• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معركة النهروان.. انتصار لراية الحق والعدل

عمار كاظم

معركة النهروان.. انتصار لراية الحق والعدل

المجتمع الإيماني هو الذي يعيش روح الجهاد وعياً وحكمةً وسلوكاً يسعى من خلاله إلى تثبيت الحقّ ونصرته، وعون الدِّين على أن يقوى أمره في الواقع، فلا مكان للتقاعس والتخاذل والضّعف في قاموس الإنسان الملتزم سبيل الله وتعاليمه. يدعونا الإمام عليّ (عليه السلام) إلى التمسّك بالحقّ مهما اشتدت الظروف وتعقّدت، وأن نشتري آخرتنا بدنيانا، فنتوحّد بالله، وننهض بواجب الجهاد وإعلاء كلمة التوحيد، ونشر الدين ونصرة أهله، وتثبيته في ربوع الحياة، وأن نحافظ على ديننا ونتمسّك به، ولا نفرّط به لمصلحة هنا أو هناك، لأنّ من يفرّط بدينه، فقد فرَّط بوجوده وكيانه وهويته، وصار بلا قيمة وبلا غاية.

يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في خطبة له يصف فيها المتخاذلين من أصحابه عن نصرة الحقّ: «كم أداريكم كما تُدارَى البكارُ العمدةُ والثِّيابُ المتداعية! كلَّما حيصت من جانب تهتّكت من آخر، كلّما أطلّ عليكم منسرٌ من مناسرِ أهل الشّام، أغلق كلّ رجل منكم بابه، وانجحرَ انجحارَ الضبّةِ في جحرِها، والضّبعِ في وجارها. الذّليل والله من نصرتموه! ومن رمي بكم، فقد رمي بأفوقَ ناصلٍ. إنّكم - والله- لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات، وإنّي لعالمٌ بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي. أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم! لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ!».

ففي معركة النهروان التي حدثت في سنة 38 هـ بين جيش الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والخوارج، انتهت المعركة بانتصار عليّ (عليه السلام) ومقتل جميع الخوارج البالغ عددهم 4000 ما عدا أقل من 10. فبعد واقعة التحكيم التي جرت في حرب صفين عاد الإمام عليّ (عليه السلام) بجيشه إلى الكوفة، ففوجئ بخروج طائفة من جيشه يبلغ تعدادها أربعة آلاف، معلنة تمرّدها على الإمام (عليه السلام) فلم تدخل معه الكوفة، وإنّما سلكت سبيلها إلى حروراء، فاتخذت مواقعها هناك. والجدير ذكره أنّ الفئة التي خرجت على الإمام عليّ (عليه السلام) كان قوامها من الفئات التي أرغمته على التحكيم في حرب صفين. فعند تمرّد تلك الفئة وخروجها من جيش الإمام (عليه السلام) أعلنت مبرّرات خروجها تحت شعار: «لا حُكْمَ إلّا لله، لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم، وقد كانت منّا خطيئة وزلّة حين رضينا بالحكمين، وقد تُبنا إلى ربِّنا، ورجعنا عن ذلك، فارجع يقصدون الإمام (عليه السلام) كما رجعنا، وإلّا فنحن منك براء»، بَيْدَ أنّ الإمام (عليه السلام) أوضح لهم حينئذٍ أنّ الخُلق الإسلامي يقتضي الوفاء بالعهد الهدنة لمدّة عام الذي أُبرم بين المعسكرين قائلاً: «ويَحكُم، بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟». أوَلَيسَ الله يقول: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل/ 91). إلّا أنّ المعارضة المارقة لم تصغ إلى توجيهات الإمام (عليه السلام) واستمرّوا في غيِّهم، وتعاظم خطرهم بعد انضمام أعداد جديدة لمعسكرهم، وراحوا يعلنون القول بشرك المنتمين إلى معسكر الإمام (عليه السلام) -بالإضافة للإمام- ورأوا استباحة دمائهم. ولقد كان الإمام (عليه السلام) عازماً على عدم التعرّض لهم ابتداءً ليمنحهم فرصة التفكير جدّياً بما أقدموا عليه، عسى أن يعودوا إلى الرأي السديد.

فلمّا بدأ الخوارج القتال، طوّقتهم قوّات الإمام (عليه السلام) وتحقِّق الظفر لراية الحقّ. وهكذا قضى الإمام (عليه السلام) في حرب النهروان على حركة الذين سبق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن سمّاهم بالمارقين، حين أشار إليهم في حديث رواه أبو سعيد الخدري قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ قوماً يَخرجونَ، يَمرقون من الدِّين مُروق السّهمِ من الرّمية».

ارسال التعليق

Top