• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معايير العدالة الاجتماعية

عمار كاظم

معايير العدالة الاجتماعية

لا تستطيع المجتمعات العيش بلا أنظمة وقوانين تحكمها، فالقوانين هي وسيلة الحفاظ على الحقوق وهي الوسيلة التي تصان فيها كرامة الفرد وتستغل فيها الثروات وتحدد بها المسؤوليات والواجبات المناطة بالجهات والأفراد والجماعات، لذلك لا وجود للدولة بلا قوانين تنظمها وتديرها ولا وجود للدولة أيضاً بلا العدالة التي تضمن تطبيق القوانين على جميع الناس بلا استثناء أو تمييز. فالعدالة هي مفهوم إنساني مهم جداً، ويعني المساواة بين جميع الأفراد في حقوقهم وواجباتهم كلّ حسب قدرته وظرفه فليس من العدالة معاملة القوي والضعيف بنفس المعاملة، ويندرج تحت هذا المصطلح تكافؤ الفرص بين جميع الأفراد وتوزيع المقدرات والثروات والمكتسبات بالمساواة. تحقيق العدالة في المجتمع ليس بالموضوع السهل، وإحساس الناس بأنّ هم جميعاً متساوون بالحقوق والواجبات لا تمييز بينهم على أساس عرقي أو طائفي أو ديني أو على أساس أوضاعهم الاجتماعية أو أشكالهم أو غيرها من أشكال التمييز التي تسبب حالة احتقان في المجتمع يصعب التخلص منها على مر الازمان والعقود تسبب حالة من الاستقرار النفسي للمواطنين. إنّ غياب العدالة من المجتمعات هو مدعاة للفوضى وانتشار الظلم والفساد والفقر وإهدار الحقوق، فتصبح هذه البيئة خصبة للتطرف والتعصب والانحدار الأخلاقي. فالعدالة هي الصمام الذي يحفظ الدول والمجتمعات، فليست العبرة في عدم وجود الموارد، ولكن العبرة في أن يشعر الجميع بأنّ نقص الموارد حالة عامة يتأثر بها الجميع. فالتنظير للعدالة وتكافؤ الفرص واحترام الحقوق لا يشبع الناس ما لم يجدوا أنّ هؤلاء المنظرين قد تحوّلوا من التنظير إلى التطبيق العملي.

العدالة الاجتماعية هي عبارة عن نظام اجتماعي اقتصادي، يهدف إلى تذليل وإزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع الواحد، حيث تعمل على توفير المعاملة العادلة وتوفير الحصة التشاركية من خيرات المجتمع للجميع. وتتمثل في النفعية الاقتصادية، والعمل على إعادة توزيع (الدخل القومي، وتكافؤ الفرص)، ليتشكل في النهاية ما يسمى بالمجتمع المدني.

وتسعى كثير من الأمم والحضارات إلى السمو بقيمها ومثلها من خلال تطبيق منظومة أخلاقية تقوم على أساس تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، فالعدالة الاجتماعية هي مفهوم شامل لكثيرٍ من جوانب حياة الناس، وإنّ من شأن تطبيق هذا المفهوم في المجتمع أن يحقّق العدالة والمساواة بين الناس، ويحقّق لهم الحياة الطيبة العادلة بعيداً عن مشاعر الإحساس بالظلم أو القهر نتيجة سلب الحقوق أو الاستئثار بالثروات أو احتكار أيّ منها لطبقة من المجتمع دون أخرى. فالعدالة الاجتماعية يعني تطبيق منظومة من السياسات والإجراءات التي تضمن لجميع الناس الحصول على حقوقهم على قدم المساواة مع غيرهم دون محاباة لصاحب سلطة أو جاه أو نفوذ، وكذلك تشير العدالة الاجتماعية إلى حقّ كلّ مواطن في الدولة أن يحصل على نصيبه من الناتج القومي للدولة، وأن يكون له الحقّ في التعبير عن رأيه بحرّية والمشاركة في العمل الاجتماعي والسياسي، وتكافؤ الفرص أمام جميع الناس، وإزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بينهم بحيث يكونون متساوين في الحقوق والواجبات.

كما اهتم الإسلام بمسألة تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال منظومة متكاملة شاملة لجميع جوانب حياة الناس، ولم تأتِ شريعة من الشرائع السماوية حقيقة بما أتى به الإسلام، فالإسلام يؤكّد على مبدأ التشاركية والمساواة في الحقوق من خلال التأكيد على شراكة الناس في أهمّ موارد البيئة وهي الماء والكلأ والنار. كذلك يشرع عبادات كالزكاة والصدقة والوقف تضمن للمجتمع الإسلامي أن يعيش وفق أرقى معايير العدالة الاجتماعية وأرقاها، كما حرص الإسلام على إزالة الفوارق الغير مرغوب بها بين طبقات الناس، من خلال حثّ الجميع على العمل والإنتاج وتأمين الحرّية لهم لممارسة تجاراتهم وأعمالهم بعيداً عن الاحتكار، أو الاستئثار المعيب.

على هذا الأساس تعرف العدالة الاجتماعية على أنّها المبدأ الأساسي من مبادىء التعايش السلمي في الدولة، وتتم عن طريق تحقيق المساواة للجنسين أو تحصيل حقوق الشعب أو المهجرين. وإزالة الحواجز التي تقف في وجه الشعوب لأسباب مختلفة (كنوع الجنس أو السن أو الانتماء أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العجز) عند تحقيق كلّ ما ذكر، تكون الدولة قد جعلت من مجتمعها مدنياً تسوده العدالة بين أفراد الشعب على اختلافاتهم. وعلينا أن ندرك في أيامنا هذه بأنّ الفجوة بين فقراء العالم وأثريائها تزداد اتساعاً، الأمر الذي أدى إلى تساع الهوة والخلافات بين البلدان والمجتمعات حول العالم، وبين أفراد وطبقات المجتمع في البلد الواحد، الأمر الذي يجعلنا نفكر ملياً بالأسباب في هذا الاتساع، فيجب التركيز على إيجاد الطرق والحلول لتحقيق العدالة ضمن نطاق واسع بمتسع هذه المشكلة.

ارسال التعليق

Top