارة؟

الجواب من القرآن: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد/ 7)، والأجر الكبير الأُخروي عند الله ليس كالأجر الكبير الدنيوي، كبيرٌ ولكن كم هو كبير؟! علمُ ذلك عند الله العليّ الكبير. يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) (فاطر/ 29)، والتجارة التي لن تبور (الرابحة) حتماً.

والإنفاق في الإسلام إمّا (إلزامي) بصفته تكليفاً شرعياً، وهو ما عنينا به (الضرائب) أو الحقوق.. وإمّا (طوعي) وهو وإن كان انتقاصاً من المال أيضاً؛ لكنّه يُصرَف عن طيب نفس من المنفق، وعلى فرض اعتبار أنّ هذا (خسارة) عند غير المؤمنين بالله؛ لكنّه (خسارة معوَّضة). يقول تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (البقرة/ 272).

إنّ المتأمِّل في فوائد وعوائد الإنفاق على المنفق مما يدفعه ويُحمِّسه إليه ينتهي إلى نتيجة مهمّة وهي أنّ مردودات الإنفاق (إلزامياً) و(طوعياً) دنيوية أيضاً وليست أُخروية فقط، ذلك أنّ معنى بذل المال وتزكيته (نماؤه) و(طرح البركة فيه)، فضلاً عمّا يحظى به المنفق من مكاسب اجتماعية في رفع روح المحبّة والأُلفة والتعاون والثقة بين الناس وإزالة حالة الانتقام التي تعتري المحرومين ضدّ حارميهم حقوقهم. إنّ كلمة (التوفية) في قوله سبحانه: (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) (البقرة/ 272) ضمانة إلهية في (الربح)، مقابل ما يُتصوَّر أنّه (خسارة). ويقول عزّوجلّ في الإنفاق العام: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 261).

سأل النبيّ 6 ابنته فاطمة 3 ذات يوم بعد أن ذبحوا شاة ووزَّعوا لحمها على الفقراء: كم بقي منها؟ قالت: لم يبقَ إلّا كتفها! قال: «بقي كلُّها غيرَ كِتفها»! وحال المنفق من أموال الإنسان كحال هذه الشاة: (مُدخَرٌ) و(مَكنوزٌ) أو (مَودَّعٌ) في البنك الإلهي وبفوائد عالية جدّاً!

أمّا القَرض الحسن (الذي بلا فوائد ربوية) والذي يتصوَّره عدّادو الخسائر تجميداً للمال وعدم انتفاع صاحبه به، فهو زيادة على الحسنة التي تعدّ الواحدة منها بـ(عشرة)، حيث ورد أنّ القرض بـ(ثمانية عشر)، بل مضاعفاً بأضعاف كثيرة، يقول تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (البقرة/ 245).

الطريف، أنّ القرآن يُحدِّثنا عن أنّ المولعين بحساب الخسائر إنما يتبعون إيحاءات ووسوسات الشيطان في ذلك. يقول عزّوجلّ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 268). ونسأل: اثنان هما: أحدهما له تاريخ طويل من الكذب واللعب والتضليل والتغرير، والآخر له تاريخ طويل من الصدق والوفاء والقدرة والسعة.. أيّهما نُصدِّق؟!

يُحكى أنّ رجلاً صالحاً كان يقبض من السلطان مبلغاً ضخماً من المال وينفق جلَّه في سبيل الله. سأله السلطان ذات يوم: سمعتُ أنّك لا تحبّ المال والسعادة لا تكتمل إلّا به؟ قال: على العكس يا حضرة السلطان، أنا أحبّ المال حبّاً جمّاً، وأنِّي لحريصٌ عليه أكثر من أي شيء، وليس في حاشيتك ما هو أحرص عليه منِّي. تعجَّب السلطان لقوله وسأله: وكيف ذاك؟ قال: أنا أنفق أموالي لأنّني أريدُ أن أصحبها بعدي ولا أريد أن أُبقي منها شيئاً، لذلك تراني حريصاً على نقلها من دار (ممرّي) إلى دار (مقرّي)!!

هل كان ذلك الرجل مجنوناً، أو يتحدّث بلغة خارجة عن منطق أسواق المال؟ هل كان إنفاقه لأمواله في الخير سفاهة أم حساب للأرباح على طريقة خاصّة؟ أغلب الظن أنّ أصحاب الأموال يحسبونها جيِّداً أياً كانت مصاريفهم!

 

-  سابعاً – الغُربة:

الهجرةُ من الوطن والتغرُّب والابتعاد عن مرابع الذكريات والأحبّة، خسارة نفسية كبيرة بالنسبة لمن يتعلّق بالوطن كتراب وماء وشجر ومباني وعَلَم وأشخاص وذكريات، وربما خسارة مالية يفقد فيها مهنته أو حرفته أو وظيفته أو متجره.

لكن الغُربة (الهجرة) في حسابات المهاجرين الذين يهاجرون في سبيل الله اعتزالاً للظلم والظالمين فيها مغانم و(أرباح) كثيرة. يقول تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (النِّساء/ 100). والمراغم جمع (راغم) وهو الذي يغلب غيره ويقهره، والمهاجر يرغم أنف عدوّه الظالم بعدم الركون والركوع إليه، وإرغام الظروف التي قهرته وألجأته إلى الهجرة ليجد له متسعاً في أرض الله الواسعة خيراً له: سعةً في الرزق، وسعةً في العلائق الاجتماعية، وسعة في الآفاق الفكرية.. وإذا مات في هجرته بعيداً عن وطنه الأُم (فقد وقع أجره على الله)، وهو أجرٌ لم يُحدِّد دلالة على سعته أيضاً!

 

-  إحصاء الأرباح:

1-   بالهجرة اتّسعت مداركي العلمية والثقافية والعملية.. (هذه نعمة).

2-   بالهجرة تعرَّفت على أُناس من مختلف الجنسيات والأجناس، أغنوا تجربتي، وأثروا حياتي.. (هذه نعمة).

3-  بالهجرة وجدت أبواباً للرزق غير تلك التي كنت أتكسَّب منها في بلدي.. (هذه نعمة).

4-   بالهجرة سحتُ في بلدان كثيرة، وزرت آثاراً كثيرة، وعشتُ تاريخ الأُمم الماضية التي عمرت الأرض، مما زاد في عمق معرفتي بالله تعالى وبالمآل والصبر.. (هذه نعمة).

5- بالهجرة عرفت معنى محاسن (النظام) وإيجابيات (القانون) وفوائد (رعاية حقوق الإنسان)، وأساليب الإبداع والاختراع والتجديد والتطوير.. (هذه نعمة).

خسرتُ بارتحالي عن وطني قطعة أرض ومصدر رزق.. وجدتُ في أرض الله الواسعة ما سدّ فراغاتي المالية والنفسية: «المال في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة».. حملتني بقاع بعيدة فيما ضاقت بي أرض شهدت مسقط رأسي ومولد ذكرياتي وملتقى أحبّتي.. وجدتُ في حديث كتاب الله عن الهجرة مصاديق ملموسة.. ودلائل مشهودة، وعرفتُ معنى أن يقول الرسول 6: «سافروا تغنموا». ومعنى أن يقول الإمام عليّ 7: «ليس بلدٌ بأحقَّ بكَ من بلدٍ.. خيرُ البلادِ ما حَملَكَ»[51]. ومعنى ما يقوله الصينيون: «مَن يُسافر يُصبح حكيماً، وليس حكيماً مَن يبقى في البيت». ومعنى أن يقول الشاعر:

سافرْ تنل رُتبَ المفاخرِ والعُلى            فالدُّرُّ سارَ فصارَ في التيجانِ

وكذا هلالُ الأُفقِ لو تَرك السُّرى                   ما فارقتهُ معرّةُ النُقصانِ

ومعنى قول (الشافعي):

تَغرَّب عن الأوطان في طلبِ العُلى               وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ

تفريجُ هَمٍّ واكتسابُ معيشةِ                          وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ

تَعلَّمت في غربتي أنّ كلّ مكان (مدرسة).. وكلّ أرض الله بلادي.. وجميع الناس أقاربي!

 

-   ثامناً – الفقر:

كم كان الإمام عليّ 7 مُصيباً عندما قال: «لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته»، لأنّه ما من منقصة إلّا وتجدها في الفقر؛ لكن السؤال: هل الفقر كلّه عيوب؟ وهل هو خسارة على كلّ صعيد؟ ماذا لو اُبتلي مسلمٌ بالفقر؟ وأراد أن يُطبِّق نظريتنا في أنّه ليس في الإسلام خسائر.. كيف كان يمكن أن ينظر أو يتعامل مع فقره؟!

أوّلاً وقبل كلّ شيء، على الإنسان الفقير أن يسعى لتحسين وضعه المادّي والمعاشي ليتحسّن بذلك وضعه النفسي، إلّا أنّنا لا نتحدّث عن (فقر) له (جَبر).. وإنما حديثنا عن فقرٍ مُزمنٍ أو ملازم أو طويل الأمد.. كيف حسب الفقراء الذين هم صفرُ اليدين وليس لديهم شيء، أرباح فقرهم؟!

إذا كان غير المسلمين يجدون في الفقر أرباحاً، فما بالك بدين بُني أساساً على (الربح مع الله) لأنّه قائم أساساً على (التجارة مع الله)!!

يقول الأفارقة، وهم من الشعوب الفقيرة المعروفة بفقرها، بل وبعض أبنائها تحت خط الفقر: «فقرٌ بلا دُيون غِنى».. (هذا ربح).

يقول الروس: «الفقر يرينا مَن هم أعداؤنا ومَن هم أصدقاؤنا».. (هذا ربح).

ويقولون أيضاً: «جَيبٌ فارغ.. ضميرٌ مُرتاح».. (هذا ربحٌ غير منظور أو غير مرصود).

في الصين يقول الفقراء: «يوجد الكثير من الرجال الجيِّدين تحت القبعات الرثّة»! (هذا ربح لا تلتقطه الكاميرات ولا تحصيه الحاسبات).

في الإسلام (رهاننا في الفرضية) يُعلِّمنا رسول الله 6 أنّ الفقر فخر: «الفقرُ فخري»[52]، وأنّ «الفقراء أصدقاء الله»[53]. وسُئِلَ 6 عن الفقر، فقال: «خزانة من خزائن الله: قيل: ثانياً (أي وماذا بعد)، فقال: كرامة من الله. قيل: ثالثاً (وماذا بعد)، قال: شيءٌ لا يعطيه الله إلّا نبياً مُرسلاً أو مؤمناً كريماً على الله تعالى»[54].

والسؤال: وهل في الفقر ما يُمتدح؟

يُجيبنا الإمام عليّ 7 فيما نُسِب إليه من شعر:

دليلُك أنّ الفقرَ خيرٌ من الغِنى             وأنّ قليلَ المال خيرٌ من المُثري

لقاؤك مخلوقاً على الله بالغنى               ولم ترَ مخلوقاً على اللهَ بالفقرِ

وأعظم الأرباح التي يجنيها الفقير من فقره (اعتذارُ الله سبحانه منه)، حتى ليتمنّى الغنيُّ لو كان فقيراً. في الرواية عن الإمام الصادق 7: «إنّ الله جلَّ ثناؤه ليعتذر إلى عبده المؤمن المُحوج (الفقير)، وفي رواية (إلى فقراء المؤمنين)، كما يعتذر الأخُ إلى أخيه، فيقول: وعزّتي وجلالي، ما أحوجتك في الدنيا من لهو إن كان بك عليَّ، فارفع هذا السَّجف (الغطاء أو الستر) فانظر إلى ما عوّضتك من الدنيا. قال: فيرفع، فيقول: ما ضرّني ما منعتني مع ما عوّضتني»[55]، أي لسوف يعطيه ربّه فيرضى.. والدنيا مهما طالت فهي قصيرة، وصبرٌ على ضيقها يستأهله أو يستحقّه الغنى الأبديّ!

حاول أحد الأشخاص أن يُخفِّف وقع الفقر على فقير، فجرى بينهما الحوار الشيِّق الآتي:

الشخص: بكم تبيعُ ما عندك؟

الفقير: وهل ترى عندي شيئاً أبيعه؟ ليس عندي ما يُباع.

الشخص: لا أشتري منك (الآحاد) أي الفرديات، بل أشتري منك أحد (الزوجيات).

ظنّ الفقيرُ أنّ المشتري يسخر منه أو يستخفَّ به، قال: أما رأيت أحداً تشتري منه غيري، أنا صفرُ اليدين، هلا رأيت رثائة حالي؟!

المشتري: لا أشتري رأسك لأنّه واحد، ولا قلبك لأنّه واحد، هل تبيعني إحدى عينيك بمئة ألف؟

قال الفقير: لا أبيع.

قال: بعني إحدى أُذنيك بمئة ألف.

الفقير: لا أبيع.

قال: بعني إحدى رئتيك بمئة ألف.

الفقير: لا أبيع.

قال: بعني إحدى يديك بمئة ألف.

الفقير: لا أبيع.

قال: بعني أحد كليتيك بمئة ألف.

الفقير: لا أبيع.

قال: بعني أحد رجليك بمئة ألف.

قال الفقير: لا أبيع شيئاً من جسدي أبداً.. لا أملك غيره؛ لكنّني لا أبيع شيئاً منه.

قال المشتري: لديك مئات الآلاف وتقول فقير؟!

قال الفقير: صدقت. مَن عافاني فقد أغناني.. صحّتي مع فقري خيرٌ لي من ملايين الأثرياء مع السقم والمرض والأوجاع والآلام.

قال المشتري: يمكنك أن تبيع أحد مزدوجاتك (عينك) (أُذنك) (يدك) (رجلك) وتغتني بالمال؛ ولكن ماذا لو سمعت من غنيّ من أصحاب البلايين يقول بعد أن مرّ بسلسلة من الزيجات الفاشلة، وسُئِل عن أكثر ما منحه السعادة، وهو صاحب الثروة الطائلة: التنزُّه على إحدى الشواطئ الجميلة، ثمّ السباحة، كما يمكن أن يفعل أفقر الناس مجاناً!![56]

قال الفقير: إذا كان فاحشو الثراء يستمتعون بما هو مجاني من الأشياء، فلماذا لا نفعل ذلك نحن الفقراء!! الآن فهمت لماذا قال الإمام عليّ 7: «ملوكُ الدنيا والآخرة الفقراءُ الراضون»[57].

وسأل الفقراءُ النبيّ 6 ذات يوم: هل لنا أجرٌ إذ نرى الفاكهة في السوق فنشتهيها وليس معنا ناضّ (دينار أو درهم) نشتري به؟ قال: «وهل الأجرُ إلّا في ذلك»[58]؟! طوبى إذاً للفقراء لأنّهم الأكثر أرباحاً على الله يوم القيامة! هذا مع مَن لازمه الفقر وصاحبه؛ ولكن على الإنسان أن يسعى بمقدار جهده ويعمل على تحسين حاله بما يستطيع.

 

-   تاسعاً – الابتلاءات والكوارث بأنواعها:

لكي نعطيك إيّاها قصيرةً من طويلة، دعنا نتحدّث عن سلسلة الابتلاءات والرزايا والنكبات والكوارث والمآسي التي تحفل بها الحياة.. أين الأرباح في هذه المعاناة والمكابدة الطويلة الشديدة؟

الجواب من القرآن: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام/ 42). في تفسير (السعدي) للآية: «أي: بالفقر والمرض والآفات، والمصائب رحمة منّا بهم (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) إلينا، ويلجأون عند الشدّة إلينا» (ص 256). وقال سبحانه: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (الكهف/ 7).

في جواب الروايات، يكشف لنا الإمام عليّ 7 بعض أرباح الابتلاءات، فيقول: «ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المَجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبُّر من قلوبهم (ربح)، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم (ربح)، وليجعل ذلك أبواباً فُتحاً إلى فضله (ربح)، وأسبابا ذُلُلاً (مُيسَّرة) لعفوه (ربح)»[59].

وعلى ذلك، اعتبر النبيّ 6 عدَّ البلاء نعمة من الإيمان، حيث يقول: «لا تكون مؤمناً حتى تُعدَّ البلاء نعمة والرخاء محنة، لأنّ بلاء الدنيا نعمة في الآخرة، ورخاء الدنيا محنة في الآخرة». كما اعتبره نوعاً من (التعاهد والرعاية) الإلهية في قوله: «إنّ الله يتعهّد عبده المؤمن بأنواع البلاء كما يتعهّد أهل البيت سيِّدهم بطُرفَ (أنواع) الطعام»[60].

وكان فيما أوحى به الله تعالى لموسى 7: «ما خلقتُ خلقاً أحبَّ إليَّ من عبدي المؤمن، فإنّي إنما ابتليه لما هو خيرٌ له، وأعافيه لما هو خيرٌ له، وأزوي عنه لما هو خيرٌ له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرضى بقضائي، أكتبهُ في الصِّدِّيقين عندي»[61].

ولو أردنا دليلاً نستدلُّ به على صحّة فرضيتنا أو رهاننا أو زعمنا لما وجدنا حديثاً بعد حديث «عجبتُ من أمر المؤمن إن أمره كلّه له خير» غير هذا، وما باقي شروحات الكتاب إلّا تفاصيل.

وفي جواب الأُدباء، يقول الشاعر سعدي الشيرازي: «أصحاب النظرة الضيِّقة دائماً يطلبون الراحة، أمّا العارف فهو يجد راحته في البلاء»!

وبحسب لغة هذا الكتاب، فإنّ ذوي النظرات الضيِّقة هم الذين يُركِّزون على (الخسائر) فقط، وإنّ العارفين هم الذين يُسجّلون (الأرباح) أيضاً.

ويعتبر (مولوي) الابتلاءات بمثابة مُطهِّرات للروح، ويُشبِّهها بالمواد المستعملة لتطهير الجلود عند دباغتها، فيقول: «المواد المستعملة لدباغة الجلود تُسلِّط عليها (بلاءً) ينتج لنا جلوداً لطيفة، ولو لم تُصبُّ عليها هذه المواد الحادّة المرارة، لأصبحت تلك الجلود نتنة ووسخة، وقِسِ الإنسان على هذه الجلود، فقد أمسى من الرطوبة قبيحاً وثقيلاً، ولابدّ من تسليط الحرارة الحادّة عليه ليغدو نظيفاً ولطيفاً ورائعاً»[62].

ويقول (مولوي) واصفاً أرباح الابتلاء بأبلغ الصور:

«لمّا أخفوا الحُنطةَ تحتَ التُّراب

نمت وتحوَّلت إلى الكثير من السنابل

ولمّا عرَّضوها للطحن في الطاحونة

ارتفع ثمنها وأصبحت خبزاً يحفظ الحياة

ولمّا تعرَّض هذا الخبز لطحن الأسنان

أصبح عقلاً، وروحاً، وفهماً

ولمّا انمحت هذه الروحُ في الحبّ

أصبحت بعد الزرع تُعجبُ الزُرّاع!»[63].

وأمّا جواب التجارب: فلقد أثبتت الدراسات الاجتماعية الميدانية والنفسية السريرية أنّ للأحزان والآلام دورهما التكاملي وأثرهما الإيجابي في تكوين وبناء وإنضاج الشخصية الإنسانية وتصحيح مسارها. في الحديث: «إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من العمل ما يُكفِّرها ابتلاه الله بالحزن ليُكفِّرها»[64].

 

-  إحصاء الأرباح:

مبتلىً جَرَد محاسن أو أرباح ابتلاءاته، فكتب يذكر منها:

1- الفوائد والأرباح والتعويضات على البلاء أكثر من خسائر الآلام والتباريح والابتلاءات نفسها.. (هذه نعمة).

2- كلُّ ألم يلحق بالإنسان أو يُصاب به (لطفٌ خفي) يهدف إلى إصلاحه وتقريبه من الطاعة ويُقوِّي مناعته الروحية، ويحميه من أضرار أعظم وأكبر وأشدّ.. (هذه نعمة).

3- الابتلاءات خلصتني من الاسترخاء والترهُّل والكسل والخمول، وأنقذتني من حالة السمنة النفسية والتكلُّس الروحي الذي يُعيق الإبداع.. (هذه نعمة).

4- البلايا والمصائب أرهفت حسّي الإنساني، صرت أكثر شعوراً وإحساساً بآلام المنكوبين وأكثر مواساة لهم.. (هذه نعمة).

5- الآفات والبلاءات أعطتني القدرة على تمييز المؤمنين الصادقين الصابرين، من الكاذبين المدّعين.. (هذه نعمة).

6-  جملة المصاعب والمصائب نمّت في نفسي شعوراً عالياً بالرِّضا بالقضاء وبما يأتي من الله.. (هذه نعمة).

وقد عبَّر (سعدي الشيرازي) عن ذلك بقوله: «وكلُّ امرئٍ يُقتل بسيف الحبّ، قُلْ له لا تغتمّ فإنّ دِيَتك مُلكُ الأبد»!

 

-   الخلاصة:

1- النظر إلى الوجه الآخر، النصف الآخر، البُعد الآخر، ليس صرفاً للنظر عن حقيقة الوجع وطبيعة الألم.. هو علاج من علاجاته الشافية.

2-  أن تقرأ المخبوء أو المستور تحت غلالة الأوجاع والآلام والمآسي قراءة كلِّية واعية تتجاوز اللحظة المشحونة أو المثقلة بالتصدُّع، تلك قراءة تحسب الأرباح بعدما يكون إحصاء الخسائر شيئاً أو أمراً متاحاً للجميع.

3-  ليس التلقين أو الإيحاء الذاتي لعبة خداع أو إيهام للنفس، إنّه نوع من العلاج (الثقافي) في اللحظة التي تستدعي علاجاً من نوع آخر.

4-   عادة ما نحصي الخسائر المادّية: الجراح، الكسور، البتر، فقدان عزيز أو أكثر، هدم منزل أو عدّة منازل، احتراق مخزن أو مخازن.. وما شابه. يجب أن لا نفهم خطأ.. نحنُ هنا لا ندعو إلى إلغاء عادة حساب الخسائر، بل نقول إلى جانبها: لنحسب برويّة كم من الأرباح كسبنا؟!

 


عزيزنا القارئ الكريم..

هذا هو ادّعاؤنا وزعمنا..

هذه هي فرضيتنا..

هذا هو تحدّينا، ورهاننا..

وهذه هي أدلّتنا وإثباتاتنا..

هل شَكَّل (البرهان) إجابة عن (العنوان)..

أنتَ الحَكَم..!!

 

-وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-

 


[1] - عادل القاضي، كتاب مدرسة الشهيد الصدر الأخلاقية: أصولها وخصائصها، صفحة الغلاف الأخيرة.

[2] - مسند أحمد، المجلد4، ص332.

[3] - ما فوق الذكاء العاطفي، حلاوة الإيمان، ص41.

[4] - الصحيفة السجادية، علي بن الحسين 7، دعاؤه عند دخول شهر رمضان.

[5] - آفاق الروح في أدعية الصحيفة السجادية، العلّامة الراحل السيِّد محمّد حسين فضل الله ;، ج2، ص407.

[6] - نهج البلاغة، تنظيم صبحي الصالح، الخطبة 28، ص71.

[7] - المصدر نفسه، الكتاب 43، ص415.

[8] - المصدر نفسه، قصار الحكم/ 383، ص544.

[9] -  المصدر نفسه، قصار الحكم/ 37، ص475.

[10] - المصدر نفسه، قصار الحكم/ 113، ص488.

[11] - المصدر نفسه، الخطبة 114، ص170.

[12] - النفس المحرَّمة: البريئة التي لم ترتكب جرماً تستحق عليه القتل، كفسادها أو قتلها لنفس أخرى.

[13] - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج2، ص118.

[14] - المصدر السابق نفسه، ص119.

[15] - غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل8، رقم12، ص185.

[16] - الذين أحلّوا حرام الله وحرَّموا حلاله وليس كلّهم قاطبة.

[17] - نور الثقلين، 3/ 312.

[18] -  الإيحاء الذاتي، السلسلة السيكولوجية، ص9.

[19] - المصدر السابق، ص3.

[20] - الاقتحام دروس في الحياة، ريتشارد برانسون، ص9.

[21] - الإيحاء الذاتي، السلسلة السيكولوجية، ج2، ص14 – 17.

[22] - يضرب (غاري كوكس) في كتابه ذاك مثلاً عمّا تعمله شركة (ديزني) مع الممثلين في ضرورة أن يظهروا مُبتسمين ومُظهرين للسعادة والفرح والودّ لمن يشاهدهم وإن لم تتملكهم تلك المشاعر حقيقة.

[23] - الإيحاء الذاتي، السلسلة السيكولوجية، ص27.

[24]- غرر الحكم ودرر الكلم، رقم424، ص31.

[25] - قوّة العزيمة، د. واين دبليو داير، ص277.

[26] - كشفت الدراسات التي أُجريت على مرضى القلب أنّ الشخص الذي يشعر بأنّه قد عُزل عن عائلته ومجتمعه وخاصّة حياته الروحانية، كان الأكثر عرضة للمرض. أمّا الدراسات التي أجريت على المُعمِّرين، فقد أظهرت أنّ المعمِّر هو الشخص الذي يعيش في ظل مُعتَقد روحاني قوي وحسٌّ بالانتماء إلى المجتمع.

[27] - المنذري، الترغيب والترهيب، المجلد4، كتاب الجنائز، باب الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلى في نفسه، رقم الحديث55، ص292.

[28] - المصدر السابق نفسه، رقم الحديث57، ص293.

[29] - الفروع من الكافي،  ج3، كتاب الجنائز، باب ثواب المرض، رقم الحديث7، ص113.

[30] - الصحيفة السجادية، الدُّعاء15، ص65.

[31] - البلد الأمين للكفعمي، ومفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي.

[32] - الآلوسي، تفسير روح المعاني، ج29، ص210.

[33] - د. وصال حمقة، جواهر العقول، ص383.

[34] - (معيّة الله): أي استشعار وجوده معك حتى في (الخلوة) وحتى في (الوحدة) وحتى في المواقف الصعبة الرهيبة، هو شعور حقيقي وليس خيالاً يجنح بصاحبه. النبيّ 6 قال لصاحبه في الغار وقد اتجهت إليه قريش: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة/ 40).

[35] - من مقدّمة (الثورة المعصومة)، مهدي عبدالمهدي، ص15.

[36] - ميزان الحكمة، مادّة (الحرّية).

[37] - ميزان الحكمة، مادّة (السجن).

[38] - الموت، السلسلة السيكولوجية، ج2، خلاصة ص14-30.

[39] - نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم175.

[40] - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج2، ص108.

[41] - الكليني، أصول الكافي، ج2، ص68.

[42] - غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل1، رقم1476، ص76.

[43] - الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص288.

[44] - المصدر السابق نفسه، ص289.

[45] - الروايات الثلاثة عن (ميزان الحكمة)، مادّة (الموت).

[46] - المتقي الهندي، كنز العمال، المجلد4، باب5، رقم11098.

[47] - الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، رقم19919.

[48] - المتقي الهندي، كنز العمال، كتاب الجهاد، المجلد4، باب1، رقم10662.

[49] - صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد، رقم الحديث1877.

[50] - المتقي الهندي، كنز العمال، كتاب الجهاد، المجلد4، باب1، رقم10539، ورواه ابن ماجة في السنّن، ج2، رقم الحديث2795.

[51] - نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم434.

[52] - بحار الأنوار، ج72، ص49.

[53] - الفردوس، 3/ 157.

[54] - بحار الأنوار، ج72، ص47.

[55] - الكليني، أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب فضل فقراء المسلمين، رقم18، ص264.

[56] - لا تدع الآخرين يحتلون رأسك، غاري كوكس، ص254 – 255.

[57] - غرر الحكم ودرر الكلم، تنظيم الآمدي، الفصل80، رقم105، ص708.

[58] - المتقي الهندي، كنز العمال، المجلد6، رقم الحديث16657، ص485.

[59] - نهج البلاغة، تنظيم صبحي الصالح، الخطبة192، ص294.

[60] - ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، المجلد1، باب الابتلاء، رقم الحديث1926، ص487.

[61] - المصدر السابق نفسه، رقم1971، ص496.

[62] - مرتضى مطهري، العدل الإلهي، ص196 – 197.

[63] - المصدر السابق نفسه.

[64] - مسند أحمد، المجلد6، ص157.

ارسال التعليق

Top