• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مفهوم التسامح ودرجاته

عمار كاظم

مفهوم التسامح ودرجاته

يعتبر التّسامح أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي حث عليها الإسلام، يقول تعالى: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199). إن المصطلح القرآني العفو والتسامح والمسامحة كلها مفردات ذات دلالات كبيرة، يصل مداها ليلامس القلوب، فيزرع فيها المحبة والاحترام، والودّ والوئام. والتّسامح أيضاً هو الشّعور بالرّحمة، والتّعاطف، والحنان، أن تفتح قلبك، وأن لا يكون هناك شعور بالغضب ولا لوجود المشاعر السلبية لأيّ شخصٍ أمامك. والتسامح في اللغة معناه أيضاً التّساهل؛ فبالتّسامح تكون لك نصف السعادة، وبالتّسامح تطلب من الخالق أن يسامحك ويغفر لك.

إن مفهوم التسامح أو العفو، من المفاهيم التي تدعو إلى بناء المجتمع الفاضل، وزرع روح المحبة والتعاون في نفوس الأفراد، فكلمة العفو كلمة مقدسة، وعندما يريد الإنسان أن يصورها لنفسه يشعر بخروج نورٍ يسطع منها، يلامس قلوب العارفين وبناءً على ذلك فمن رأى من أهل داره إساءة ينبغي له أن يعفو ويصفح كي تعمّ المحبة والودّ في هذا الوسط.

الإسلام دين يدعو إلى العفو والصفح عند المقدرة، وأنّ من يتسامح في حقه ويعفو، ويصفح عن المسيء إليه يكون نبيل الخلق، عظيم الشأن، متسامياً عن الدنايا، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34-35).

فالإسلام يجيز أن ترد الإساءة بالمثل، فتعاقب المسيء بمثل آذاك به، ولكن المثل الأسمى في الإسلام أن تحسن إلى من أساء إليك، وتعفو عن من ظلمك، يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 40).

إنّ للتسامح درجات، وضحها القرآن الكريم بقوله: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التغابن/ 14) بمعنى هناك ثلاث درجات للتسامح هي:- العفو، الصفح والغفران، وهذه درجات لصفة واحدة هي التنازل عن الحقوق الشخصية بالسماحة وسعة الصدر لصالح الأسرة. وينبغي للمؤمن أن يسمو بنفسه إلى آفاق الحلم والسماحة تخلقاً بأخلاق الله، ويتحمل بعض الإساءات ويغفر للمتسامحين ويرحمهم، وهي أعلى درجات التسامح. وتحسس المؤمن بحاجة إلى غفران الله ورحمته لا شك يدعوه للتلطف بمن هو تحت يده وقدرته.

لهذه الصفة والملكة الاخلاقية والإنسانية، آثار وضعية في حياة المجتمع، كما لها آثار معنوية في النفوس، منها، من عفا عفا الله عنه، فالتسامح يقوي الأواصر الاجتماعية ويوحد المجتمع ويجعله مجتمعاً تعاونياً متماسكاً. التسامح يفتح الآفاق لحياة جديدة مبنية على الحب والسعادة واحترام الآخر. التسامح يزرع البهجة في النفوس ويعمر القلوب بحب العمل للغير ومساعدته ويولد الأمن والاستقرار. التسامح والعفو يؤصلان المحبة والمودة والتواصل الدائم بين أبناء المجتمع، بعكس القسوة والغلظة، فإنها تزيد من بث الشحناء والنفرة في المجتمع وتقتل التواصل والألفة والمحبة. المسامح أجره على الله، وليس على شخص آخر: (فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 20).

فالتسامح كسلوك وموقف ليس مِنّة أو دليل ضعف في الالتزام بالقيم، بل هي من مقتضيات القيم ومتطلبات الالتزام بالمبادئ، فالغلظة والشدة والعنف في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، هي المناقضة للقيم، وهي المضادة لطبيعة متطلبات الالتزام وهي دليل ضعف لا قوة. فالأصل في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، أن تكون علاقات قائمة على المحبة والمودة والتآلف، حتى ولو تباينت الأفكار والمواقف، بل إن هذا التباين هو الذي يؤكد ضرورة الالتزام بهذه القيم والمبادئ.

ارسال التعليق

Top